إن المتتبع والفاحص للواقع الملموس لمدينة تازة سواء كان هذا المتفحص "مثقف" او "بسيط" لاتخفى عنه التناقضات الواضحة تمام الوضوح بين المعلن عنه والمضمر له ; بمعنى بين القول السياسي المصرح به كشعار جذاب, سواء قبل الانتخابات أوبعدها, أي في مكاتبهم المكيفة وعلى كراسيهم المريحة, داخل المجلس البلدي أو المجموعة الحضرية أو المجلس الاقليمي..وكذا عند انتقالهم إلى البرلمان بغرفتيه(مجلسي النواب والمستشارين), من طرف القائمين على الشأن التدبيري والتسييري لمدينة تازة والمناطق المتاخمة لها, أي الاقليم ككل , وبين ماهو عملي ,أي تطبيق تلك المقولات التنموية الرنانة على جغرافية المدينة.. إذن, الاستنتاج سيكون لاريب هو : شتان بين التنظير السياسي والاقتصادي والاجتماعي .. للمدينة وما بين تفعيلها على الملموس. لكن ليس هذا هو الجواب الذي نصبو إليه عبر هذا المقال, بقدر ما نحاول كشف الوجه الحقيقي "للمسؤولين" عن هذا الوضع السيء الصيت, الذي يعاني منه أهل تازة الذين يرددون الأسئلة الروتينية البديهية في الصباح والمساء دون كلل, من قبيل من أين يأتون هؤلاء "المنتخبون" وملاك العقار والمستثمرون "بكسر الميم" في المدينة بكل هذا المال ؟ ولماذا المشاريع التنموية والاقتصادية.. للمدينة مجمدة بالرغم من توفر المال والعتاد الكافيين لجعلها مستغلة "بفتح الغين" من طرف المعطلين (ت)القابعين(ت) في مستنقع الفقر والحرمان بتازة ؟ نموذج "المحطة الطرقية الجديدة" وهذه الاخيرة في حالة تدشينها, ترى من سيستفيد من مرافقها ومحلاتها التجارية, هل لمن يستحقها أو لمن يشتريها ؟ وغيرها من المشاريع المرسومة بشكل جميل على الاوراق دون تطبيقها على الملموس.. ثم أين هي المحاسبة والمراقبة(من أين لك هذا)؟..كذلك لماذا تم حظر دخول شركات نقل منافسة (بكسر الفاء) ل"شركة النقل فوغال" إذ هذه الأخيرة, تعتبر خاصة عند الطلبة والتلاميذ والأسر التازية بمثابة "مصاص دماء" لما تفرضه من غلاء "متوحش" على بطاقات الانخراط الشهرية والتذاكر..ناهيك عن الممارسات "اللاأخلاقية" و"الهمجية" من طرف "بعض" المراقبين (les contrôleurs) والمتمثلة في"اختطاف" وتجريد الطالبات والطلبة والتلاميذ والتلميذات ل/من أغراضهم الخاصة (محفظات,كتب,هواتف,..) بشكل عنيف مع السب وأحيانا استعمال "العنف" في حالة نسيان البطاقة أوالتذكرة.. كذلك, لماذا تعطى رخص بناء الاقامات الفخمة والتجزيئات العريضة/الطويلة لعناصر معروفون في المدينة ومحسوبون على رؤوس الاصابع, في المقابل نجد فئة عريضة من الأسر التازية تجد صعوبة كبيرة في الحصول على رخصة من أجل بناء بيت/"كوخ" صغيرمن أجل اتقاء شر البرد الفتاك وظاهرة التشرد الخطيرة في أزقة وشوارع المدينة؟ ! فمن المسؤول إذن وراء كل هذه الفوضى العارمة في واضحة النهار؟
صحيح أن مدينتنا "الجميلة" تازة كسائر المدن المغربية تشهد إبان الانتخابات "شراء" الاصوات والكراسي "السلطوية" وفق منطق "الكرسي الكبير لمن يدفع الكثير" لكن, بالرغم من ذلك فالمشكل ليس في الفقراء والمحرومين من أبسط شروط العيش الكريم(الشغل,الصحة,السكن..) بل في الأغنياء الذين يعلمون علم اليقين أن المال في ظل سيطرة المرض والفقر المدقع والبطالة.. هو من يصنع منهم نواب ورؤساء... وأن البقية هم وسيلة وفقط يمتطون على ظهورهم باعتبارهم "حصان طروادة" لبلوغ دوائر" صناعة القرار وفرضه" وهذا ليس بغريب ولاعجيب في مدينتنا,بل هو أس السلطوية بالمفهوم "الغابوي" أي البقاء للأقوى, ليس بالمعنى "الدارويني" بل بما تشتهيه "البرجوازية" التازية.
إذن,نحن أمام فئتين:واحدة تملك كل شيء (المال,الارض,السلطة..)وأخرى لاتملك أي شيء حتى(إنسانيتها) تحاول جاهدا الفئة الاولى تجريدها منها.
مما تقدم, فإن أردنا الاحتكام إلى القانون "الديالكتكي" الكميائي والطبيعي في ذات الآن, الذي يذهب إلى القول أن : "التراكمات الكمية تفضي بالضرورة إلى تحولات كيفية" وأسقطناه بشكل علمي موضوعي على الواقع التازي الملموس,فسنخلص إلى الاستنتاج التالي :
أن معاناة الساكنة التازية من طلبة, تلاميذ, معطلين, معاقين, أرامل, مسنين..المتمثلة في الذل الممارس عليها من طرف أصحاب الثروة علاوة على الفقر المدقع والمرض الذي ينخر أجسادهم دون إمكانية العلاج والتطبيب وقس على ذلك..فعند تكدس وتراكم كل هذه المعاناة الطويلة الأمد وبلوغها أعلى الدرجات , فمحتم أن تنقلب الكفة على نقيضها بشكل كيفي ; أي على من يحتكرون الثروة ويستثمرون في المدينة ويغتنون على حساب الفقراء المقهورين..والتحول الكيفي هذا يتم عبر الصراخ والغضب والمطالبة بالمحاسبة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص..وما إلى ذلك,وكل هذه التعابير الرافضة للذل و"السلطوية" من طرف الطغمة القليلة التي تفسد في المدينة وتذل أهلها دون رقيب ولاحسيب..هي ما يصطلح عليها في الآدبيات الثورية "بالانتفاضة" أو في شكلها الأعلى "بالثورة الاجتماعية".
من هنا, يبدو أنه تبين الخيط الاسود من الخيط الابيض, أي بين من يملك الثروة وما بين من يصنع "الثورة" وشروط هذه الاخيرة توفرها وتزيد في نضجها الفئة الاولى وذلك بتغطرسها وبجهلها مكانة الفئة الثانية وبعدم تحملها المسؤولية الضرورية اتجاه ساكنة تازة بكل شرائحها المقصية والمهمشة..
فبعدما تبينا العلاقة "الجدلية" بين الثروة و"الثورة",أوبكلمات أخرى دور الأولى في اندلاع الثانية والارتباط الوثيق بين مكوناتهما ,أي الانسان بشكل عام, إلا ان الفرق بينهما كما وضحنا آنفا, هو الامكانية "المادية" أي سلطة المال التي تفضي بالضرورة إلى اعتبار الساكنة التازية وسيلة كما أسلفنا الذكرعبرها يصل الملاكون العقاريون في المدينة إلى مآربهم السياسية والاقتصادية .. المبيتة والتي تهدف إلى التحكم في مصائرها (أي الساكنة) وتسد بالمحصلة الطريق على نهضتها وتنميتها على كافة الاصعدة,وهذا مايؤدي حتما كما فسرنا,إلى ما لايحمد عقباه..فالسؤال المنطرح في الختام هو:هل سيظل الوضع في مدينة تازة على ماهو عليه بالرغم من المؤشرات الخطيرة التي تصول وتجول على الواقع التازي ؟ أما إذا كان الجواب بالايجاب, أي التدخل "المباشر" من طرف الجهات العليا في البلاد للحد من جبروت "المسؤولين" كما حدث في مجموعة من المدن المغربية,فمتى سيعلن عن ذلك ويأتي دور مدينة تازة ؟