صدمة يعيشها الوسط الصحفي و الاجتماعي المغربي بعد إعلان النيابة العامة على إحالة الصحفي المعروف توفيق بوعشرين مدير نشر جريدة " أخبار اليوم" و موقعي " سلطانة" و " اليوم 24"، على غرفة الجنايات من أجل الاشتباه في ارتكابه لجنايات الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة و الضعف و استعمال السلطة و النفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد و التهديد بالتشهير، و ارتكابه ضد شخصين مجتمعين، و هتك العرض بالعنف و الاغتصاب و محاولة الاغتصاب المنصوص عليها و على عقوبتها في الفصول 1-448، 2-448، 3-448، 485 – 486 و 114 من مجموعة القانون الجنائي و كذلك من أجل التحرش الجنسي و جلب و استدراج أشخاص للبغاء من بينهم امرأة حامل، و استعمال وسائل للتصوير و التسجيل، المنصوص عليها و على عقوبتها في الفصول 498، 499، 1-503، من نفس القانون، و هي الأفعال التي يشتبه أنها ارتكبت في حق (8) ضحايا وقع تصويرهن بواسطة لقطات فيديو يناهز عددها (50) شريطا مسجلا على قرص صلب و مسجل فيديو رقمي. و بناء على صك التهم الذي تضمنه بلاغ النيابة العامة فإننا نرى مايلي:
أولا- لقد استلزم المشرع المغربي في مثل هذه الجرائم لتحريكها، تقديم شكوى من المجني عليه و مفاد ذلك أن النيابة العامة لا تكون لها حرية اتخاذ ما تشاء من إجراءات تتعلق بالجريمة موضوع الشكوى إلا بعد التقدم بها، و يترتب على تقديم الشكوى أن يعود للنيابة حقها في تحريك الدعوى و رفعها على المتهم و أن تباشر جميع إجراءات التحقيق و رفع الدعوى دون أن تكون مقيدة بأي قيد.
و عليه فالتهم الثقيلة التي كيفتها النيابة العامة بعد فحصها للشكاوى و استنطاق المشتبه به، تعتبر اختصاص أصيل للنيابة العامة التي تتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، لكن صحة القيد و الوصف أي ملائمة الأفعال المنسوبة للمتهم مع البنود و المواد القانونية، أو بمعنى أخر إسقاط
الواقع على القانون، تخضع كلها لرقابة قاضي الموضوع، لأن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل مكلفة بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها و أوصافها و أن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحا دون الحاجة إلى أن تلفت نظر الدفاع إلى ذلك.
ثانيا – من المعلوم وفق أسس القواعد القانونية، أن الشكوى يجب أن تتضمن عدة شروط، فالشكوى المقدمة من مجهول لا تحدث أي أثر قانوني و مصيرها الحفظ.
ثالثا: أما حول اللقطات المسجلة في الفيديو و التي أكد المشتبه به بأن الكاميرات دست في مكتبه من قبل أجهزة الأمن، و أنه لايملك أي كاميرا تصوير داخل مكتبه، و هو ما أكده تقني الجريدة، و لذلك رفض التوقيع في المحضر على وجود هذه المحجوزات. فالمستقر عليه في الفقه و القضاء أن استخدام الأساليب الحديثة للحصول على دليل يحمل بين طياته نوعا من الوسائل التي تشكل اعتداء على الحياة الخاصة ونوعاً آخر من الوسائل التي تشكل انتهاكاً واعتداءً على سلامة الفرد الجسدية وفي الحقيقة أن معيار قبول أية وسيلة علمية مستخدمة في مجال الإثبات الجنائي لإظهار الحقيقة يرتكز أساساً على عدم إهدارها لحرية الفرد أو كرامته الإنسانية ، الأمر الذي قد يزيد من الضغط على قدرة القاضي الجنائي كي يوازن بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع.
وبما أنّ الدليل المستمد من الوسائل الحديثة يعد أكثر الأدلة اقتحاما وتعديا على حرمة الحياة الخاصة لذلك فأنَّ هذا الدليل لا يكون مقبولا في العملية الاثباتية، إلا إذا تم الحصول عليه ضمن إطار أحكام القانون واحترام قيم العدالة وأخلاقياتها ، وبالرغم من حرية القاضي الجنائي في الإثبات إلا انه لا يستطيع أن يقبل دليلا متحصلا من إجراء غير مشروع ليس فقط لأنَّ ذلك يتعارض مع قيم العدالة ، وإنما لأنه كذلك يمس بحق المتهم في الدفاع عن نفسه ، وإذا كان مفهوم المشروعية ضمن إطار القوانين العقابية يقصد منه مدى مطابقة الإجراء أو التصرف للنصوص القانونية التي تنظمه فأنه في مجال مسطرة جمع الأدلة والحصول عليها يشبهه البعض بمثلث ذي ثلاثة أضلاع تدور في فلكه إجراءات جمع الأدلة وإثباتها إلى أن تصبح صالحة لإنتاج أثارها القانونية.
وهذه الأضلاع هي: أن تكون الأدلة وليدة إجراءات قانونية سليمة، وان تقوم هذه الإجراءات على أسس علمية ثابتة ومستقرة ، وان تتم وفق إجراءات تتفق مع قواعد الأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان.
لذلك فأنَّ دور القاضي الجنائي هنا هو التأكد من الأدلة المعروضة أمامه قد تم الحصول عليها بطريقة مشروعة ، إلا انه يمكن إن يكون الدليل المستمد من هذه الوسائل كان نتيجة لإجراءات غير مشروعة فيستبعدها القاضي ، لذلك فأن قبول القاضي للدليل المستمد من أجهزة المراقبة و التسجيل يتوقف على عدة ضوابط لشرعية الإجراءات الماسة بالحرية.
رابعا – أما بخصوص الاتهام بشبهة ارتكاب جناية الاتجار بالبشر، فهو مبالغ فيه جدا، لأن القانون الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2016م، جاء بناء على انضمام المغرب إلى البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية المتعلق بالاتجار بالبشر، خاصة النساء و الأطفال. و جاء هذا القانون لمعالجة الأشكال الثلاث للاتجار بالبشر في المغرب و الذي رصدته المنظمات الدولية و تقارير وزارة الخارجية الأمريكية، الأول يستهدف المهاجرين غير النظاميين، إذ تعتمد شبكات تهريب البشر إلى أوربا، المملكة منطقة عبور، والثاني، يتعلق بشبكات اتجار بالبشر مختصة في تهريب المغاربة إلى الخارج والاتجار بهم، فتعد مغربيات الخليج، أبرز مظهر لذلك الشكل، أما الثالث فهو داخلي، ويتمثل في شبكات تتاجر بالأطفال والنساء وتتوسط في استغلالهم في عدد من الأعمال، منها العمالة المنزلية والتسول والعمل الجنسي.
كما أن التعريف الواسع لجريمة الاتجار بالبشر باعتبارها "عملية التحكم في شخص أو أشخاص باستعمال وسائل مختلفة يكون معها الضحية في وضعية يفقد معها السيطرة الكاملة على نفسه، ما يجعله خاضعاً للفاعل".
ووفقاً للتعريفات الفضفاضة التي تضمنها القانون، يمكن لأي شخص أن يتقدم بشكاية، و يصعب كذلك من خلال القانون أن نعرف ما إذا كان الشخص ضحية أم فاعلا في الجريمة. لنفترض مثلاً أن شخصاً اشتغل بالدعارة و القوادة عن اختياره، لكن يمكن أن يعتبر نفسه ضحية للإغواء واستغلال الحاجة والفقر؛ أي إنه ضحية وليس فاعلاً وفق هذا القانون.
لذلك فقراءة هذا القانون و تطبيقه يجب أن تكون على ضوء المقتضيات القانونية التي تجرم الدعارة والفساد والبغاء، لأن هناك تقاطعات يمكن أن تعفي أشخاصاً قد يكونون متورطين في شبكات الفساد؛ لأن استغلال الحاجة صعب الإثبات، ولا يمكن أن يعفي من المسؤولية الجنائية.
و من جهة أخرى فالقانون أقر للوفاء بالتزامات الدولة أمام المنتظم الدولي فقط لأن الصيغة النهائية للقانون تتكون من تسع مواد، أغلبها تشكل أحكام الفرع السادس ضمن الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي ل26 نونبر 1962، يعني بأن ما
جاء به قانون الاتجار بالبشر هو جرائم موجودة في القانون الجنائي المغربي، و الفرق الوحيد الذي أضافه القانون الجديد أنه غلظ العقوبات و شدد الغرامات.
خامسا – إن تحديد الجلسة الأولى لأطوار المحاكمة في الثامن من مارس، و الذي يصادف اليوم العالمي للمرأة، قد لا يكون بريئا فربما المقصود به هو تجييش الرأي العام لجعلها إدانة شعبية حتى قبل المحاكمة، و الذي يعزز ذلك هو الحملة التضامنية مع ضحايا بوعشرين من طرف جمعيات و أسماء وازنة.
هذه مجموعة من التأملات القانونية، ليس القصد منها الدفاع عن بوعشرين، و إنما فقط لإبراز بعض النقاط التي حاطت بالقضية و بسببها دخل البعض في نفق تسييسها.
فإذا كانت القضية كما اعتبرتها النيابة العامة هي قضية حق عام، فليقدم كل طرف دفوعه و مطالبه، فإما البراءة أو الإدانة.
و في حالة ثبوت التهمة على بوعشرين، فلا يسعني إلا القول بأنه يملك ذوقا جد سيء في النساء.