عندما نتحدث عن الصراع الطبقي فإننا نكون بذلك في صدد محور النظرية السياسية والاقتصادية للمادية الجدلية المعروفة بالماركسية. وتقوم الفكرة بأن التاريخ عبارة عن طبقات متناثرة إحداها تستغل الأخرى، لم يكن سوى تاريخ صراع الطبقات، فالحر والعبد، والنبيل والعامي، والسيد وألقن، والمعلم والصانع، أي باختصار، المضطهِدون والمضطهَدون، كانوا في تعارض دائم وفي حرب مستمرة، حرب كانت تنتهي دائما إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره أو بانهيار الطبقتين معا.
هذا بالنسبة للتاريخ، أما في واقعنا الحالي فرغم التقدم التكنولوجي والعلمي والتطور الصناعي فما زال الإنسان يعاني مشكل التباين الاجتماعي والفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء، وبين الفقر المدقع في جانب وتراكم الثروات في جانب آخر. فنرى البعض يكنز من الثروة حتى لا يستطيع إحصاءها ونرى البعض الآخر يعاني الفقر حتى لا يجد ما يوفر لنفسه ولرعيته من الضروريات اللازمة في حدها الأدنى للحياة كالماء والغذاء والملبس والمأوى.
فالمجتمعات التي يقوم جزء منها على الغنى الفاحش، والجزء الأكبر على الفقر المدقع في غياب التكافل الاجتماعي والأمن الغذائي والروحي والسكن النفسي لا دوام لها بسبب الاضطرابات والهلع والخوف، في غياب الأمن والاستقرار ومن ثم العداء والصراع من أجل البقاء.
ولقد تفشت ظاهرة الصراع والتباين الطبقي في عصرنا الحديث أكثر بكثير مما كانت عليه من قبل بسبب الصراعات السياسية والاقتصادية وخاصة في المملكة المغربية الغنية بمواردها الطبيعية كالغاز والبترول والماء، وذلك بسبب غياب التعاون والتضامن والوحدة والتكتلات على شكل أقطاب اقتصادية وسياسية واجتماعية بين الدول العربية والإسلامية.
وقد لاحظنا نهج سياسة التفكك والبلقنة وتجزُّؤ المُجَزَّأ من طرف أعداء الوحدة العربية والإسلامية، فاشتعلت الحروب وازدادت حدتها في القرن الأخير (ق20) وما زالت مندلعة هنا وهناك في أنحاء مختلفة من العالم ، ومعظمها ذات طابع اقتصادي وعدواني عنصري وسياسي، كردة فعل لحرمان أكثرية شعوب العالم التي خرجت في تظاهرات وثورات منددة بما تعيشه من ظلم اجتماعي وفساد إداري واستبداد سياسي في الحكم وتسلط على الرقاب، كثورة الربيع الديمقراطي.
وقد حاولت المذاهب السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في العالم البحث عن علاج لمعضلة الفوارق الطبقية، وهكذا اختار كل من الفكر الاشتراكي، إلغاء الملكية الفردية، واختار النظام الرأسمالي طريقة استيفاء الضرائب الثقيلة وإنشاء المؤسسات الخيرية والاجتماعية العامة، إلا أنها لم تحل مشكلة التمايُز الطبقي.
لأن صلب المشكلة سببه غياب التكافل الاجتماعي كمبدأ إنساني يحتاج إلى جهد جهيد لتربية الأجيال الصاعدة، عليه بالإقناع وبالسلوك والممارسة اليومية في إطار منظومة القيم الإنسانية، وهذا ما لا نجده ضمن الروح المادية التي تسيطر على العالم بأسره.
وبالرجوع إلى المذهبية الإسلامية نجد أن واحدًا من الأهداف الكبرى التي يسعى لها هي محاربة هذه الفوارق الطبقية غير العادلة والناشئة من الظلم الاجتماعي الذي تمارسه الطبقة الغنية على الطبقة الفقيرة المستضعفة، وبالتوفيق بين روح المذهبية الاشتراكية والرأسمالية.
إذ أعطت حرية الإنتاج الفردية للأشخاص وألزمتهم بالتكافل الاجتماعي الجماعي لقوله تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" وذلك من أجل رفع مستوى معيشة الذين لا يستطيعون رفع حاجاتهم اليومية دون مساعدة الآخرين، في أفق الحفاظ على الاستقرار النفسي والاجتماعي للطبقة الكادحة المحرومة.
ولبلوغ هذه الأهداف وضع الإسلام برنامجا واسعا لمحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية كالتضامن والتعاون والتكافل، والأخوة بين أفراد المجتمع، وبوجوب دفع الضرائب الإسلامية كالزكاة والحث على الإنفاق والقرض الحسن والمساعدات المالية المختلفة، في إطار روح الأخوة والإنسانية والمحبة والإحساس بالعطف نحو الآخر والإحسان إليه وفي إطار منظومة القيم الإنسانية الشاملة.