تُستعمل كثيرا مقولة "حلوف كرموص" في المغرب، و بروايات متعددة، لضرب المثل على ازدواجية المفاهيم بخصوص الحلال و الحرام. فهذا المثل الشعبي يسخر مِمن يأبى لحم الخنزير و يعرض عنه لكونه أكلا محرما مقيتا بحكم النص القرآني، ويستحلّ فاكهة التين التي لا تبرح خانة "الطيبات" و "ما أحل الله" و لو كانت تحصيل سطو و سرقة! هذه الإزدواجية في تصنيف الحلال و الحرام هي أمر شائع في الكثير من المجتمعات و الأديان. لكن قد يحصل ان يتشابه الحلال و الحرام سياسيا عند دولة بحجم مملكة إسبانيا، و هذا هو المقصود من استعارة المثل الشعبي المغربي في هذا الوصف. فالعنوان أعلاه يشرح و يُفصّل التناقض الرهيب الذي تُظهره إسبانيا بخصوص إنفصال كتالونيا و إنفصال الصحراء، وكيف تبتهج إسبانيا لإنفصال و تتأفف من آخر! إسبانيا التي عندما يتعلق الأمر بجارتها الجنوبية تكون أول من يلبس ثوب راعي حق الشعوب في تقرير المصير لِتصطفّ بجانب انعتاق "الشعب الصحراوي" من "الإستعمار المغربي". فالحكومة المركزية الإسبانية التي ترفض البتة فكرة انفصال إقليم كتالونيا عن ترابها لا تجد حرجا في مباركة انفصال الأقاليم الصحرواية عن المغرب. إسبانيا نفسها التي ترى في غالي إبراهيم و قبله محمد عبد العزيز زعماء ثوريين ترى في كارلس بوتشديمونت (حاكم إقليم كتالونيا) إنسانا مستفزا و متهورا. بالإضافة إلى أن مدريد لا تفوت فرصة أو منبرا إلا و أسهبت في تفاصيل عدم قانونية الإستفتاء بكتالونيا، مع أنها تقدم كل المبررات التي تجعل من انفصال الصحراء حقا مشروعا تضمنه المواثيق و الأعراف الدولية! الجارة الشرقية للمملكة تعاني بدورها من شيزوفرينيا دعم الإنفصال خارجيا و إقباره داخليا. حيث دأبت الحكومة الجزائرية أن تكون أول من ينتصب لدعم الحق في تقرير المصير بالصحراء الغربية لكنها على نقيض ذلك تُدرج مطالب استقلال منطقة القبايل في خانة المؤامرة الخارجية! مفهوم "الحلوف الكتالاني و الكرموص الصحراوي" يقاس ايضا على مكونات المنتظم الدولي التي بدورها و على عكس الأخذ و الرد في قضية الصحراء الغربية تُجمع في الحالة الإسبانية بضرورة الوحدة و تفادي الإنفصال، حيث عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن ألمانيا لديها مصلحة كبيرة في استقرار دولة إسبانيا. بل هناك أصوات أخرى ذهبت إلى حد تهديد حكومة الإقليم الكتالاني بعدم قبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي في حالة التصويت لصالح الإنفصال كما جاء مؤخرا على لسان جون كلود جانكر، رئيس المفوضية الأوروبية. فلماذا كل هذا الحرص في الحفاظ على وحدة إسبانيا مقابل السعي في تفييئ و تشرذم دول الجنوب؟! تجدر الإشارة إلى أنه، و على الرغم من دعم إسبانيا المتواصل لقيام كيان مستقل بالصحراء و استمرارها في احتلال ثغري سبتة و مليلية و سوابقها الاستفزازية في عهد آثنار، فالخارجية المغربية عبرت عن دعمها لوحدة إسبانيا، معللة ذلك كون المغرب له ثوابت في سياسته الخارجية، رغم أنه تم تبني عكس هذا التوجه مع الفاعل الآخر في مشكل الصحراء بحيث عبر المغرب عن تأييده لمطلب إستقلال منطقة القبايل، إعتمادا منه على مبدأ المعاملة بالمثل في إثارته مؤخرا القضية داخل أروقة الأممالمتحدة بعد صيام طويل عن الشأن الداخلي للجزائر، وبهذا يبصم المغرب على دخوله حلبة الازدواجية ويحق فيه أيضا وصف "حلوف كرموص" الذي أسلفنا شرحه. يشهد التاريخ أن المطالبة بالإنفصال في كثير من الحالات (خصوصا في العالم الثالث) كانت نتاج واقع مجتمعي قائم على مجموعة من الغيابات: غياب الحريات و الديمقراطية و حقوق الإنسان و دولة الحق والقانون و العدالة الخ.. لكنه في حالات أخرى لا يعدو كونه أحد مخلفات التقسيم الجغرافي الكولونيالي المُطرّز على هوى الدول الاستعمارية التي ساهمت في تفكيك الروابط الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية للشعوب. فالواقع الكردستاني مختلف عن الواقع القبايلي و واقع جنوب السودان مختلف عن واقع جنوب المغرب! أطروحة الإنفصال التي دعمتها الامبريالية في العديد من البلدان و قدمتها على كونها عصًا سحرية تُخرج الشعوب من القهر نحو الانعتاق ليست سوى مجرد نهج استعماري جديد و سيرورة تكميلية تمكن المستعمر من إستغلال الثورات و فرض السياسات عن طريق لي ذراع الأطراف المتنازعة و ابتزازها. في المقابل يمكن إدراج الانفصال السياسي في خانة "أبغض الحلال" حين تشيع العنصرية العرقية أو المذهبية و حين تُستنفَذ كل محاولات جمع الشمل و إصلاح ذات البين. إن في موقف الدول و الهيئات الأوروبية من انفصال الكاتالان عبرة في ضرورة الدفع نحو الوحدة، كما في قوة الاتحاد الأوروبي عبرة في جدوى السعي وراء تكتلات إقتصادية إقليمية. فهل تستسيغ الجزائر و معها المغرب، قبل فوات الأوان و إدبار الزمان، درس الإتحاد و التكتل الذي يشرحه لنا يوميا جيراننا الشماليون أم أن المكائد و الطعن المتبادلين سيستمرا لغاية إذاقة الشعبين ويلات التمزق و التشرذم و حصول شرخ كبير يستحيل معه ترميم ما سيتبقى من البلدين.