أكد فاعلون سياسيون وخبراء اقتصاديون مغاربة مساء أمس، على أن قرار تحرير سعر صرف العملة المغربية الدرهم، الذي أرجأت حكومة سعد الدين العثماني، العمل به حتى إشعار آخر، ينطوي على مخاطر وتحديات عدة، يمكن أن تنعكس سلبًا على القدرة الشرائية للمواطن المغربي وتهدد مستقبل الاقتصاد الوطني. وشدد متدخلون في لقاء نظمه حزب التقدم والاشتراكية تحت عنوان "تساؤلات حول نظام الصرف بالمغرب"، على أن البلاد "في حاجة إلى فتح نقاش وطني وصريح حول نظام صرف العملات بالمغرب". وقال عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن المواطن العادي له علاقة مباشرة بتغيّرات صرف الدرهم مقابل العملات الصعبة، مؤكدًا أن القدرة الشرائية للمواطن ستتأثر بسبب تعويم الدرهم "لأن عدداً من المواد نستوردها كالقمح والسكر والزبدة والسيارات والملابس، وإذا ارتفع ثمنها بالعملة الصعبة بالنسبة للدرهم سيكون له تأثيره". وأضاف سهيل أن هذا التأثير "غير مرتبط فقط بسعر الصرف لوحده، وإنما له علاقة أيضًا بالتنافسية والقدرة الإنتاجية للسوق الداخلية"، مبرزًا أن عملية تحرير سعر صرف الدرهم "تهدف في حد ذاتها منح السوق المحلية سيولة على مستوى العملات الأجنبية وتسعيرة تكون لها علاقة بقوة العملة الوطنية وارتباطها بالعملات الأجنبية". وحول قرار الحكومة تأجيل اعتماد نظام صرف جديد، اعتبر سهيل أن له "علاقة بالظرفية السياسية التي تعيشها البلاد"، وذلك في إشارة منه إلى الاحتجاجات التي تعيشها منطقة الريف شمال البلاد، وأضاف: "ولربما أن الحكومة رأت بأن الموضوع لم تتم مناقشته بالقدر الكافي". وزاد وزير التشغيل في حكومة عبد الاله ابن كيران السابقة، قائلاً "يجب أن نفهم ونفهم الناس المغزى الحقيقي من هذا الأمر، وأعتقد أن هذا النوع من القرارات ليس بالضرورة أن نحدد للرأي العام تاريخًا معينًا لدخولها حيز التنفيذ وإنما يبدأ بها العمل لمدة حتى يتم الإعلام بها". وأبرز سهيل أن "النموذج المصري لا يمكن مقارنته بالمغرب"، مشددًا على أن مصر اتخذت "قرار تعويم عملتها في إطار أزمة سياسية كبيرة والناس سحبوا أموالهم إلى الخارج، بينما نحن (المغرب) لدينا احتياطي مهم من العملة الصعبة واستقرار سياسي وحالة اقتصادية أحسن مما قامت به مصر في الظروف التي كانت تعيشها". من جهته، قال حميد قسال، خبير اقتصادي إنه "متفق مع قرار التأجيل لأنه وقعت عدة أمور لم يكن أصحاب القرار يتوقعونها، منها مسألة المضاربة التي وقعت قبل أيام حين حدث تخوف لدى البنوك من تراجع قيمة الدرهم بسبب قرار تعويمه". وسجل قسال بأن "السوق السوداء ما زالت تتحكم في سعر العملة خصوصًا المرتبطة بالقطاع غير المهيكل"، مبرزًا أن "هناك تقاربًا بين النموذجين الاقتصاديين المغربي والمصري، ولدينا نفس القاعدة التي تعتمد على العمال المهاجرين في الخارج، غير ان مصر عانت من عدم الاستقرار السياسي مقابل الاستقرار في المغرب". ولفت المتحدث إلى أن هناك "فرقًا بين التعويم والمرونة، فالمغرب لم يقرر التحرير الشامل للعملة المحلية، وإنما يعتزم الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن فقط، وهو ما يفسر تحديد السلطات المغربية لقيمة الرساميل التي يمكن أن تخرج خارج الحدود، سواء من أجل السياحة أو الاستثمار". في سياق متصل، قال الجلالي كنزي، مسؤول بوزارة المالية المغربية" لا يوجد في العالم نظام لصرف العملة ثابت لا يتغير، وإنما يتغير حسب الظروف الاقتصادية للبلد"، وتابع أن "المغرب قرر التنزيل التدريجي لقرار تعويم العملة، بينما التعويم الكامل قد يستغرق 10 سنوات أو 15 سنة أو أكثر". وزاد مبينًا أنه "لا يمكن تحديد المدة الزمنية اللازمة لتعويم العملة المحلية، بالنظر لحجم الصدمة التي ستواجه الإقتصاد الوطني". وكان المغرب أعلن قبل أسبوعين، إرجاء الإعلان الرسمي عن انطلاق قرار تعويم الدرهم (تحرير سعر صرفه أمام العملات الأجنبية)، حيث كان من المقرر، الإعلان الرسمي عن الانتقال إلى نظام الصرف المرن (تعويم الدرهم)، في مؤتمر صحفي، يعقده والي بنك المغرب (محافظ البنك المركزي)، عبد اللطيف الجواهري، ووزير الاقتصاد والمالية، قبل أن يُعلن عن "تأجيله". كما كان مقررًا أن يقدم وزير الاقتصاد والمالية المغربي، عرضًا حول "الانتقال التدريجي لنظّام الصرف المرن"، خلال اجتماع لمجلس الحكومة المغربية، قبل أن يعلن عن تأجيله أيضًا، دون ذكر سبب ذلك. وأعلن في 20 يونيو الماضي، محافظ البنك المركزي المغربي، أن بلاده ستعتمد قرار تعويم الدرهم بشكل رسمي انطلاقًا من يوليو الحالي، واعتبر أن بلاده تتوفر على كل الضمانات من أجل نجاح هذا التعويم، الذي اختير تنفيذه بشكل تدريجي في الوقت، الذي تعيش البلاد وضعًا ماليًا واقتصاديًا عاديًا.