تحولت قناة الجزيرة إلى موضوع محوري في الأزمة الخليجية. الدول المقاطعة لقطر تصرعلى إغلاقها والدوحة ترفض. فما الذي يزعج حكام الخليج في القناة القطرية تحديدا؟ وهل تتخلى عنها الدوحة فعلا إذا كان ذلك مفتاحا للأزمة المشتعلة؟ "إغلاق شبكة الجزيرة" ضمن ثلاثة عشر طلبا تقدمت به كل من السعودية والإماراتوالبحرين ومصر مقابل استعادة العلاقات مع الدوحة. وتبدو الشبكة الإعلامية القطرية القوية من أحد المواضيع المحورية في الأزمة الخليجية التي اندلعت بداية الشهر الحالي عندما قررت الدول الخليجية الثلاث ومصر فجأة قطع علاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق الحدود والمنافذ الجوية والبحرية والبرية. فمنذ بدء الأزمة غير المسبوقة بين الدول الخليجية، سارعت السعودية إلى إغلاق مكاتب الجزيرة وكذلك فعلت أيضا الإماراتوالبحرين. أما مصر فقد أجبرت القناة منذ 2013 على المغادرة بعد مصادرة معداتها كما أن السلطات المصرية سجنت صحفيين من القناة. ولم يتوقف الأمر عند الحد بل فرضت السعودية مثلا عقوبات على كل من لم يحذف قناة الجزيرة من الوحدات السياحية والفنادق وغيرها. فلماذا كل هذا التركيز على هذه القناة؟ وهل الجزيرة هي فعلا منارة حرية التعبير في العالم العربي، كما يراها البعض، أم أنها منبر لحركات إسلامية متشددة؟ والسؤال الأهم: كيف ستتفاعل الدوحة مع الضغوطات بخصوص القناة، هل تضحي بها؟ علامة فارقة في الإعلام العربي تأسست الجزيرة سنة 1996 وشكل تأسيسها منعطفا في التناول الإعلامي لقضايا المنطقة، فقد اعتبرت منظمة مراسلون بلا حدود أن الجزيرة "أشعلت ثورة في الإعلام العربي عند انطلاقها في 1996 بسماحها بوجهات نظر متنوعة". وتوصف الجزيرة، التي تقوى نفوذها بشكل سريع، بأنها قوة قطر الناعمة، وبأنها عززت نفوذ الدوحة في العالم العربي خاصة، وفي العالم عامة. تصف القناة نفسها بأنها أول قناة إخبارية مستقلة في العالم العربي تقدم برامج شاملة ونقاشات مباشرة، تحدت القوالب الجاهزة للإعلام العربي، وقدمت للمشاهدين في العالم صوتا بديلا واضعة الإنسان في قلب اهتماماتها ما جعلها إحدى أكثر الشبكات نفوذا. وسرعان ما طورت الشبكة قنوات وخدمات إضافية أبرزها الجزيرة الانجليزية وهي أول قناة عربية ناطقة بالإنجليزية تبث من العالم العربي ، والجزيرة الوثائقية وخدمة الجزيرة مباشر وغيرها. وحسب موقع قناة الجزيرة فإن عدد الموظفين فيها يبلغ 4000 شخص من مختلف أنحاء العالم. لكن القناة واجهت صعوبات في عدة دول عربية بسبب الاتهامات الموجهة لها بأنها تبث مواد تحريضية وتشجع على الفوضى، خاصة خلال فترة ما سمي بالربيع العربي. ويقول يحيى الأمير وهو كاتب ومستشار إعلامي سعودي إن الجزيرة "ليست قناة إخبارية مستقلة كما تدعي بل هي عبارة عن ذراع لخدمة التدخلات القطرية في المنطقة". ويضيف الأمير في مقابلة أجرتها معه DW عربية بأنّ الدوحة تستعمل الجزيرة كسلاح من أسلحة التشويش على دول المنطقة وبغرض تجييش الشارع ونشر الفوضى والتحريض عليها كما حدث في التجربة المصرية. لكن جابر الحرمي وهو رئيس تحرير جريدة الشروق القطرية ينفي هذه الاتهامات ويقول في حديث ل DW عربية إن هذه الدول لديها مشكلة مع الجزيرة لأنها لا تريد سماع الشعوب. ويضيف: "نعلم منذ البداية مواقف هذه الدول من ثورات الربيع العربي. هي لا تريد إنصاف الشعوب ولا تريد أن تصل موجة الربيع العربي إليها. الجزيرة لم تفعل سوى نقل الواقع في البلدان التي عرفت هذه الثورات". ويتساءل قائلا: هل يعقل أن تكون قناة تلفزيونية قادرة على تجييش ملايين الناس من تونس ومصر إلى اليمن وسوريا وغيرها؟ هؤلاء انتفضوا على قمع حكامهم وعلى الأوضاع المزرية التي عانوا ويعانون منها وليس بتحريض من الجزيرة أو غيرها". ويقول الحرمي إنها ليست المرة الاولى التي تثير فيها القناة إزعاج حكام دول حتى قبل الأزمة الحالية وقبل الربيع العربي، فقد سبق أن أغلقت مكاتبها أو تمت مضايقة صحفييها أو الاحتجاج على بعض المواد التي بثتها من خلال سحب السفراء. "الجزيرة" في قلب الأزمة لكن موقع الجزيرة في الأزمة الحالية يبدو مختلفا عن أي أزمات سابقة بخصوصها. فالأمر يتعلق بأكبر أزمة تشهدها قطر وهي أزمة قد تعصف بمجلس التعاون الخليجي المؤسس منذ 1981. ولقناة الجزيرة نصيب مهم في قائمة الاتهامات الموجهة لقطر. قرار إغلاق الجزيرة في الدول التي تقاطع قطر أدانته منظمة مراسلون بلا حدود، واعتبرت أن القناة "ضحية للحملة على قطر". كما أضافت ألكسندرا الخازن، المتحدثة باسم المنظمة في الشرق الأوسط في بيان للمنظمة، بأن إغلاق مكاتب الجزيرة هو قرار سياسي يهدف إلى فرض الرقابة على هذه المحطة. ويستغرب الحرمي من الإصرار على طلب إغلاق الجزيرة، ويقول: "مواجهة حرية التعبير يكون بحرية التعبير نفسها. هذه الدول لديها عشرات القنوات تبث فيها ما تشاء وسبق أن هاجمت قطر بشكل مباشر ومع ذلك لم يسبق لقطر أن طالبت بإغلاقها، فلماذا كل هذا التحامل؟ ولماذا يتم مصادرة حق الشعوب في متابعة قناة تلفزيونية؟". من جانبه، يرى الخبير السعودي الأمير أن إصرار قطر على بقاء الجزيرة وتركيزها على هذه النقطة إنما تسعى من خلاله للفت انتباه المنظمات الحقوقية واستغلال تقاريرها حول الموضوع، مع أن المطالب الخليجية لها متعددة ومسألة الجزيرة لا تشكل سوى جزئية منها. وردت قناة الجزيرة على مطلب إغلاقها في بيان لها اليوم، قالت فيه إنّ هذا "الطلب الجديد ليس إلا محاولة يائسة لإسكات الإعلام الحر والموضوعي في المنطقة... وستحافظ الجزيرة على مهمتها في ممارسة الصحافة المهنية بغض النظر عن الضغوط الممارسة عليها من دول المنطقة". استضافة "إرهابيين" ومن ضمن ما وجه للقناة من انتقادات أيضا استضافتها لشخصيات مصنفة على أنها إرهابية منها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن وخليفته أيمن الظواهري بالإضافة إلى أبو محمد الجولاني أمير تنظيم جبهة النصرة، وهو الذي يعتبره البعض أخطر إرهابي في سوريا. وهو ما بات يَعتبر معه البعض أن القناة تحولت إلى منبر للجماعات الإسلامية. لكن الحرمي يرد على ذلك بالقول: "هذا يدخل ضمن العمل الصحفي. لو أن أي وسيلة إعلامية دولية أخرى ك سي إن إن مثلا حصلت على فرصة استضافة شخصيات مهمة ومؤثرة بغض النظر عن توجهاتها فلن تتردد في إجراء مقابلات معها. محاورة شخص لا يعني تبني أفكاره أو مواقفه". أمّا الخبير السعودي الأمير فيرى أنّه بالإضافة إلى التحريض على الفوضى وتجييش الشارع، فإن قطر تخلّ من خلال تغطيات الجزيرة بمبدأ الالتزام الخليجي، "إذ في الوقت الذي تدعي فيه وجود علاقات صداقة وأخوة بدول مجلس التعاون الخليجي، نجدها تتبع تغطية إعلامية تضر بمصالح هذه الدول، كما فعلت في البحرين، وكما فعلت في السعودية وهي تستضيف شخصيات سعودية معارضة. ألا ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الدول في التغطية الإعلامية؟ ألا يجب مراعاة الجوانب الأمنية للدول الشقيقة الجارة؟". ورغم كل هذه الاتهامات والإصرار على إغلاق الجزيرة، ينفي الصحفي القطري الحرمي بشكل قاطع إمكانية ان تضحي الدوحة بالجزيرة لحل الأزمة. ويقول: "هذا شان داخلي ولن نسمح لأي طرف مهما كان أن يتدخل في قرار سيادي وطني".