سيدي الوزير، سأبدأ بالاعتذار المسبق إن لم أحسن اختيار العبارات التي تليق بمقامكم، وذلك لما لحقني من عظيم التذمر وعميق الأسف وشديد الامتعاض، ومعي في ذلك فئات عريضة من المغاربة الذين ظنوا أنكم ستنصفون المغاربة وتتجردون من الاصطفاف الايديولوجي الذي عوّدنا عليه سابقوكم، لنكتشف أخيرا أنكم لا تختلفون عنهم في شيء في تكريس التخبط والتناول المزاجي لالتزامات الدولة. سيدي الوزير، بعد التعاقد مع الآلاف المؤلفة من حاملي الشواهد الجامعية نهاية السنة الفارطة للتدريس في المؤسسات التربوية المغربية، تمّ إقصاء حاملي إجازة الدراسات الأمازيغية من فرصة الاندماج في سوق الشغل إسوة في ذلك بزملائهم المجازين في الشعب الأخرى، ظننا الأمر سهوا أملته ظروف يمكن اعتبارها موضوعية. مع جلوسكم عل كرسي الوزارة، اعتقدنا أنكم ستعيدون ترتيب كل أوراق الوزارة برويّة أكثر، خاصة أن اختياركم لهذا المنصب ليس اعتباطيا، إلا أن الإعلان عن المرحلة الثانية من التوظيف بالتعاقد يطرح أكثر من علامة استفهام حول اختياراتكم خصوصا مستقبل تدريس اللغة الأمازيغية ثم مصير خريجي شعبة الدراسات الأمازيغية.
بدء بتدريس اللغة الأمازيغية، ولشديد الأسف و عميق التحسر، تبقى سياسة السلطات التربوية العليا في شخص وزارتكم هي الغموض وغياب الحسم بل التراجع الفاضح والإخلال بالالتزامات. سيدي الوزير لا شك أنكم تعلمون المبادئ الأربعة التي بموجبها تمّ إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية، فتحقيق التعميم، المفترى عليه، لن يتحقق أبدا بعد أن أشّرتم –والأمل عليكم كان معقودا- على استبعاد شيء إسمه اللغة الأمازيغية من مشروع توظيفكم التعاقدي لأكثر من ثلاثة عشر ألفا من المدرّسين. سيدي الوزير، أنت تعلمون علم اليقين أن اللغة الأمازيغية في السواد الأعظم من مؤسساتكم لا تدرس ولو فرض على الأطر التربوية تضمين اللغة الأمازيغية لجداول حصصهم، فهم يفعلون ذلك تفاديا للصدام مع المدير والمفتش الذين يرفضان التأشير على جداول الحصص ما لم تتضمن مادة اللغة الأمازيغية في شهادة زور بيّن عوّدتنا عليه وزارتكم، وحبّذا سيدي الوزير لو أوقفتم المهزلة.
سيدي الوزير، صحيح أن تدريس اللغة الأمازيغية عرف تعثرات كثيرة، وهي تعود بالأساس إلى تغييب الموضوعية والانتصار للذات والأنا المتضخمة، وفي ظل الوهن الذي يطبع عمل النسيج الجمعوي الأمازيغي عموما وجمعيات مدرسي اللغة الأمازيغية بالخصوص، وأمام سوء الفهم والتقدير الذي يسود في صفوف المجتمع والذي أفرزته عقود الاستبلاد، نراهن على أحرار الوطن، ونتمنى أن يشملكم الوصف، للتكتل والضغط على السلطات التربوية جهويا ومحليا قصد إجبارها على تحمل مسؤولياتها في التسريع بتعميم الأمازيغية مع ما يقتضيه ذلك من التخطيط المحكم، والتنفيذ الدقيق والتتبع الموازي والتقويم الجاد والصارم.
سيدي الوزير، علاقة بتدريس اللغة الأمازيغية، وبعد قرابة عقد من الزمن على إدراج الدراسات الأمازيغية ضمن التخصصات التي توفرها الجامعة المغربية، وبعد تضاعف أفواج المسجلين في تخصص الدراسات الأمازيغية وتخرج أعداد لا يستهان بها من حملة الإجازة والماستر والدكتوراه في ذات التخصص، يظل طلبة وخريجو هذه الشعبة ومسالكها المختلفة تائهين إلى أجل غير مسمى وهم
يعقدون آمالهم على حاجة المؤسسات إليهم في تنزيل رسمية اللغة الأمازيغية، وبالتالي إنصافهم وإدماجهم في سوق الشغل.
سيدي الوزير، بعد الإعلان عن المرحلة الثانية من التوظيف بالتعاقد، تأكدوا أنكم أعدمتم أمل طلبة وخريجي شعبة الدراسات الأمازيغية الذين يعطّلون عن العمل بشكل عشوائي وغير مفهوم، ليؤدوا ثمن اختيارهم "المتسرع" لشعبة يعاديها واضعوها، في دولة يفترض أن تترجم الأقوال إلى أفعال، تلتزم بمنطوق قوانينها، وتحترم التزاماتها تجاه مواطنيها بعيدا عن التجاذبات السياسوية الضيقة والاصطفافات الايديولوجية الموسمية.
سيدي الوزير، إن قراركم باستبعاد حاملي الإجازة في الدراسات الأمازيغية وأنتم تعلمون أن وزارتكم ربما هي الوحيدة التي يمكن أن تنصفهم في الوقت الحالي على الأقل، قرار إقصائي ومنحاز، يدل على الوفاء للطرح الاجتثاثي الذي تمثله جيوب المقاومة من داخل وزارتكم ومن خارجها، والتي لا تريد للأمازيغية أن تخرج من القفص وتظل مسحوقا يخفي تجاعيد منظومة مهترئة.
سيدي الوزير، يجب أن تدركوا أن قرار إقصاء حملة الشواهد في الدراسات الأمازيغية من التنافس حول المناصب المعلنة في وزارتكم قرار مزاجي اتخذ مع سبق الإصرار والتجاهل وبإسمكم للأسف الشديد ، وليس بأي حال من الأحوال زلّة أو هفوة نتجت عن جهل بوجود التخصص المذكور، ولا يسعنا إلا التنديد به والدعوة الملحّة إليكم للتحرك بغية استدراك الوضع وإعادة فتح الباب ليشمل عرضكم خريجي الدراسات الأمازيغية وبالتالي إحياء تدريس اللغة الأمازيغية.
سيدي الوزير، يجب ألاّ يفهم من هذه السطور أننا نسعى إلى مصلحة شخصية معينة، بل إن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، الغاية الكبرى هي شدّ انتباهكم إلى سياسة الإقصاء وخصوصا إلى خطورة التطبيع مع الإقصاء الذي أضحى يمارس ضد اللغة الأمازيغية من الوزارة بإسمكم، نحن مغاربة ننظر إلى الوضع بشكل نسقي وشامل، نتشبث بما ورد في الوثيقة الدستورية التي توافق عليها المغاربة، ونؤمن بحقنا في الدفاع عمّا ورد فيها بكل شراسة ومسؤولية.
في الختام سيدي الوزير، ، نؤكد مرّة أخرى أن أزمتنا الأساس في هذه البلاد هي أزمة الحسم، فالدولة لا تريد أن تحسم في أي شيء فاصل وتدعه بذلك للمزاجية والاجتهادات الفردية والقناعات الشخصية، وإلا كيف نفسر فتح تخصص الدراسات الأمازيغية في ثلاث جامعات مغربية ثم سلك الماستروالدكتوراه بجامعات أخرى في حين أنكم سيدي الوزير، تحرمون خريجي هذه الدراسات من مباريات التوظيف التعاقدي في وزارتكم وهو بمثابة صد آخر الأبواب أمام خريجي الدراسات الأمازيغية.