لقد كان شهر رمضان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، شهر الانتصارات والفتوحات العظيمة؛ حيث خاض صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم، بعض المعارك والغزوات مع المشركين، وكان الظّفَر للمسلمين بقيادة الرسول الكريم؛ حيث تجلى النّصْر الإلهي لنبيه الكريم بمعية صحابته الكرام ، نتيجة الْتفاف المسلمين وراء قائدهم العظيم سيدنا محمد صلى الله وعليه، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لم يستكينوا ولم يتخاذلوا أبدا قطُّ عن نصرة هذا الدين من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ونصرة الحق وإزهاق الباطل،وتبديد معتقدات المشركين وتقويض معالمهم الوثنية الزائفة، ودحض شبههم ونواياهم السيئة وادعاءاتهم المزعومة تجاه الدين الإسلامي. إن نصْر الله للمومنين مقرون بالاستجابة لأوامره سبحانه وتعالى،وطاعة رسوله الكريم والاقتداء به،وهذا ما ندركه من خلال غزواته صلى الله عليه وسلم، ونذكر من هذه الغزوات العظيمة ، غزوة بدر الكبرى التي حدثت في شهر رمضان . نبذة عن عن غزوة بدر الكبرى: كانت في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وهي أول غزوة في الإسلام،وسميت بيوم الفرقان؛ حيث انتصر فيها الحق على الباطل، وضعفت شوكة المشركين أمام قوى المسلمين المؤيدة بنصر الله وعظيم عنايته الدّاعمة للمسلمين. سببُ الغزوة: لقد بدأت المعركة بمحاولة المسلمين اعتراض عيرٍ لقريشٍ متوجّهةٍ من الشام إلى مكة تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها : ألف بعير محمّلة بأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من الحرب إلا نحو أربعين رجلا ، يقودها أبو سفيان بن حرب الذى تَمَكّن من الفِرَار بالقافلة، وأرسل رسولًا إلى قريش؛ طلبًا للعَوْنِ والنَّجْدة، فاستجابت قريشٌ وخرجت لقتال المسلمين،وحينما وصل الخبر إلى رسول صلى الله عليه وسلم أذِن للمسلمين بالخروج لمواجهة المشركين، ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لما أنه لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير- هذا الاصطدام العنيف في بدر؛ ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا والغزوات الماضية؛ ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغروة . العُدّة والعَتاد: لقد تجهّز المسلمون للخروج؛ حيث بثّ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الروح المعنوية للغزو، وكان تَعدادهم ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا، معهم فَرسان وسبعون جملا، وأما جيش المشركين فكان يفوق المسلمين بثلاثة أضعاف؛ حيث خرجت قريش بجيش عدده ألف رجل، معهم مائتا فرس. نتائج غزوة بدر الكبرى: لقد أسفرت غزوة بدر الكبرى عن تحقيق الانتصار العظيم في صفوف المسلمين؛ وذلك بفضل الله وعونه؛ حيث أمدّهم الله بالقوة الربانية، التي أهلكت المشركين وتركتهم صرعى ، وكان عدد قتلى مشركي قريش في غزوة بدر سبعين رجلا وأُسِر منهم سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يقتل منهم سوى أربعة عشر رجلا،ستة منهم من المهارجين وثمانية من الأنصار. وكان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، وأصبح على من يريد أن يغزو المدينة أو ينال من المسلمين أن يفكر قبل أن يقدم على فعلته، وتعزّزت مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وارتفع نجم الإسلام فيها، ولم يعُد المتشككون بالدعوة الجديدة والمشركون في المدينة يتجرؤون على إظهار كفرهم وعداوتهم للإسلام. أسباب انتصار المسلمين على المشركين في غزوة بدر الكبرى: _الإيمان الصادق وتقوى الله طريق إلى النصر رغم قِلّةٍ في العُدّة والعَتَاد لدى المسلمين . قال تعالى:" وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " آل عمران: 123. _التوكل على الله والاستعانة به سبيل لتحقيق النّصر على الأعداء: قال تعالى:" إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ " آل عمران: 160. _التضّرع والدّعاء لله تعالى: قال تعالى:"إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ " الأنفال: 9 _السمع والطاعة لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو الأسوة الحسنة في كل شيء. قال تعالى:" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " الأنفال: 46 _الخُطّة الاستراتيجية المحكمة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد وضع صلى الله عليه وسلم أسلوباً جديداً يوم بدر في منازلة الأعداء يتمثل في نظام الصفوف ومباغتة العدوّ، وبثّ الروح المعنوية في الجيش؛ لما لهذا الأمر من أهمية بارزة تتجلى في صقل شخصية المحارب وإعداده لخوض غمار المعركة. _الأخذ بمبدأ المشورى في صناعة القرار: قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.." آال عمران159 إن مبدأ الشورى كانت حاضرة في غزوة بدر عند اتخاذ القرار بالمواجهة بعد انفلات القافلة التي كان يتزعمها أبو سفيان بن حرب ، كما كانت حاضرة عند اختيار مكان عسكرة المسلمين عملا برأي الحُباب رضي الله تعالى عنه، واستشارته صلى الله عليه وسلم صَحَابته في شأن أسرى بدر. _الثبات وعدم التولي عند الزحف، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ الأنفال، الآية:15. من أسباب تحقيق النصر في غزوة بدر ،هو ثبات المسلمين والتزامهم بتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم تولّيهم عندماحمي الوطيس، على عكس ما حدث في غزوة أحد، حيث فرّ الرُّمَاة الذين كانوا على رأس الجبل لحماية المسلمين من مباغتة العدوّ؛ حينها حدثت الهزيمة في صفوف المسلمين. مصادر البحث: القرآن الكريم. الرحيق المختوم، للمباركفوري ج:1 ص، 156 السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، للصلابي الجزء: 3 ص،70