من المواثيق التي اخذها الله على عباده الذين اسلموا طوعا:الاستسلام التام لحكمه وحكم رسوله،فلا يقدمون بين يدي الله ورسوله امرا او نهيا او قولا او فعلا او رايا او هوى...وانما هو السمع والطاعة والاستكانة، والخروج من الحول والقوة، واللياذ بحبل الله المتين. قال الله جل وعلا:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا"[الاحزاب: 36]
ومن الاحاديث قوله صلى الله عليه وسلم:"..من رغب عن سنتي فليس مني"اخرجه البخاري.
وفي الجملة؛ فالايات والاحاديث في هذا المعنى اكثر من تحصر، واشهر من ان تذكر،بل الدين كله قائم على هذا الاصل.
فاذا علمت هذا وتبينته؛ فاعلم انه من تمام العبودية لله ان تطلب حكمه فيما يعرض لك، وان تحرص على معرفته، لا يفوتك منه شيء، وان تلزمه اذا جاءتك حجة الله، غير ناظر الى ما سواها من قول دجالٍ او منافقٍ او شيطانٍ او مفتونٍ او جاهلٍ..فان الامر ينجلي وانت على صراط مستقيم.
ومما حدث هذه الايام ما سمي في الاعلام وعلى صفحات التواصل ب(حراك الريف)؛ فانشغل به الناس وتابعوه، ودخلوا فيه دخول الثور في العلم الاحمر! لا يعرف لذلك سببا مقنعا، الا انه احمر وهو ثور ذو قرون!
وفي توصيف هذا الذي سموه حراكا نقول:هو خروج طائفة من الناس على رقعة جغرافية هي الحسيمة وماجاورها على اثر حادثة(محسن فكري).
ثم لم يكتفوا بالاحتجاج على مقتل (فكري) حتى اضافوا الى ذلك مطالب سموها اجتماعية!
مطالب اجتماعية تحت راية عنصرية!إعجب وتامل!
ومازال خروجهم يكبُر في صدورهم حتى هددوا واوعدوا واحرقوا علم المغرب! نكاية في عموم المغاربة! واغاضة لولاة الامور!
وقد ظاهرهم على فعلهم هذا لفيفٌ من الجمعيات والجماعات والاحزاب، بالتصريحات والمنشورات تارة، وبالسكوت وعدم الانكار تاراتٍ اُخر!
والجدير بالملاحظة ان غالب هذه الجمعيات النافخة في اتون هذه الفتنة هي نفسها المستفيدة من الرعاية الملكية السامية! فانظر كيف
يكون الاكل والذم في ان!وانظر الى الدولة كيف تسمن الوحوش الضارية التي ستجهز عليها بلا رحمة!
وحكم هذا الفعل انه لا يجوز بحال من الاحوال،بل هو صنيع الخوارج الذين يخرجون اولا على نصوص الشرع، ويخرجون ثانيا على على امام الجماعة، وهذا هو معتقد اهل السنة والجماعة ينقله الخلف عن السلف، كابرا عن كابر..
والمؤمن يكفيه حديث واحدٌ واضحُ الدلالة صحيحُ النسبة الى الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ينقاد للحق،واما المنافق فلو جئته بكل اية ماتبع قبلتك! فانت تقول قال الله، وهو يقول ولكني انا ايضا اقول!وتقول قال رسول الله، فيقول:دعه يقلْ!
وسواءٌ أأعطيتَ النظر حقه ام لم تعطه؛ فان هذه النصوص التي ذكرناها -لك- تنادي بعدم الخروج مطلقا على الحاكم المسلم،كيفما كان هذا الخروج، وتحت اي ذريعة كانت،لان النصوص لم تفرق بين هذا وهذا..فلا ينفعك في الاعتذار لنفسك-اذن- ان تقول:خروجي سلمي من اجل مطلب اجتماعي(!)والمبلغ عن الله يقول:( تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكمْ)..هذه واحدة.
واما الثانية؛ فقد قال ابن تيمية رحمه الله:" " وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير.. فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا)((منهاج السنة النبوية: 528)-(4/527)).
وانظرْ ترَ:هذه سوريا وليبيا ومصر واليمن وتونس، كيف كانوا والى اي شيء صاروا؟ولعل الذين تراهم من ابناء هذه الدول يتكففون الناس عند ابواب المساجد والاسواق كانوا في بلدهم خيرا منك اثاثا ورِئيا..
واما الثالثة؛ فان جميع الخارجين في هذه الدول لم تكُ مطالبهم في البداية الا كرامة في العيش وحرية في التعبير=مطالب اجتماعية، ثم ما لبثت ان صارت سياسية، فدينية، فعدمية..فالذي تعرف واعرف!
وفي المنطق هذه القاعدة:الذي حدث مرة واحدة قد لا يتكرر مطلقا،والذي حدث مرتين قد يتكرر دوما.فكيف وقد حدث هذا الذي خوفتك منه اربع مرات: في ليبيا ومصر وسوريا واليمن!كيف يكون بلدك استثناءً ونحن اشبه بهم من الغراب بالغراب؟تاريخا ونسبا وحضارة وتخلفا..
واما الرابعة؛ فقد اوجب الله على الحاكم مسائلَ واوجب على الرعية اخرى، فمن غش او ضيع فله موعدٌ لن يخلفه، وربك اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بمن اهتدى.
واذن: فلا تتعب نفسك بالقول: ولكنّ الحاكم يفعل كيت وكيت.. لاني لم اقل لك: هو من الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا!فرجاءً افهم الخطاب،انت والحاكم امام الشرع سواء، الا انه خصه باحكام كما خصك باخرى،ولا تزر وازرة وزر اخرى،وعليه ماحمّل وعليك ماحملت.
مثل البيضة الثائرة:
ولم اجد لهؤلاء الخارجين على الجماعة، المُواقعين لهذه الفتنة الا مثل البيضة الثائرة!
قال دمنة وكيف ذلك؟
قال كليلة:زعموا ان اليمام كان يبيض ثلاث بيضات جِبلةً وفطرةً حتى ثارت بيضة فطارت!
قال دمنة:بيضة طارت؟‼
قال كليلة:نعم!واصل الحكاية انه بينما ثلاث بيضات في عش يمامة قالت احداهن:حتى متى ترضيان بهذا الوضع؟ضيقٌ في القشرة وضيقٌ في العش؟اما تتوقان للخروج من هذا الحَجر والوصاية؟
اجابتاها البيضتان الاخريان:يالكعاءُ!انظري ما تقولين!فانك ان لم تكوني نائمة فانت واهمة!كيف يصح في عقلك
الاستغناء عن دفئ العش وحضن امنا اليمامة؟افانت قادرة على الفقس بدون ذلك؟!
اما تري الى البوم والغربان والوزغ كيف اتحدوا على ماكان بينهم من العداوة والحروب؟
قالت البيضة الثائرة:انتن الواهمات، وانتن الرجعيات، وانتن (العياشات)!اما انا فقد قررت الثورة على هذا النظام المهترئ البائد العتيق لما فيّ من دماء الحرية والنبل..!
قالتا لها:رويدك!تعقّلي!التمسي العبرة والحكمة من الذين ثاروا قبلك، اما تبصرين الى اي شيء انتهت ثورتهم، بعضهم:أُكل مسلوقا، وبعضهم (اومليطا) واكثرهم قضى تحت الاقدام..!
قالت البيضة الثائرة:أف وتُفّ من افكاركما البالية وجبنكما المنتفخ!
قالتا لها:ياهذه! خلي الرعونة والعاطفة، وانظري بعين العقل الى ما تحتقبين..انت بيضة ضعيفة، عاجزة بمفردك قادرة بجماعتك فلا تُحدثي في وحدتنا ثلمةَ.
قالت البيضة الثائرة:انا في نفسي اكبر من ان امت اليكما بسبب!الم تعلما ان جدي هو ((المنطاد Airlander 10))!!ولسوف تبصران!ثم قفزت من العش،فارتفعت نازلة!!
ثم..ثم سقطت عرضا على قضيب من حديد كان منغرزا في اساس جدار!فساح محها على جنبات القضيب، وصار بعد ذلك نهبا لعصابات كثيرة من الذباب.
هذا مثل البيضة الثائرة كان،وكائن عندنا هذه الايام شبيه بها فاللهم لطفك.