انهزم بن كيران و انتصرت الدولة .. هكذا وجدتني أفكر و أنا أقرأ بيان الديوان الملكي الذي جاء بقرار إعفاء السيد عبد الإله بن كيران من رئاسة الحكومة بعد مرور أكثر من 5 أشهر عن تكليف الملك له . قرار إعفاء الملك لبن كيران لم يكن مفاجئا ولا صادما كما قال بذلك بعض المحللين ، بل على العكس كان منتظرا جدا ، فهو مجرد تحصيل حاصل لمجموعة من الأحداث و الوقائع التي طبعت الساحة السياسية المغربية مؤخرا ،والتي كان أولها اضطرار بن كيران لإخراج حزب الاستقلال من حسابات تشكيل الحكومة ، ثم إصرار حزب التجمع الوطني للأحرار على إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي بهذه الحكومة و هو ما رفضه بن كيران جزما ..لتتوالى بعد هذا بيانات وبلاغات الأحزاب التي حملت من خلالها بن كيران المسؤولية الكاملة عن فشله في تشكيل الحكومة .
لكن هل فعلا فشل بن كيران ؟
إننا نقول بعكس ذلك تماما ، لم يفشل بن كيران و إنما أجبروه على أن يظهر في صورة السياسي الفاشل غير المرن ، فالتدبر قليلا في الأحداث التي وقعت منذ انتخابات السابع من أكتوبر إلى يوم إعفاء بن كيران سيجعلنا نفهم و بعمق أن بن كيران لم يفشل ، فما معنى أن يخاطب السيد عزيز أخنوش ، زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، رئيس الحكومة بالقول أن مشاركة حزبه في الحكومة مشروطة بعدم إشراك حزب الاستقلال فيها ، وعندما يقرر رئيس الحكومة عدم إشراك حزب الاستقلال ، ي‘خرج له أخنوش شرطا آخر يقول بضرورة إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي ؟
إننا نقصد أن السيد عزيز أخنوش ،ابن الدولة المطيع ، لم يكن هدفه مشاركة حزبه في الحكومة ، بل كان هدفه أو بالأحرى كان الهدف الذي أوصلته الدولة من اجله لرئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار هو إفشال السيد عبد الإله بن كيران و محاولة توجيهه نحو مغادرة ملعب السياسة ..فالسيد بن كيران ليس سياسيا عاديا بل هو تجربة فريدة جدا في التاريخ السياسي للمغرب من خلال خطابه الصريح والواضح ، ومن خلال أيضا قراراته الجريئة التي كنا نعتقد أنها ستفقده شعبيته و شعبية حزبه لكن دائما ما كان يحصل العكس ،وما الانتخابات التشريعية الأخيرة إلا خير دليل على ما نقوله . هو أيضا شخصية مزعجة للدولة ، فأحيانا كان يظهر في صورة السياسي المطيع جدا للقصر و في أحايين أخرى كان يتحول لمعارض شرس يرسل رسائلا قوية عبر جملة أو جملتين ، ولعل الجميع يتذكر حديثه عن وجود دولتين بالمغرب دولة رسمية يرأسها الملك محمد السادس، ودولة لا
يعرف من أين تأتي قراراتها وتعييناتها ..وهو الأمر الذي جعل الكثيرين حينها يتحدثون عن وجود بوادر أزمة بين الملك و بن كيران لكن الأخير كان دائما ما يكرر كونه جاء لينال رضى الملك وليس العكس .
وبالعودة لقولنا أن إفشال بن كيران كان هو الهدف الذي جعل الدولة تختار السيد أخنوش رئيسا لحزب الأحرار ، نضيف بالقول أن بن كيران كان هدفا عاجلا و أوليا في حين أن الهدف الرئيسي هو حزب العدالة والتنمية ككل بحكم أن هذا الحزب صار يشكل عبئا على الدولة و ربما عائقا أمام توجهاتها و مشاريعها وعلاقاتها الدولية ..فهذا الحزب الإسلامي صار يتقوى أكثر فأكثر كل يوم و بطريقة متسارعة وغير مفهومة ، إذ كيف لحزب أن يترأس الحكومة لخمس سنوات اتخذ خلالها قرارات و إجراءات غير شعبية اعتبرها الكثيرين هي الأسوء في تاريخ المغرب ،أن يعود في المحطة اللاحقة و يكتسح الانتخابات التشريعية و قبلها الجماعية والجهوية .
قد يرى البعض أنها معادلة غير مفهومة ، لكنها ستصبح مفهومة إن ما نحن أدركنا أن بنية الأحزاب والحركات الاسلامية هي بنية قوية تتمدد عبر الزمن و عندما تصل لأوج قوتها يصبح أمر تفكيكها صعب جدا و يحتاج لسنوات .. لذلك فرهان الدولة على خلق أزمة داخل حزب العدالة والتنمية تمهيدا لإجباره على الانشقاق هو رهان خاسر .