إن المتأمل ولو قليلا في التاريخ المغربي لوجد تلك الأخوة متجددة ولو ماتوا جميعا من اجلها، بل ذهب أهل الجزائر أمام العدو المستشرق والواشي إلى أبعد ما يتصوره في مكيدته من أجل الشتات والتفرقة بينهم، بل دفعتهم الأخوة إلى بيعة السلطان المغربي، ولا ترتبط بيعة أهل تلمسان بالظروف التي فيها كما يمكن أن يقال، ولذلك فهي ليست بيعة واقعة تحت ضغط الظروف التي تمت فيها، وهي ظروف الاحتلال الفرنسي للجزائر، وإنما تعتبر واحدة من المحاولات العديدة التي حاول فيها أهالي المغرب الأوسط وأهل تلمسان على الخصوص أن يندمجوا مع الشطر الأقصى للمغرب العربي تحت سيادة قدرة سياسية واحدة، وقد بلغت هذه المحاولات من الكثرة إلى درجة لا يمكن أن تحصى عدديا، ويكمن أن أقف على بعض منها: 1_ ففي سنة 1518م دخل عروج مؤسس النفوذ التركي بالجزائر لأول مرة إلى تلمسان، ونظرا للتخريب والفساد الذي أحدثه فيها، فلم يكن منتظرا أن يترك شعورا طيبا عند الأهالي تجاه الأتراك، ولذلك اجتمع أهل تلمسان على العلامة ( احمد بن ملوكة التلمساني) الذي كانت له ارتباطات كثيرة مع فاس وعلمائها وشكوا له اعتداءات الأتراك، محاولين أن يرتبطوا بواسطته مع السلطة السياسية بفاس1.
2_ وكذلك مع السعديين : بمجرد دخول محمد الشيخ السعدي لفاس انطلق فورا تجاه تلمسان التي فتحت له أبوابها بكل ترحاب وتقدير، املا في التخلص من سيطرة الأتراك .
3_ وفي سنة 1064ه/ 1656م اندلعت أهم ثورة وأخطرها على الوجود التركي بالجزائر، وعلى اثر وصول محمد بن الشريف العلوي إلى تلمسان ومنطقة الاغواط،
حيث ثار الشعب الجزائري كله من شرق البلاد إلى غربها ضد الأتراك، داعيا إلى الأخوة المغربية بجمع الشمل تحت سلطة سياسية بالمغرب.
4_ بيعة علماء تلمسان للسطان المغربي: قولهم" ..فاعرضنا عن الكل صفحا، مقبلين إلى عتبة سيدنا... داخلين تحت طاعته... متوافقين مع القبائل والأمصار، وأهل الرأي والاستبصار..." و قولهم أيضا لسلطان المولى عبد الرحمن:" .. لعلمنا أن سيدنا نصره الله ، المتأمل في هذا الأمر العريق، الجدير بالإمامة الحقيق...فنطلب من سيدنا نصره الله أن يلتزم لنا بفضله من هذه البيعة القبول.."، كما لا انسي أن اذكر في هذا الصدد عواطف الشعب المغربي المتأججة بحرارة الجهاد ضد التدخل الفرنسي في الجزائر، والتي زادها تأججا خطب الفقهاء في المساجد بالدعوة إلى الجهاد ( منها خطب التسولي ضمن جوابه البسيط، وكذلك أورد المنوني رحمه الله تعالى قسما منه في كتابه مظاهر يقضة المغرب الحديث).
وهكذا يتأكد الحدث التاريخي والمسطري للمغرب الأقصى في قيادة المغرب العربي وسيادته، على لسان الأوسط أنفسهم، وقد كان ذلك يعتبر شرطا توافقيا.
ونختم المقال بسؤال لأولي الألباب، فإلى أي حد تكون الحقائق التي يقدمها المؤرخون الأجانب حول طبيعة التدخل المغربي في تلمسان والدفاع عن إخوته الجزائريين؟ولماذا وصفوا المغرب بالدولة المتدخلة؟ وكيف يمكن آن أفصل تلك الأحداث عن الأحداث الراهنة؟.