عبنا حقا من القول بأن اليوسفية تدر ذهبا وتغطي تكاليف القطاعات الأخرى على المستوى الوطني، في حين تظل هي بدون حضن تنموي وبدون غطاء، تماما كالإبرة التي تخيط الأغطية والملابس وهي مكشوفة الأجزاء... تعبنا من عقود الشراكات الدعائية وعمليات تفويت منشآت اجتماعية وشبابية تستهدف الحجارة والإسمنت أكثر من استهدافها إنارة العقول وصقل الإرادات واحتضان شرائح مجتمعية خذلها المجتمع ذاته بأشكال أو بأخرى، حتى صارت أرواح البؤساء تتساقط تباعا مثلما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف، كما هو الشأن بالنسبة ل"با العوني" و "با صالح" الذين قتلهما صقيع الإهمال واللامبالاة على أرصفة التهميش المهترئة في مدة لم تتجاوز الأسبوعين، في حين اختار عمال النظافة المطرودون تكبيل الأيادي والأقدام في انتظار فرج معلق بين السماء والأرض. قبل سنوات كان اليوسفيون يقولون إن دليل تقدمنا المستقبلي هو أن نعبر من ضفة المحيط التي شهدت لعقود خلت تبعية استنزافية، في كل من عاصمتي عبدة ودكالة، نحو مراكش التنمية والاستثمارات البنيوية في مختلف القطاعات، ليتفاجأ الجميع بعد تحقيق حلم الجهوية المتقدمة وإلحاق الإقليم بجهة مراكش، بأنه تم إقصاؤه قبل أيام قليلة من فيضان الأحد الأسود من مذكرة الاستثمار الجهوي الذي تضمنه مشروع قانون المالية لسنة 2017، إلى درجة أن الصفحات 49، 50، 51 من المذكرة ذاتها الخاصة بالجهة، لم تحمل شيئا إسمه إقليماليوسفية، في حين أن كل من مراكش وأسفي والصويرة والحوز وقلعة السراغنة وشيشاوة والعطاوية وأيت أورير والوداية وتامنصورت استفادت من التوزيع الاستثماري على عدة مستويات وقطاعات. مشكلتنا في هذا الإقليم، ليست فقط مع من يحكموننا ويدبرون شؤوننا طوعا أو كرها، بل أيضا مع من يُفترض فيهم أن يدافعوا عن مصالحنا وينصتوا لصرخاتنا وآهاتنا. فقط في اليوسفية، يتحول الفاعل الجمعوي إلى مفعول به منصوب ومجرور في آن واحد، فقط بإقليمنا يعرف الكائن الإنتخابي كيف يصبح غنيا في أقل من شهر، وفي ذات المكان والزمان يتحول الأجير المياوم إلى طبيب خاص في توليد النساء. فقط هنا، تقطع سيارة الإسعاف في مسارها الطرقي الرابط بين مراكش وأسفي مسافة أكثر بكثير مما تقطعه سيارات الأجرة بمختلف أنواعها. فقط عندنا تتحول مؤسسة خيرية إلى بوابة صراع بين أعيان الإقليم ونخبه المثقفة. حصريا، في هذه المنطقة الجغرافية، لا تكاد تجد بها مواطنا يفتخر بترابها وشوارعها ومؤسساتها، إلى درجة أنهم اختصروا هذه الحقيقة في قن سري يتداول بكثرة بين أبناء الإقليم هو عبارة "الحفرة" ذات الدلالة السيكولوجية العميقة.