يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته نساء ورجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، في أجواء مفعمة بقيم الإجلال والإكبار، الذكرى ال73 للانتفاضة الشعبية في 29 و30 و31 يناير 1944، التي تشكل محطة نضالية ناطقة بأروع صور البطولة والشهامة والنبل والوفاء، ومحطة وضاءة في مسلسل الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال. وكانت هذه الانتفاضة اندلعت تأييدا لمضامين وثيقة المطالبة بالاستقلال، واستنكارا لحملات التقتيل والتنكيل والاعتقالات التي أقدمت عليها قوات الحماية مستهدفة رجال الحركة الوطنية وعموم أبناء الشعب المغربي إثر تقديم هذه الوثيقة التاريخية المجسدة لإرادة العرش والشعب ونضالهما البطولي في سبيل الحرية والاستقلال. ويستحضر المغاربة وهم يخلدون هذه الذكرى المجيدة بمظاهر الاعتزاز بحمولتها الوطنية ورمزيتها وقيمتها التاريخية الخالدة، ملاحم الكفاح الوطني في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال والوحدة الترابية مستلهمين قيم الصمود والتعبئة الشاملة والالتحام الوثيق بين الشعب المغربي، قمة وقاعدة، دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، ومجددين التعبير عن التجند الدائم والمستمر صيانة للوحدة الترابية المقدسة التي لا تزيدها مناورات الخصوم إلا وثوقا وقوة وإشعاعا. وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال بالمناسبة، بأنه في مثل هذه الأيام من سنة 1944، خرجت حشود من الجماهير الشعبية من قلب مدينة الرباط، منددة بإقدام سلطات الحماية على اعتقال زعماء من الحركة الوطنية. وبلغ صدى هذه المظاهرات ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، وهو داخل المعهد المولوي، فتخطى سوره والتحق بصفوف المتظاهرين. وقد عبر جلالته، طيب الله ثراه، عن ارتساماته عن ذلك اليوم فقال "هناك تاريخ مضبوط ظل عالقا بذاكرتي هو 29 يناير 1944، في ذلك اليوم اكتسح جمهور من المتظاهرين شوارع الرباط مرددين شعارات المطالبة بالاستقلال، وبلغني صدى هذه المظاهرات وأنا داخل المعهد المولوي، فتخطيت سوره والتحقت بالمتظاهرين"، مبرزا الأثر القوي لهذا الحدث التاريخي حيث قال "لقد ترك يوم 29 يناير بصماته بعمق في ذاكرتي، كان معي يومئذ ثلاثة من رفاقي في المعهد وكنا نصيح بصوت واحد : سنحصل على الاستقلال". وأمام حملة القمع الاستعمارية التي تلت تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، ألح رمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، على الإفراج عن المعتقلين جميعهم، لكن سلطات الحماية استغلت مقتل أحد الأوروبيين لتطوق المدينة وتقوم بإنزال قواتها وأطلقت النار على المتظاهرين الذين دافعوا عن أنفسهم بكل شجاعة واستماتة، ما خلف شهداء رووا بدمائهم شجرة الحرية ومعتقلين صدرت أقسى الأحكام في حقهم. وقد كان لمدينة سلا إسهام بارز في هذه الانتفاضة العارمة التي اندلعت فى مواجهة الغطرسة الاستعمارية وتأييدا لمضمون وثيقة المطالبة بالاستقلال ودفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، حيث هب وطنيون أفذاذ من هذه المدينة في انتفاضة تاريخية مخترقين شوارعها متحدين قوات الاحتلال وهجومها الشرس الذي أدى إلى سقوط شهداء أبرار بذلوا أرواحهم فداء للوطن.