"عقدة الاجنبي" أو " عقدة الخواجة " وفق التعبير المصري الشهير ، يقصد به إحساس خفي بالدونية يتملك أبناء المشرق العربي تاريخياً في تعاملهم مع كل ما هو غربي . نتكالب على منتجات الآخر الأوربي . نتعاطى ثقافته و فنونه و آدابه .نقف ببابه ، نتمسح به ، لعل يرضى و يمنحنا بركته و يتفضل علينا بشيء من ملامح هويته . هو المتفوق ، المتقدم ، و نحن مستعمراته السابقة التي تحن إلى الزمن التبعية للرجل الأبيض صاحب القبعة و الوصفة السحرية للنهضة الشاملة . هذه العقدة النفسية تكشف عن نفسها ببساطة حين تجد أحدهم يشير بزهو إلى بضاعته باعتبارها مستوردة من " بلاد بره " . و إذا أراد أحد ما أن يفحمك في جدال قال لك و كأنه يسدد لك الضربة القاضية : ألا تعرف أنهم في أوروبا و الدول المتقدمة يفعلون ذلك ؟ لم تعد المشكلة تقتصر إذن على النخبة الثقافية التي تتبنى مغمضة العينين كل ما تقذف به الشواطئ الأوربية و إنما امتدت إلى رجل الشارع .يبدأ قوس التبعية بالموضة و الأزياء و الديكور ولا ينتهي عند خطط الإصلاح الاقتصادي. في بروكسل التي حللت بها موفداً من صحيفة الأهرام المصرية ، رأيت نموذجا مختلفاً في تعامل العربي المسلم الحديث مع الآخر يكتب حروفه المضيئة أبناء الجالية المغربية . ترى المرأة المغربية تجمع بين الأناقة و الاحتشام . لغتها الفرنسية حاضرة و مخزون التعامل الراقي لا ينفد . هويتها كمسلمة ترتدي الحجاب لم تعقها عن الاندماج الخلاق مع بيئتها المحيطة . تقلدت الوظائف العامة بكفاءة و تحظى باحترام فائق من نظيرتها الأوربية البلجيكية في المترو و الباص و السوبر ماركت . الرجل المغربي هو الآخر اختار البيزنس و التجارة كواحدة من مجالات العمل المفضلة لديه في العاصمة البلجيكية . يتعامل بتواضع دون دونية ، بحسم دون قسوة ، بتهذيب دون ضعف . لم أر في النموذج المغربي إذن هذا " الانبهار " الشديد الذي اعتدنا رؤيته من إخوتنا المشرقيين تجاه كل ما هو أوربي . لم أر أيضا حالة من الاستعلاء على الغربيين للتدليل على أن صاحبها ليس لديه " عقدة نقص " . رأيت المغاربة يتعاملون براحة و هدوء و ندية . الآخر الأوربي مثل أي آخر له ما له و عليه ما عليه ، بعيوبه و مزاياه ، بانجازاته الكبرى و إخفاقاته العظمية .
*محمد بركة - المراسل المعتمد لصحيفة "الأهرام" لدى الاتحاد الأوربي و حلف الناتو - عضو اتحاد الكتاب المصريين - كتب مقالات أسبوعية بأبرز الصحف و المواقع المصرية لا سيما الأهرام اليوم السابع و بوابة الأهرام