على بعد أيام قليلة سيعيش المغرب و العالم معه على وقع حديث بيئي (ايكولوجي)، قد يتبادر الى الاذهان أنه نقاش علمي محض، لكن هو في الحقيقة نقاش سياسي، اقتصادي، اجتماعي و فكري أيضا.. فبغض النظر عن التبعات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لأي قرار يمكن اتخاذه للحد من ظاهرة الاختناق البيئي الذي بات يعيشه العالم و ساكنته، يجدر بنا فتح نقاش فكري فلسفي حول طابع العلاقة التي ربطت الانسان بمحيطه البيئي منذ القدم، على اعتبار أن هذه العلاقة عاشت على وقع عدة تحولات انتقلت فيها من علاقة التقديس الذي بلغ حد التأليه منذ ما قبل التاريخ الى حدود الاكتشافات الجغرافية و الثورة الصناعية في العصر الحديث حيث تم التدشين لمرحلة انفجر فيها جشع الانسان (وخصوصا الانسان الغربي ذي التطلعات الرأسمالية) لتبدأ ملامح علاقة مطبوعة بالسيطرة والاستغلال و الرغبة الجامحة في ممارسة فعل السيادة على البيئة وكأن الأمر مرتبط بِردِّ الدّيْن للعالم الذي طالما شكل قهره لغزا عَصِيٌّ حَلُّهُ لدرجة لم يعد هناك امكانية للحديث عن حقوق بقية الكائنات في الحياة على هذه الارض، وللأسف في المرحلة المعاصرة اشتدت وطأة الاستغلال لكل مكونات العالم لحد ممارسة التسلط و الاستبداد والقهر عليه، هذا التسلط بلغ مداه بتغيير الكينونة الطبيعية لمجموعة من مكونات البيئة مع تطوير تكنولوجيا الهندسة الوراثية والاستنساخ التي ساهمت بشكل خطير في تغيير طبيعة الكائنات الحية وأعمارها وأشكالها حتى اختلطت انسابها مع ظهور تقنيات التهجين اللاأخلاقي، بل انه في كثير من الأحيان صارت العديد من المكونات الطبيعية غير طبيعية . ليس المطلوب استمرارية هذا الصراع بين الانسان و البيئة (العالم) ، كما انه ليس مطلوبا استمرار علاقة التأليه و التبعية (مرة نؤله الطبيعة و مرة نسعى الى إركاعها)، بل المطلوب الآن في هذه المرحلة الفاصلة ضرورة المرور إلى مرحلة احترام متبادل و صون كرامة كل من الإنسان و الطبيعة على حد سواء، هذا الأمر يقتضي الوعي بخطورة ما يسببه التقدم العلمي و التقني للبيئة مع العمل على سَنِّ التشريعات والقوانين اللازمة لصون البيئة الطبيعية وحقوق الكائنات الأخرى و بل مراعاة حقوق الأجيال اللاحقة في إطار عدالة اجتماعية اساسها التضامن ، وأيضا العمل على ايقاظ البعد الأخلاقي في كل بحث علمي حماية للحقوق ( حقوق الكائنات الاخرى وحقوق الاجيال البشرية القادمة ).