ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد البيئي والدستور

حان الوقت ليبتعد الفاعل السياسي والاجتماعي على الاستثمار المادي في السياسة، لان هذا النوع من الاستثمار صفقة خاسرة عبر الزمان والمكان بكل أبعادهما الممكنة، الصحيح أن نستثمر في الفكر والمبادئ والقيم.
الحاجة أيضا من خلال هذا المشروع الإصلاحي الكبير، هي إعادة النظر في الخطاب السياسي وتطويره حتى نتمكن من خلاله بلورة النص الدستوري على أرض الواقع و القطع مع الخطاب السياسي الخشبي الذي يبتعد كل البعد على كل مظاهر الحياة و الواقع اليومي للمواطن المغربي، لأن اليوم هناك هوة عميقة بين الطبقة السياسية والمجتمع و ذلك بشهادة الجميع.
فالذي يملك ذكاء استراتيجيا في هذه البلاد، عليه أن يراهن على فكر المؤسسة، و على دعم العمل السياسي الحقيقي بدون إقصاء أو إلغاء و بكل التوافق الممكن لنصل في نهاية المطاف إلى تنمية يختلط فيها السياسي والتنموي والثقافي وهذا هو رهان الجميع و يكون الرابح الأكبر هي الأمة المغربية بكل تلاوينها وتفاصيلها وأطيافها.
يسوقنا هذا الحراك السياسي والنقاش الساخن و العميق إلى طرح السؤال : من هو الفاعل السياسي الجديد؟ وما علاقته بالمؤسسة التي تحتضنه؟ وإلى أي حد يتمكنا معا من تحويل النص الدستوري من مادته الجامدة، إلى مادة حية، يتماشى بشكل توافقي مع كل الفئات الاجتماعية ؟
ينص الفصل الثالث من دستور المغرب لسنة 1996 على ما يلي:
الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، والجماعات المحلية، و الغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين و تمثيلهم.
أما بالنسبة للدستور الفرنسي لسنة 1958 في فصله الرابع ينص على أن الأحزاب والتنظيمات السياسية، تساهم في التعبير عن الاقتراع، و تقوم بالإنتاج الإيديولوجي وتساهم في تحديد السياسة الوطنية.
من خلال هذه المقارنة بين الدستورين يبقى دور الأحزاب المغربية في ظل النص الدستوري الحالي بعيد كل البعد عن الدور الحزبي الحقيقي المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، و بالتالي يشكل عثرة دستورية وسياسية حقيقية أمام دمقرطة البلاد وتطورها، لأن الفاعل السياسي في الدول الديمقراطية مرتبط بالوصول إلى السلطة من اجل إنتاج ثروة تنافسية، ومتجددة، ومستدامة، والعمل على توزيعها توزيعا عادلا.
لقد حان الوقت للفاعل السياسي الجديد بالمغرب أن ينتمي إلى مؤسسة حزبية حقيقية حاملة لمشروع مجتمعي وخط سياسي وإيديولوجي واضح، والأهم أن يكون فاعلنا السياسي هذا هو أيضا يحمل مشروع مجتمعي حقيقي وواقعي يستمد شرعيته من مشروع حزبه، ومن خلال النص الدستوري وباقي القواعد القانونية المتوافق عليها. وفي المقابل ألا تكون الأحزاب المحتضنة للفاعل السياسي مجرد تنظيمات فئوية، أو إقصائية، أو انتهازية بل أن تعم الديمقراطية في تنظيماتها، وأن يلتزم الكل بقوانينها ومساطرها الداخلية، وأن تعطى الفرصة لكل الكفاءات والنخب الحزبية القادرة على بلورة المشروع المجتمعي الحزبي على أرض الواقع .
كما أن الأحزاب و خاصة منها التقدمية، مطالبة بإعادة الاتصال بالحركات الاجتماعية وبامتلاك الخطاب الاجتماعي إلى جانب الخطاب السياسي طبعا، لذا يجب أن تعود لقواعدها التنظيمية، وأن تقوم بنقد ذاتي، بل بثورة هادئة و حقيقية داخلية.
ثم أن تكون طموحاتها أبعد من الديمقراطية التمثيلية، و ذلك من خلال البحث عن آليات جديدة، ووضع مبادئ الديمقراطية التشاركية كآلية للعمل، وللأنشطة اليومية، ولاستقطاب كافة شرائح المجتمع، للاهتمام بالمجال السياسي، وبالتالي ضمانهم لحقوقهم الكاملة.
من خلال حركة 20 فبراير الشبابية والحراك السياسي، والاجتماعي لمختلف الفئات، أصبحنا أمام فاعل جديد مرتبط أساسا بما هو اجتماعي، يمتلك الفضاءات العامة، ويقدم خطابا جديدا، لا علاقة له بالخطاب السياسي والاجتماعي الكلاسيكي. يطرح مطالب واضحة وشرعية، ولا يفكر أبدا في التوافقات أو التوازنات. فنحن أمام مرحلة جديدة ومجهولة، وبالتالي نحن محتاجون إلى ثقافة تنظيمية جديدة، و خطاب سياسي جديد، و خاصة بعد أن التحقت أخيرا بهذه الحركة فئات مختلفة، كالسلفيين، وعائلات المعتقلين، ومتقاعدي الجيش، وصغار الفلاحين وغيرهم من أطياف المجتمع المغربي.
ولأكون اقرب إلى الواقع، ولتجسيد كل الأفكار التي وردت سابقا، سأسلط الأضواء على فاعل سياسي جديد يمزج بين البعد المحلي و الكوني و له القدرة و الرغبة و القوة للمساهمة في تحويل الخطاب السياسي الجامد، إلى خطاب سياسي حي، و بالتالي التمكن من تفكيك جدلية الفكر و الحياة.
انه الفاعل السياسي البيئي. إذا من هو هذا الفاعل؟ و ما علاقته بالتحولات السوسيو ثقافية التي يعيشها المغرب و العالم؟ و عن أي مشروع يتحدث؟
تطرق الخطاب الملكي الإصلاحي الأخير في أحد نقطه إلى توسيع مجال الحريات الفردية، و الجماعية، و ضمان ممارستها وتعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والتنموية و الثقافية والبيئية.
إذا فالبعد البيئي حاضر في مشروع النص الدستوري المرتقب، بعدما كان غائبا في الدساتير السابقة،
وهذا جد ايجابي، إلا أن البعد البيئي ظل مرتبطا بحقوق الإنسان، بعيدا عن حقوق مختلف الكائنات المكونة للمنظومة البيئية، وبالتالي فهو يفتقد للكونية. كيف ذلك هذا ما سوف نتطرق إليه في السطور التالية:
نشأت الايكولوجيا، وهي علم البيئة في أواخر القرن 19،وهي مشتقة من الكلمة اليونانية أي منزل الأسرة .-oikos- تعرف حاليا بأنها العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية والبيئة التي تعيش فيها.
و قد ارتبط علم الايكولوجيا بنشوء و تطور نظرية المنظومات العامة، والتي يتلخص مبدؤها الأساسي في المقولة الشهيرة:
«الكل أكثر من مجموع أجزائه المكونة له»
لان الميزة الأساسية للكل مقارنة مع مجموع أجزائه هي علاقات التفاعل بين مكوناته المختلفة.
يتضح من هذا أن علم الايكولوجيا يرتكز أساسا على العلاقات بين مكونات المنظومة البيئية. ويكاد يكون إجماع من طرف الباحثين اليوم، على أن خلل المنظومة البيئية يعود بالدرجة الأولى إلى الإنسان، الذي بلغت تأثيراته و ضغوطاته على النطاق الايكولوجي، حد تحوله إلى قوة جيولوجية هائلة وفق تعبير العالم الايكولوجي» ادوارد ولسون».
ولحل وفهم هذا الخلل البيئي ظهرت فروع علمية جديدة تعرف بالعلوم الخضراء، كما هو الشأن بالنسبة للكيمياء البيئية، والكيمياء الحيوية البيئية، والزراعة الحيوية، والهندسة البيئية...
كما ظهرت العلوم الإنسانية الخضراء، كعلم النفس البيئي والاقتصاد البيئي والتاريخي والنقد الايكولوجي.
إن الأزمة البيئية الحالية مرتبطة بالنظرة الحديثة إلى العالم الذي نشأت فيه، أي الغرب الأوروبي، وكذلك عبر امتدادها على بقية أنحاء العالم، وشكلت في الوقت نفسه نواة الحضارة الحديثة، وأسست لمختلف أنماط الحياة والاجتماع والتمدن.
إن فهم أصول الأزمة البيئية الراهنة يمر عبر نقذ هذه النظرة، وهذا يتطلب العودة إلى اللحظة الفلسفية التأسيسية للعصور الحديثة أي بالضبط إلى «ديكارت» والقسمة الثنائية التي أقامها بين جوهرين:
- الأنا المفكر.
- المادة الممتدة.
وتطورت هذه النظرية و بالتالي ظهرت ثنائيات جديدة كما هو الشأن بالنسبة:
- العالم و الإنسان مقابل الطبيعة.
- الذات مقابل الموضوع.
إذا فإثبات الأنا لوجوده كجوهر مفكر،متقدم يعني في الوقت نفسه انفصاله واستقلاله عن العالم/ الطبيعة. و هذا ما شكل الخروج الثاني للإنسان على الطبيعة بعد الخروج الأول الذي دفعته إليه قواه البيولوجية التي اكتسبها في سياق التطور.
وهكذا تحولت الطبيعة إلى آلة ضخمة هائلة و تحولت أسرارها و أرواحها إلى قوانين و قوى ميكانيكية من خلال الأنا كذات عارفة، قادرة على التوجيه إلى معرفتها و حيازتها، و التعرف و التلاعب بها، مما يؤدي بنا نحن البشر إلى أن نصبح سادة و مهيمنين على الطبيعة، وفق التعبير الديكارتي الشهير.
وأولى خطوات هذه المعرفة و السيادة امتلاك المنهج الذي يضمن اليقين، و أولى خطوات المنهج هي التحليل. و في حين أن الموضوع العالم/الطبيعة آلة ضخمة معقدة يمكن فهمها بتفكيكها إلى أجزائها و البحث في كل جزء على حدا، و هذا يعني أن الكل (الطبيعة) ما هو إلا تجمع من الأجزاء المتراصفة المرتبطة آليا، و ليس كليّة لها خصائصها، التي لا يمكن اختزالها إلى خصائص أجزائها.
إضافة إلى الفكر الديكارتي هناك نظريات و أفكار أخرى ساهمت إلى حد كبير في هيمنة و سيادة الإنسان على الطبيعة و تسخيرها لنزواته و غرائزه اللامنتهية كما هو الشأن بالنسبة لنظرية» داروين» و نظرية علم الوراثة لصاحبها «مانديل» إضافة إلى مفكرين آخرين « كفيورباخ»
و» نيتش».
إن انتقاد العقل الغربي و الحضارة الحديثة لا يعني أن الفلسفة البيئية معادية للعقلانية، بحيث نعرف ما حققته البشرية عموما بفضلها، و بالتالي فهذا النقد إنما هو خطوة أولى إذا ما أردنا بناء عقلانية جديدة متنورة بالمعرفة الايكولوجية.
كل هذا يدفعنا إلى فتح حوار و نقاش وازن من خلال مجموعة من الاستفهامات و الأفكار:
- هل الكائنات الغير بشرية مجرد مواد خام مركونة لإشباع الحاجيات و الرغبات البشرية؟
- هل أيضا الطبقات البشرية الضعيفة الغير المحضوضة مجرد مواد خام مركونة في فقرها و بؤسها لإشباع حاجيات و رغبات الطبقات البشرية الميسورة؟
- هل النساء مجرد مواد خام مركونة في ضعفها، في جهلها، في أميتها و فقرها لإشباع حاجيات و رغبات المجتمع الرجولي المستبد، المهيمن، الممارس للسيادة؟
- هل دول الجنوب مجرد مواد خام مركونة، مغلوبة على حالها، بكل مكوناتها و منظوماتها البيئية و بكل أشكال فقرها و جهلها و يأسها و بؤسها و تخلفها، كمادة خام لإشباع حاجيات و رغبات دول الشمال المهيمنة، المسيطرة الجائرة؟
- هل بإمكاننا نحن البشر، جعل كل الكائنات المنتمية إلى المنظومة البيئية متساوية في الحقوق و الواجبات؟ و إذا تم ذلك أين تبدأ حقوق وواجبات كل كائن؟
- هل القاعدة الأخلاقية البيئية المستقبلية، إذا تم التوافق من اجل إخراجها، موجهة للأجزاء المكونة للمنظومة البيئية أم موجهة إلى كل أجزائه المكونة له و المتفاعلة فيما بينها، أي المقاربة الكلية للأخلاق البيئية؟
- هل المجتمع العالمي مطالب بإيجاد قواعد أخلاقية بيئية تؤدي لمرحلة جديدة و نادرة تتمثل في أخلاق مشتركة كونية، لجميع الكائنات المنتمية للمنظومة البيئية، و بالتالي السير نحو بناء ما
يسمى بالدولة الكونية؟
لكن قبل التأسيس لهذه القواعد الأخلاقية البيئية الجديدة أليس من البديهي طي صفحة التأسيس النهائي و الشمولي لأخلاق بشرية مشتركة أي ما يعرف بحقوق الإنسان؟
و بالتالي التأسيس لمجتمع بشري يكون كل مواطنيه متساوون في الحقوق و الواجبات؟ و تحقيق ما يسمى بالمواطنة العالمية.
يقودنا هذا إلى الحديث عن مدى تأثير البعد البيئي على المدى القصير أو البعيد على الخطاب السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي من جهة، و كذلك على العلاقة بين الفكر و كل مظاهر الحياة، لأن البعد البيئي ليس فقط الاهتمام بالظواهر الطبيعية كالاحتباس الحراري و التلوث، بالإضافة إلى تدبير المياه و حماية الغابات...، بل هو بمثابة قوة جيولوجية هائلة سوف لا محالة يكون تأثيرها عميق على البشر و الشجر و الحجر. بل هو بمثابة الثورة الفكرية و العلمية التي أسس لها عصر الأنوار. و لن يتم تفكيك هذه العلاقة الجدلية بين الفكر و كل مظاهر الحياة إلا بإعادة الإنسان لحقيقة ذاته، و لن يدرك ذلك إلا بصهرها ضمن الطبيعة في شبه تواصل عميق معها، و تناغم تام، مع جميع العناصر المركبة لها صغرت أم كبرت. إلا أن الغاية المنشودة من معرفة الإنسان لذاته، ليست هي فصل الإنسان عن الطبيعة، بقدر ما هي التعرية عن الطبيعة الحقيقية في الإنسان، و تنقيتها مما علق بها من جراء التاريخ و الثقافة و المجتمع كما قال روسو في كتابه « أصل التفاوت بين البشر».
و في هذا دعوة إلى التخلي عن المواقف الانسناوية التي تطمس حقيقة الإنسان لشدة ما تعظم من شانه، واضعة إياه فوق كل الكائنات،و المبتغى انه على العلوم الإنسانية اليوم أن تضم جهودها إلى جهود العلوم الطبيعية لغاية دمج الثقافة في الطبيعة من جديد و الحياة في مجموع الشروط الفيزيائية و الكيميائية اللازمة لها.
ومن بين النظريات التي تترجم هذا التحول نظرية التفاعلات؛ و معناها أن كل العناصر المكونة للمنظومة البيئية سواء كانت إنسان، حيوان، نبات، أو جماد، أو سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو غير مرئية، لها قيمة خاصة و قيمتها هذه في وجودها، ووجودها مرتبط بعلاقاتها التفاعلية بين مختلف المكونات.
وتزامن هذا مع التخلي الرسمي من طرف المؤسسات الدولية المعنية بالأمر على مجموعة من النظريات كان لها دور رائد في عالمنا الحديث و في مختلف المجالات- كما اشرنا سالفا- كما هو الشأن بالنسبة لنظرية « داروين»، و القسمة الثنائية «لديكارت» و نظرية الوراثة «لمانديل» و من خلال هذا سوف يعرف الخطاب السياسي تحولا جذريا في العقود المقبلة.
يرتكز البعد البيئي على الرأسمال الطبيعي الغير المادي الذي لا يرتبط بعملية الربح و الخسارة المتعارف عليها في اقتصاد السوق الليبرالي، و بالتالي فالفكر اليساري في نظري هو الأقرب إلى هذا البعد، و بإمكانه جمع شتاته و تحقيق وحدته، و كذلك بإمكانه أن يكون نقطة التقاء مع مختلف المؤسسات السياسية أو المدنية، سواء منها الوطنية أو الدولية التي تتبنى البعد نفسه.
كما يمكن تسويق كل الاختيارات الإستراتيجية التي تبناها المغرب من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة، و التعريف بورش الإصلاحات السياسية و الدستورية التي تعيشها بلادنا حاليا، عبر انفتاح مؤسساتنا على مختلف المؤسسات الدولية التي تتبنى البعد البيئي في سياستها. و أن تكون هذه الآلية أيضا وسيلة للتعريف بمشروع الحكم الذاتي لأقاليمنا الصحراوية، و للدفاع عن وحدتنا الترابية.
وكذلك بإمكان البعد البيئي أن يكون وسيلة لاستقطاب فاعلين سياسيين جدد إلى مختلف مؤسساتنا الحزبية، سواء منهم الشباب أو الرافدين لمعانقة الفعل السياسي أصلا.
وكنتيجة لتطور المعارف البيئية و غيرها ستظهر علوم و معارف لا محال سوف تفرض نفسها في المستقبل القريب، كعلم الوراثة و علم الفيزياء الكمية وعلم الكيمياء البيئية و علم تكنولوجيا الأجسام المصغرة (النانو تكنولوجي و علوم النانو)،و هي معارف تستعمل أجسام صغيرة بأقل طاقة و أكثر فعالية. و من خلال هذه الثورة العلمية و التكنولوجية سوف يعرف العالم تطورا سريعا و باهرا ينعكس على الفكر و الحياة و كذلك في العلاقة التفاعلية بينهما و بين كل عناصر المنظومة الكونية.
سيظهر أيضا اقتصاد جديد بدت ملامحه تتبادر و هو ما يعرف بالاقتصاد الأخضر، و نجده في عدة ميادين : الطب، الصيدلة، الهندسة، الفيزياء، الكيمياء، و نراه بالعين المجردة في مشاريع الطاقة البديلة ، الفلاحة الخضراء، صناعة السيارات، السياحة الثقافية و غيرها و بالتالي المساهمة في التأسيس لاقتصاد تضامني منتج، و العمل على خلق فرص شغل جديدة حقيقية و منتجة تتماشى مع الملفات المطلبية المشروعة لشبابنا، و كل أفراد المجتمع.
فما أحوجنا أن يكون البعد البيئي حاضرا في النص الدستوري المرتقب بشكله الشمولي، و بأبعاده الكونية التي تحترم حقوق وواجبات كل الكائنات المكونة للمنظومة الايكولوجية، و أن يكون مصاحبا بآليات و مراسيم سلسة تكون أجرأتها ممكنة انطلاقا من الذاكرة الجماعية و الخصوصية المحلية،
و أن يكون البعد الجهوي وعاء حقيقيا و واقعيا للنص الدستوري .
نحن محتاجون أيضا إلى تشجيع البحث العلمي البيئي و تثمين نتائجه، و تشجيع التكنولوجيا الملائمة للمحافظة على البيئة، و تحقيق التنمية المستدامة. الحاجة كذلك إلى القيام بدراسات و تحاليل علمية عميقة، نظرية و ميدانية لكل الكائنات والظواهر المكونة للمنظومة البيئية، إضافة إلى تسهيل آليات الوصول للمعلومة البيئية.
نحن محتاجون في الأفق إلى قضاء بيئي، و مؤسسات تشريعية، و تنفيذية بيئية، إضافة إلى خلق ضرائب خضراء سواء كانت مادية أو معنوية أو تأديبية، للحد من المآسي التي تتعرض لها المنظومة البيئية بما فيها الإنسان، و مؤسسات مدنية أو حكومية، لتأطير المواطن على المواطنة البيئية، لأنها هي المستقبل. الحاجة أيضا أن يكون البعد البيئي حاضرا في خطاباتنا السياسية و الاجتماعية، وأن يكون حاضرا في النقاشات الحزبية التنظيمية، و كنقطة أساسية في مؤتمراتها الوطنية، وأن تتبناه الأحزاب مستقبلا كخيارات استراتيجيه.
الحاجة أيضا إلى التأسيس إلى فكر ديمقراطي بيئي تشاركي حقيقي ينطلق من مؤسسة الأسرة و المؤسسات التعليمية وباقي المؤسسات سواء منها المدنية أو السياسية.
ولتقريب القارئ من أمثلة حية لحماية المنظومة البيئية، تبنتها بعض النصوص الدستورية لبعض الدول؛ نأخذ على سبيل المثال حقوق المياه بالنسبة لجنوب إفريقيا، و الحق في التغذية السليمة و المتوازنة بالنسبة للبرازيل. هذا جد مهم و ايجابي، و كم سنكون سعداء إذا كانت هذه الحقوق منصوص عليها في مشروع وثيقتنا الدستورية، و لكن هذا لا يكفي في نظري لأن وجود الماء و باقي المواد الغذائية بطريقة مستدامة هو مرتبط بالحفاظ على التوازنات البيئية و حماية كل مكوناتها، لأن الأزمات التي يعرفها العالم و المتعلقة بنذرة المياه أو بنذرة المواد الغذائية هي ليست فقط نتيجة للضغط الديمغرافي، بل هي أساسا نتيجة اختلالات ايكولوجية كان للإنسان نصيب الأسد فيها.
هناك مثال آخر يتعلق بحشرة صغيرة في حجمها، و كبيرة في عطائها، الأمر يتعلق بالنحل.
فهي كائنات اجتماعية بطبعها، تقوم بوظائف جد مهمة سواء داخل الخلية أو خارجها، تلعب إلى حد كبير دورا طلائعيا في التوازنات البيئية، منها:
-المساهمة في عملية التلقيح و بالتالي الرفع من المنتوج الزراعي بحوالي أربعين في المائة، و يؤدي هذا إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.
-المساهمة في التنوع البيولوجي.
-المساهمة في الرفع من كمية الأوكسجين و التقليص من ثاني أكسيد الكربون، و بالتالي التقليص من ظاهرة الاحتباس الحراري، انطلاقا من دورها الأساسي في عملية التلقيح والتنوع البيولوجي.
-المساهمة في التنمية المحلية المستدامة و الرفع من دخل الفلاح الصغير وبالتالي محاربة الفقر و الهشاشة والتهميش وذلك من خلال منتوجها، ودورها في الرفع من المنتوج الفلاحي.
-المساهمة من خلال منتوج الخلية في العلاج و الوقاية من مجموعة من الأمراض المختلفة.
-كما أن سلوك الحيوان و منه النحل، أصبحت تتبناه بعض الجامعات الدولية في أبحاثها العلمية لفهم مكونات المنظومة البيئية المختلفة، و ليتمكن الإنسان من خلالها فهم ذاته و دمجها في الطبيعة.
من خلال هذا يتبين الدور الفعال لهذه الحشرة في الحفاظ على المنظومة البيئية، و لهذا يتطلب حمايتها و الحفاظ عليها من الانقراض و ذلك بمأسسة قطاع تربية النحل و منتوج الخلية في إطار مؤسسات تستمد مشروعيتها من النص الدستوري و باقي القوانين الوطنية و الدولية كما هو الشأن بالنسبة لنصوص و قوانين مجموعة من الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و روسيا و الصين و كوبا و البرازيل...
إذا فما أحوج أحزابنا السياسية إلى هذا الفاعل البيئي الجديد، و ما أحوجنا أيضا أن يكون البعد البيئي حاضرا بقوة في روح النص الدستوري المرتقب و في مبادئه الأساسية، و ذلك لأهميته الآنية و المستقبلية. و كذلك لارتباط المغرب و التزامه بمجموعة من المعاهدات، و الاتفاقيات الدولية التي تنص على المحافظة على المنظومة البيئية.
كما أود أن أشير في الأخير أن الشعوب و الدول التي تبنت الخيار الديمقراطي و أبدعت فيه منذ زمن بعيد، تبحث حاليا على مجال أوسع لتطوير خيارها هذا، ومن بين الخيارات المطروحة:
التأسيس لما يسمى ب»الدولة الكونية»، يكون خلالها حضور قوي للبعد البيئي كما تطرقنا له سابقا، و ذلك طيلة القرن الحالي.
والدولة الكونية في حد ذاتها مرحلة حاسمة للوصول إلى تحقيق حلم ما يسمى ب»الدولة الفضائية» و ذلك في غضون القرن الثاني و العشرون (وكل هذا يبقى نسبيا). و هذه قصة أخرى سنعود إليها لاحقا بكل تفاصيلها الممكنة.
إذا فالطريق أمامنا لازال طويلا و شاقا، لتدارك ما فاتنا و الانطلاق نحو خيارات المستقبل، بكل أبعاده الاستراتيجية. و كما يقول المثل «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة».
* عضو المجلس الوطني للحزب
دكتور صيدلي، باحث و مختص في علوم الحياة و الأرض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.