النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة.. نبيل باها: من أجل التتويج باللقب لابد من بذل مجهودات أكثر    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (ربع النهائي).. المنتخب المغربي يواجه نظيره الجنوب الإفريقي يوم الخميس المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توقيف إفريقيين مقيمان بدول أوروبية بمطار طنجة لحيازتهما ل46 كيلوغرام من المخدرات    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    اتحاد دول الساحل يتهم الجزائر ب"العدوان والترويج للإرهاب" ويستدعي سفراءه للتشاور (وثيقة)    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    خريبكة تلاقي تطوان بكأس العرش    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    عطاف يستقبل دي ميستورا بالجزائر    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها بين طنجة وطريفة بعد تحسن الأحوال الجوية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    عشرات آلاف المغاربة يتظاهرون في الرباط "ضد الإبادة والتجويع" في غزة    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    وزير الخارجية الفرنسي يعلن الاتفاق على بناء "شراكة هادئة" مع الجزائر    بيانات: المغرب ثاني أكبر مستورد للقمح الطري من الاتحاد الأوروبي    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    بعد انخفاض أسعار المحروقات وطنياً.. هذا هو ثمن البيع بمحطات الوقود في الحسيمة    آلاف المعتمرين المغاربة عالقون في السعودية    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تواجه رفضا واسعا للتعديلات القانونية الجديدة    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    المغرب يحدد منحة استيراد القمح    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    توقيف مروجين للمخدرات الصلبة بحي الوفاء بالعرائش    لوبن تدين "تسييس القضاء" بفرنسا    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    الذكاء الاصطناعي.. سوق عملاق يُهدد العدالة الرقمية    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    السفارة الأمريكية توجه تحذيرا لرعاياها بالمغرب    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    المغرب يتوعد بالرد الحازم عقب إحباط محاولة إرهابية في المنطقة العازلة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد البيئي والدستور

حان الوقت ليبتعد الفاعل السياسي والاجتماعي على الاستثمار المادي في السياسة، لان هذا النوع من الاستثمار صفقة خاسرة عبر الزمان والمكان بكل أبعادهما الممكنة، الصحيح أن نستثمر في الفكر والمبادئ والقيم.
الحاجة أيضا من خلال هذا المشروع الإصلاحي الكبير، هي إعادة النظر في الخطاب السياسي وتطويره حتى نتمكن من خلاله بلورة النص الدستوري على أرض الواقع و القطع مع الخطاب السياسي الخشبي الذي يبتعد كل البعد على كل مظاهر الحياة و الواقع اليومي للمواطن المغربي، لأن اليوم هناك هوة عميقة بين الطبقة السياسية والمجتمع و ذلك بشهادة الجميع.
فالذي يملك ذكاء استراتيجيا في هذه البلاد، عليه أن يراهن على فكر المؤسسة، و على دعم العمل السياسي الحقيقي بدون إقصاء أو إلغاء و بكل التوافق الممكن لنصل في نهاية المطاف إلى تنمية يختلط فيها السياسي والتنموي والثقافي وهذا هو رهان الجميع و يكون الرابح الأكبر هي الأمة المغربية بكل تلاوينها وتفاصيلها وأطيافها.
يسوقنا هذا الحراك السياسي والنقاش الساخن و العميق إلى طرح السؤال : من هو الفاعل السياسي الجديد؟ وما علاقته بالمؤسسة التي تحتضنه؟ وإلى أي حد يتمكنا معا من تحويل النص الدستوري من مادته الجامدة، إلى مادة حية، يتماشى بشكل توافقي مع كل الفئات الاجتماعية ؟
ينص الفصل الثالث من دستور المغرب لسنة 1996 على ما يلي:
الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، والجماعات المحلية، و الغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين و تمثيلهم.
أما بالنسبة للدستور الفرنسي لسنة 1958 في فصله الرابع ينص على أن الأحزاب والتنظيمات السياسية، تساهم في التعبير عن الاقتراع، و تقوم بالإنتاج الإيديولوجي وتساهم في تحديد السياسة الوطنية.
من خلال هذه المقارنة بين الدستورين يبقى دور الأحزاب المغربية في ظل النص الدستوري الحالي بعيد كل البعد عن الدور الحزبي الحقيقي المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، و بالتالي يشكل عثرة دستورية وسياسية حقيقية أمام دمقرطة البلاد وتطورها، لأن الفاعل السياسي في الدول الديمقراطية مرتبط بالوصول إلى السلطة من اجل إنتاج ثروة تنافسية، ومتجددة، ومستدامة، والعمل على توزيعها توزيعا عادلا.
لقد حان الوقت للفاعل السياسي الجديد بالمغرب أن ينتمي إلى مؤسسة حزبية حقيقية حاملة لمشروع مجتمعي وخط سياسي وإيديولوجي واضح، والأهم أن يكون فاعلنا السياسي هذا هو أيضا يحمل مشروع مجتمعي حقيقي وواقعي يستمد شرعيته من مشروع حزبه، ومن خلال النص الدستوري وباقي القواعد القانونية المتوافق عليها. وفي المقابل ألا تكون الأحزاب المحتضنة للفاعل السياسي مجرد تنظيمات فئوية، أو إقصائية، أو انتهازية بل أن تعم الديمقراطية في تنظيماتها، وأن يلتزم الكل بقوانينها ومساطرها الداخلية، وأن تعطى الفرصة لكل الكفاءات والنخب الحزبية القادرة على بلورة المشروع المجتمعي الحزبي على أرض الواقع .
كما أن الأحزاب و خاصة منها التقدمية، مطالبة بإعادة الاتصال بالحركات الاجتماعية وبامتلاك الخطاب الاجتماعي إلى جانب الخطاب السياسي طبعا، لذا يجب أن تعود لقواعدها التنظيمية، وأن تقوم بنقد ذاتي، بل بثورة هادئة و حقيقية داخلية.
ثم أن تكون طموحاتها أبعد من الديمقراطية التمثيلية، و ذلك من خلال البحث عن آليات جديدة، ووضع مبادئ الديمقراطية التشاركية كآلية للعمل، وللأنشطة اليومية، ولاستقطاب كافة شرائح المجتمع، للاهتمام بالمجال السياسي، وبالتالي ضمانهم لحقوقهم الكاملة.
من خلال حركة 20 فبراير الشبابية والحراك السياسي، والاجتماعي لمختلف الفئات، أصبحنا أمام فاعل جديد مرتبط أساسا بما هو اجتماعي، يمتلك الفضاءات العامة، ويقدم خطابا جديدا، لا علاقة له بالخطاب السياسي والاجتماعي الكلاسيكي. يطرح مطالب واضحة وشرعية، ولا يفكر أبدا في التوافقات أو التوازنات. فنحن أمام مرحلة جديدة ومجهولة، وبالتالي نحن محتاجون إلى ثقافة تنظيمية جديدة، و خطاب سياسي جديد، و خاصة بعد أن التحقت أخيرا بهذه الحركة فئات مختلفة، كالسلفيين، وعائلات المعتقلين، ومتقاعدي الجيش، وصغار الفلاحين وغيرهم من أطياف المجتمع المغربي.
ولأكون اقرب إلى الواقع، ولتجسيد كل الأفكار التي وردت سابقا، سأسلط الأضواء على فاعل سياسي جديد يمزج بين البعد المحلي و الكوني و له القدرة و الرغبة و القوة للمساهمة في تحويل الخطاب السياسي الجامد، إلى خطاب سياسي حي، و بالتالي التمكن من تفكيك جدلية الفكر و الحياة.
انه الفاعل السياسي البيئي. إذا من هو هذا الفاعل؟ و ما علاقته بالتحولات السوسيو ثقافية التي يعيشها المغرب و العالم؟ و عن أي مشروع يتحدث؟
تطرق الخطاب الملكي الإصلاحي الأخير في أحد نقطه إلى توسيع مجال الحريات الفردية، و الجماعية، و ضمان ممارستها وتعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والتنموية و الثقافية والبيئية.
إذا فالبعد البيئي حاضر في مشروع النص الدستوري المرتقب، بعدما كان غائبا في الدساتير السابقة،
وهذا جد ايجابي، إلا أن البعد البيئي ظل مرتبطا بحقوق الإنسان، بعيدا عن حقوق مختلف الكائنات المكونة للمنظومة البيئية، وبالتالي فهو يفتقد للكونية. كيف ذلك هذا ما سوف نتطرق إليه في السطور التالية:
نشأت الايكولوجيا، وهي علم البيئة في أواخر القرن 19،وهي مشتقة من الكلمة اليونانية أي منزل الأسرة .-oikos- تعرف حاليا بأنها العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية والبيئة التي تعيش فيها.
و قد ارتبط علم الايكولوجيا بنشوء و تطور نظرية المنظومات العامة، والتي يتلخص مبدؤها الأساسي في المقولة الشهيرة:
«الكل أكثر من مجموع أجزائه المكونة له»
لان الميزة الأساسية للكل مقارنة مع مجموع أجزائه هي علاقات التفاعل بين مكوناته المختلفة.
يتضح من هذا أن علم الايكولوجيا يرتكز أساسا على العلاقات بين مكونات المنظومة البيئية. ويكاد يكون إجماع من طرف الباحثين اليوم، على أن خلل المنظومة البيئية يعود بالدرجة الأولى إلى الإنسان، الذي بلغت تأثيراته و ضغوطاته على النطاق الايكولوجي، حد تحوله إلى قوة جيولوجية هائلة وفق تعبير العالم الايكولوجي» ادوارد ولسون».
ولحل وفهم هذا الخلل البيئي ظهرت فروع علمية جديدة تعرف بالعلوم الخضراء، كما هو الشأن بالنسبة للكيمياء البيئية، والكيمياء الحيوية البيئية، والزراعة الحيوية، والهندسة البيئية...
كما ظهرت العلوم الإنسانية الخضراء، كعلم النفس البيئي والاقتصاد البيئي والتاريخي والنقد الايكولوجي.
إن الأزمة البيئية الحالية مرتبطة بالنظرة الحديثة إلى العالم الذي نشأت فيه، أي الغرب الأوروبي، وكذلك عبر امتدادها على بقية أنحاء العالم، وشكلت في الوقت نفسه نواة الحضارة الحديثة، وأسست لمختلف أنماط الحياة والاجتماع والتمدن.
إن فهم أصول الأزمة البيئية الراهنة يمر عبر نقذ هذه النظرة، وهذا يتطلب العودة إلى اللحظة الفلسفية التأسيسية للعصور الحديثة أي بالضبط إلى «ديكارت» والقسمة الثنائية التي أقامها بين جوهرين:
- الأنا المفكر.
- المادة الممتدة.
وتطورت هذه النظرية و بالتالي ظهرت ثنائيات جديدة كما هو الشأن بالنسبة:
- العالم و الإنسان مقابل الطبيعة.
- الذات مقابل الموضوع.
إذا فإثبات الأنا لوجوده كجوهر مفكر،متقدم يعني في الوقت نفسه انفصاله واستقلاله عن العالم/ الطبيعة. و هذا ما شكل الخروج الثاني للإنسان على الطبيعة بعد الخروج الأول الذي دفعته إليه قواه البيولوجية التي اكتسبها في سياق التطور.
وهكذا تحولت الطبيعة إلى آلة ضخمة هائلة و تحولت أسرارها و أرواحها إلى قوانين و قوى ميكانيكية من خلال الأنا كذات عارفة، قادرة على التوجيه إلى معرفتها و حيازتها، و التعرف و التلاعب بها، مما يؤدي بنا نحن البشر إلى أن نصبح سادة و مهيمنين على الطبيعة، وفق التعبير الديكارتي الشهير.
وأولى خطوات هذه المعرفة و السيادة امتلاك المنهج الذي يضمن اليقين، و أولى خطوات المنهج هي التحليل. و في حين أن الموضوع العالم/الطبيعة آلة ضخمة معقدة يمكن فهمها بتفكيكها إلى أجزائها و البحث في كل جزء على حدا، و هذا يعني أن الكل (الطبيعة) ما هو إلا تجمع من الأجزاء المتراصفة المرتبطة آليا، و ليس كليّة لها خصائصها، التي لا يمكن اختزالها إلى خصائص أجزائها.
إضافة إلى الفكر الديكارتي هناك نظريات و أفكار أخرى ساهمت إلى حد كبير في هيمنة و سيادة الإنسان على الطبيعة و تسخيرها لنزواته و غرائزه اللامنتهية كما هو الشأن بالنسبة لنظرية» داروين» و نظرية علم الوراثة لصاحبها «مانديل» إضافة إلى مفكرين آخرين « كفيورباخ»
و» نيتش».
إن انتقاد العقل الغربي و الحضارة الحديثة لا يعني أن الفلسفة البيئية معادية للعقلانية، بحيث نعرف ما حققته البشرية عموما بفضلها، و بالتالي فهذا النقد إنما هو خطوة أولى إذا ما أردنا بناء عقلانية جديدة متنورة بالمعرفة الايكولوجية.
كل هذا يدفعنا إلى فتح حوار و نقاش وازن من خلال مجموعة من الاستفهامات و الأفكار:
- هل الكائنات الغير بشرية مجرد مواد خام مركونة لإشباع الحاجيات و الرغبات البشرية؟
- هل أيضا الطبقات البشرية الضعيفة الغير المحضوضة مجرد مواد خام مركونة في فقرها و بؤسها لإشباع حاجيات و رغبات الطبقات البشرية الميسورة؟
- هل النساء مجرد مواد خام مركونة في ضعفها، في جهلها، في أميتها و فقرها لإشباع حاجيات و رغبات المجتمع الرجولي المستبد، المهيمن، الممارس للسيادة؟
- هل دول الجنوب مجرد مواد خام مركونة، مغلوبة على حالها، بكل مكوناتها و منظوماتها البيئية و بكل أشكال فقرها و جهلها و يأسها و بؤسها و تخلفها، كمادة خام لإشباع حاجيات و رغبات دول الشمال المهيمنة، المسيطرة الجائرة؟
- هل بإمكاننا نحن البشر، جعل كل الكائنات المنتمية إلى المنظومة البيئية متساوية في الحقوق و الواجبات؟ و إذا تم ذلك أين تبدأ حقوق وواجبات كل كائن؟
- هل القاعدة الأخلاقية البيئية المستقبلية، إذا تم التوافق من اجل إخراجها، موجهة للأجزاء المكونة للمنظومة البيئية أم موجهة إلى كل أجزائه المكونة له و المتفاعلة فيما بينها، أي المقاربة الكلية للأخلاق البيئية؟
- هل المجتمع العالمي مطالب بإيجاد قواعد أخلاقية بيئية تؤدي لمرحلة جديدة و نادرة تتمثل في أخلاق مشتركة كونية، لجميع الكائنات المنتمية للمنظومة البيئية، و بالتالي السير نحو بناء ما
يسمى بالدولة الكونية؟
لكن قبل التأسيس لهذه القواعد الأخلاقية البيئية الجديدة أليس من البديهي طي صفحة التأسيس النهائي و الشمولي لأخلاق بشرية مشتركة أي ما يعرف بحقوق الإنسان؟
و بالتالي التأسيس لمجتمع بشري يكون كل مواطنيه متساوون في الحقوق و الواجبات؟ و تحقيق ما يسمى بالمواطنة العالمية.
يقودنا هذا إلى الحديث عن مدى تأثير البعد البيئي على المدى القصير أو البعيد على الخطاب السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي من جهة، و كذلك على العلاقة بين الفكر و كل مظاهر الحياة، لأن البعد البيئي ليس فقط الاهتمام بالظواهر الطبيعية كالاحتباس الحراري و التلوث، بالإضافة إلى تدبير المياه و حماية الغابات...، بل هو بمثابة قوة جيولوجية هائلة سوف لا محالة يكون تأثيرها عميق على البشر و الشجر و الحجر. بل هو بمثابة الثورة الفكرية و العلمية التي أسس لها عصر الأنوار. و لن يتم تفكيك هذه العلاقة الجدلية بين الفكر و كل مظاهر الحياة إلا بإعادة الإنسان لحقيقة ذاته، و لن يدرك ذلك إلا بصهرها ضمن الطبيعة في شبه تواصل عميق معها، و تناغم تام، مع جميع العناصر المركبة لها صغرت أم كبرت. إلا أن الغاية المنشودة من معرفة الإنسان لذاته، ليست هي فصل الإنسان عن الطبيعة، بقدر ما هي التعرية عن الطبيعة الحقيقية في الإنسان، و تنقيتها مما علق بها من جراء التاريخ و الثقافة و المجتمع كما قال روسو في كتابه « أصل التفاوت بين البشر».
و في هذا دعوة إلى التخلي عن المواقف الانسناوية التي تطمس حقيقة الإنسان لشدة ما تعظم من شانه، واضعة إياه فوق كل الكائنات،و المبتغى انه على العلوم الإنسانية اليوم أن تضم جهودها إلى جهود العلوم الطبيعية لغاية دمج الثقافة في الطبيعة من جديد و الحياة في مجموع الشروط الفيزيائية و الكيميائية اللازمة لها.
ومن بين النظريات التي تترجم هذا التحول نظرية التفاعلات؛ و معناها أن كل العناصر المكونة للمنظومة البيئية سواء كانت إنسان، حيوان، نبات، أو جماد، أو سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو غير مرئية، لها قيمة خاصة و قيمتها هذه في وجودها، ووجودها مرتبط بعلاقاتها التفاعلية بين مختلف المكونات.
وتزامن هذا مع التخلي الرسمي من طرف المؤسسات الدولية المعنية بالأمر على مجموعة من النظريات كان لها دور رائد في عالمنا الحديث و في مختلف المجالات- كما اشرنا سالفا- كما هو الشأن بالنسبة لنظرية « داروين»، و القسمة الثنائية «لديكارت» و نظرية الوراثة «لمانديل» و من خلال هذا سوف يعرف الخطاب السياسي تحولا جذريا في العقود المقبلة.
يرتكز البعد البيئي على الرأسمال الطبيعي الغير المادي الذي لا يرتبط بعملية الربح و الخسارة المتعارف عليها في اقتصاد السوق الليبرالي، و بالتالي فالفكر اليساري في نظري هو الأقرب إلى هذا البعد، و بإمكانه جمع شتاته و تحقيق وحدته، و كذلك بإمكانه أن يكون نقطة التقاء مع مختلف المؤسسات السياسية أو المدنية، سواء منها الوطنية أو الدولية التي تتبنى البعد نفسه.
كما يمكن تسويق كل الاختيارات الإستراتيجية التي تبناها المغرب من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة، و التعريف بورش الإصلاحات السياسية و الدستورية التي تعيشها بلادنا حاليا، عبر انفتاح مؤسساتنا على مختلف المؤسسات الدولية التي تتبنى البعد البيئي في سياستها. و أن تكون هذه الآلية أيضا وسيلة للتعريف بمشروع الحكم الذاتي لأقاليمنا الصحراوية، و للدفاع عن وحدتنا الترابية.
وكذلك بإمكان البعد البيئي أن يكون وسيلة لاستقطاب فاعلين سياسيين جدد إلى مختلف مؤسساتنا الحزبية، سواء منهم الشباب أو الرافدين لمعانقة الفعل السياسي أصلا.
وكنتيجة لتطور المعارف البيئية و غيرها ستظهر علوم و معارف لا محال سوف تفرض نفسها في المستقبل القريب، كعلم الوراثة و علم الفيزياء الكمية وعلم الكيمياء البيئية و علم تكنولوجيا الأجسام المصغرة (النانو تكنولوجي و علوم النانو)،و هي معارف تستعمل أجسام صغيرة بأقل طاقة و أكثر فعالية. و من خلال هذه الثورة العلمية و التكنولوجية سوف يعرف العالم تطورا سريعا و باهرا ينعكس على الفكر و الحياة و كذلك في العلاقة التفاعلية بينهما و بين كل عناصر المنظومة الكونية.
سيظهر أيضا اقتصاد جديد بدت ملامحه تتبادر و هو ما يعرف بالاقتصاد الأخضر، و نجده في عدة ميادين : الطب، الصيدلة، الهندسة، الفيزياء، الكيمياء، و نراه بالعين المجردة في مشاريع الطاقة البديلة ، الفلاحة الخضراء، صناعة السيارات، السياحة الثقافية و غيرها و بالتالي المساهمة في التأسيس لاقتصاد تضامني منتج، و العمل على خلق فرص شغل جديدة حقيقية و منتجة تتماشى مع الملفات المطلبية المشروعة لشبابنا، و كل أفراد المجتمع.
فما أحوجنا أن يكون البعد البيئي حاضرا في النص الدستوري المرتقب بشكله الشمولي، و بأبعاده الكونية التي تحترم حقوق وواجبات كل الكائنات المكونة للمنظومة الايكولوجية، و أن يكون مصاحبا بآليات و مراسيم سلسة تكون أجرأتها ممكنة انطلاقا من الذاكرة الجماعية و الخصوصية المحلية،
و أن يكون البعد الجهوي وعاء حقيقيا و واقعيا للنص الدستوري .
نحن محتاجون أيضا إلى تشجيع البحث العلمي البيئي و تثمين نتائجه، و تشجيع التكنولوجيا الملائمة للمحافظة على البيئة، و تحقيق التنمية المستدامة. الحاجة كذلك إلى القيام بدراسات و تحاليل علمية عميقة، نظرية و ميدانية لكل الكائنات والظواهر المكونة للمنظومة البيئية، إضافة إلى تسهيل آليات الوصول للمعلومة البيئية.
نحن محتاجون في الأفق إلى قضاء بيئي، و مؤسسات تشريعية، و تنفيذية بيئية، إضافة إلى خلق ضرائب خضراء سواء كانت مادية أو معنوية أو تأديبية، للحد من المآسي التي تتعرض لها المنظومة البيئية بما فيها الإنسان، و مؤسسات مدنية أو حكومية، لتأطير المواطن على المواطنة البيئية، لأنها هي المستقبل. الحاجة أيضا أن يكون البعد البيئي حاضرا في خطاباتنا السياسية و الاجتماعية، وأن يكون حاضرا في النقاشات الحزبية التنظيمية، و كنقطة أساسية في مؤتمراتها الوطنية، وأن تتبناه الأحزاب مستقبلا كخيارات استراتيجيه.
الحاجة أيضا إلى التأسيس إلى فكر ديمقراطي بيئي تشاركي حقيقي ينطلق من مؤسسة الأسرة و المؤسسات التعليمية وباقي المؤسسات سواء منها المدنية أو السياسية.
ولتقريب القارئ من أمثلة حية لحماية المنظومة البيئية، تبنتها بعض النصوص الدستورية لبعض الدول؛ نأخذ على سبيل المثال حقوق المياه بالنسبة لجنوب إفريقيا، و الحق في التغذية السليمة و المتوازنة بالنسبة للبرازيل. هذا جد مهم و ايجابي، و كم سنكون سعداء إذا كانت هذه الحقوق منصوص عليها في مشروع وثيقتنا الدستورية، و لكن هذا لا يكفي في نظري لأن وجود الماء و باقي المواد الغذائية بطريقة مستدامة هو مرتبط بالحفاظ على التوازنات البيئية و حماية كل مكوناتها، لأن الأزمات التي يعرفها العالم و المتعلقة بنذرة المياه أو بنذرة المواد الغذائية هي ليست فقط نتيجة للضغط الديمغرافي، بل هي أساسا نتيجة اختلالات ايكولوجية كان للإنسان نصيب الأسد فيها.
هناك مثال آخر يتعلق بحشرة صغيرة في حجمها، و كبيرة في عطائها، الأمر يتعلق بالنحل.
فهي كائنات اجتماعية بطبعها، تقوم بوظائف جد مهمة سواء داخل الخلية أو خارجها، تلعب إلى حد كبير دورا طلائعيا في التوازنات البيئية، منها:
-المساهمة في عملية التلقيح و بالتالي الرفع من المنتوج الزراعي بحوالي أربعين في المائة، و يؤدي هذا إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.
-المساهمة في التنوع البيولوجي.
-المساهمة في الرفع من كمية الأوكسجين و التقليص من ثاني أكسيد الكربون، و بالتالي التقليص من ظاهرة الاحتباس الحراري، انطلاقا من دورها الأساسي في عملية التلقيح والتنوع البيولوجي.
-المساهمة في التنمية المحلية المستدامة و الرفع من دخل الفلاح الصغير وبالتالي محاربة الفقر و الهشاشة والتهميش وذلك من خلال منتوجها، ودورها في الرفع من المنتوج الفلاحي.
-المساهمة من خلال منتوج الخلية في العلاج و الوقاية من مجموعة من الأمراض المختلفة.
-كما أن سلوك الحيوان و منه النحل، أصبحت تتبناه بعض الجامعات الدولية في أبحاثها العلمية لفهم مكونات المنظومة البيئية المختلفة، و ليتمكن الإنسان من خلالها فهم ذاته و دمجها في الطبيعة.
من خلال هذا يتبين الدور الفعال لهذه الحشرة في الحفاظ على المنظومة البيئية، و لهذا يتطلب حمايتها و الحفاظ عليها من الانقراض و ذلك بمأسسة قطاع تربية النحل و منتوج الخلية في إطار مؤسسات تستمد مشروعيتها من النص الدستوري و باقي القوانين الوطنية و الدولية كما هو الشأن بالنسبة لنصوص و قوانين مجموعة من الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و روسيا و الصين و كوبا و البرازيل...
إذا فما أحوج أحزابنا السياسية إلى هذا الفاعل البيئي الجديد، و ما أحوجنا أيضا أن يكون البعد البيئي حاضرا بقوة في روح النص الدستوري المرتقب و في مبادئه الأساسية، و ذلك لأهميته الآنية و المستقبلية. و كذلك لارتباط المغرب و التزامه بمجموعة من المعاهدات، و الاتفاقيات الدولية التي تنص على المحافظة على المنظومة البيئية.
كما أود أن أشير في الأخير أن الشعوب و الدول التي تبنت الخيار الديمقراطي و أبدعت فيه منذ زمن بعيد، تبحث حاليا على مجال أوسع لتطوير خيارها هذا، ومن بين الخيارات المطروحة:
التأسيس لما يسمى ب»الدولة الكونية»، يكون خلالها حضور قوي للبعد البيئي كما تطرقنا له سابقا، و ذلك طيلة القرن الحالي.
والدولة الكونية في حد ذاتها مرحلة حاسمة للوصول إلى تحقيق حلم ما يسمى ب»الدولة الفضائية» و ذلك في غضون القرن الثاني و العشرون (وكل هذا يبقى نسبيا). و هذه قصة أخرى سنعود إليها لاحقا بكل تفاصيلها الممكنة.
إذا فالطريق أمامنا لازال طويلا و شاقا، لتدارك ما فاتنا و الانطلاق نحو خيارات المستقبل، بكل أبعاده الاستراتيجية. و كما يقول المثل «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة».
* عضو المجلس الوطني للحزب
دكتور صيدلي، باحث و مختص في علوم الحياة و الأرض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.