أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ، أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ستقوم بعملية توظيف بموجب عقود ستشمل 11000 منصبا بالإضافة إلى المناصب المخصصة للقطاع في قانون المالية لسنة 2016 ، لمواجهة الخصاص المهول الذي يعرفه قطاع التعليم و الهدف المُعلن في العملية هو ضمان حق التلميذ في الدراسة و التخفيف من الاكتظاظ الذي تعاني منه غالبية المدارس العمومية المغربية. قد يبدو الأمر جميلا و يستحق التنويه - لو كان الأمر حقا كذلك- فالوزارة تقول، و العهدة عليها، أنها لن تذخر جهدا من أجل تمكين كافة الأطفال من حقهم في التمدرس وكذا توفير الظروف الملائمة لإنجاح العملية التعليمية-التعلمية والارتقاء بجودة المنظومة التربوية.
لكن توقيت الإعلان عن المباراة يكتنفه العديد من الغموض و يجعلنا نشكك في القضية. وقد كنت كتبت مقالا تحت إن . و قلت فيه بالحرف:"2016_7_9عنوان " التقاعد النسبي : نعمة أم نقمة؟ " نُشر على موقع أخبارنا بتاريخ مشروع " التوظيف بالعقدة " هو القادم من القرارات اللاشعبية في الأيام المقبلة" ، و هاهي الأيام تثبت صحة توقعاتي. لن أتحدث هنا عن اتفاقي مع هذا القرار أو رفضه، لأن حاملي الإجازة هم المعنيون به في المقام الأول، وذهابهم لتسجيل أسماءهم لدى الأكاديميات يبقى اختيارا شخصيا لا يُمكنني التدخل فيه، لأن كل واحد منا له أولوياته التي قد لا تتشابه مع أشخاص آخرين. لكني سأناقش القضية من زوايا محددة فقط. الزاوية الأولى : هي أقوال الحكومة الملتحية ،خاصة أقوال وزير الاتصال السابق " الخلفي" الذي مللنا أسطوانته المتكررة حول ضرورة التكوين و المباراة قبل التوظيف حتى يكون للناجحين الكفايات الملائمة للقيام بواجبهم، حيث اختفى عن الأنظار لم نره هذه الأيام – حتى و إن كان معفيا بحكم حالة التنافي التي صار عليها بعد الانتخابات الأخيرة- يتقدم ليشرح لنا كيف تسمح الحكومة بإصدار هذا القرار الذي يضرب كل ادعاءاته الباطلة في الصفر. هل النجاح في امتحان كتابي و شفوي يجعل الناجحين قادرين على القيام بكل المطلوب منهم في الالتزام الذي هم مُجْبرون على توقيعه؟ هل بهذه الطريقة سنحقق الجودة؟ هل أبناؤنا أبناء الشعب البسطاء مجرد حقل للتجارب نصنع فيهم ما نُريد بدون حسيب و لا رقيب؟ ثُم السؤال الأهم:" من سيقوم بتكوين هؤلاء الاساتذة طيلة هذه المدة و نحن نعلم قلة المؤطرين التربويين؟ فهل ستلجأ الدولة إلى الاعتماد على انخراط الأطر التعليمية لمساعدة المتعاقدين تحت ذريعة التضحية من أجل الوطن؟ يعني "تكوين مجاني «بعيدا عن مشاكل و صداع مراكز التكوين مادامت سياسة التقشف هي ديدن هذه الحكومة التي ابتُلينا بها ولأنه ليس لنا الموارد المالية الضرورية. أليس كذلك؟ الزاوية الثانية: تخص بنود التعاقد و سأركز على أهم بنود هذا القرار و أخطرها، و الذي هو التأكيد على أن مسطرة التعاقد هذه لا تخول بأي شكل من الأشكال الحق في الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية. يعني أن المتعاقد يبقى في موقف شك دائم: هل سيتم التجديد في عقدته أم سيكون مصيره الطرد بعد أن تقضي منه الدولة وطرا؟ لو كنا في دولة تحترم مواطنيها ، لما كان هذا التخوف مطروحا من الأساس، لكن باعتراف الدولة و باعتراف التقارير الدولية فإن المغرب مثله مثل باقي الدول المتخلفة، لايزال الفساد ينخر مفاصله ، و بالتالي فكل الابتزازات و التعسفات و امتهان الكرامة ستُمارَس على هؤلاء المتعاقدين. و لن يَجدوا من يُساندهم في وضعيتهم. فالنقابات اعتزلت النضال من زمان. و الانتهازيون من ابناء الشعب كثيرون. و الذين سيخرجون لجَلْدِهم ،إن قبلوا بالتوظيف بالعقدة، يضعون أناملهم على مفاتيح حواسيبهم لنعتهم بأبشع النُّعُوت. لذا فهذا الحل الترقيعي الاستثنائي سيُصبح هو القاعدة و التوظيف هو الاستثناء. و كما يقول المثل إن قبلوا الشروط:" البكا من ورا الميت خسارة". الزاوية الثالثة : لا تجعلوا سقف توقعاتكم عاليا ، و لا تتوقعوا أن يرفض الناس المشروع، فقد أثبتت التجارب السابقة أن البعض سيبدأ في التباكي أمام الملأ لكن في الخفاء، الآلاف سيضعون ملفات ترشيحهم في الأكاديميات، و ربما سنتفاجأ بالعدد الذي ستقوله الوزارة عن عدد المتبارين الذي سيفوق حتما العدد 11000. لذا لا تفرحوا كثيرا بكثرة الانتقادات التي ستقرؤونها هذه الأيام. فالحقيقة قد تصدمنا جميعا. أخيرا و كخلاصة لكل القرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية، نستطيع أن نخْلُصَ إلى النتيجة التالية: إذا أردت أت تُخْضِع الشعب لكل القرارات الجائرة، فما عليك إلا تطبيقها على نساء و رجال التعليم أولا قبل أي قطاع آخر، لأن أصحابه هم القاطرة فإذا سكتوا ، أو تخاذلوا و تم تمريره ، فإن الأمر يسهل على باقي القطاعات. و كدليل على ذلك فمذكرة إعادة الانتشار جاءت في أول ديباجاتها تخص " الأطر المشتركة" ،لكنها طُبقت على التعليم أولا. التوظيف بتعاقد الإدارة مع خبراء لمدة محددة يسمح هذا الإجراء :"ما يليبالعقدة على حسب قول وزير الوظيفة العمومية يخص من أجل إنجاز عمل معين، كما يسمح بالتعاقد مع أطر إدارية أو أعوان للعمل في مدة محددة مقابل تعويضات" ، الشطر الأول لم يتحقق لأن كلمة خبراء لا تتوفر في المتعاقدين في التدريس بالأقسام ، لكن الشطر الثاني سيتم تطبيقه، و دائما البداية هو قطاع التعليم.