كثيرة هي الخطب الملكية التي أكدت على تحديث الإدارة و ركزت على تخليق الحياة العامة بما يساير المفهوم الجديد للسلطة الذي كان من أولويات العهد الجديد بعد تولي الملك محمد السادس عرش المغرب ، دعوات الملك المتكررة تؤكد أنه حريص على جعل الإدارة في خدمة المواطن بكل أطرها و بمختلف مراكزهم و مسؤولياتهم . تخليق الإدارة على ما يبدو صعب المنال في مغرب تشبع فيه أصحاب السلطة بعقلية التحكم و تجذرت في أذهانهم أفكار السلطوية إلى حد الجبروت ، فكلما حلت مناسبة و خطب فيها الملك منتقدا حال وأوضاع الإدارة إلا و تأتي ردود الفعل من إداريين تخالف كل توجيهات و تعليمات الملك بما يفرز لدى المواطن العادي نوعا من التناقض و يطرح العديد من التساؤلات من قبيل من المعني بالخطب الملكية ؟ و من المسؤول على تتبع و تنزيل تلك الخطب لتصير واقعا .
إن التسلط الذي تعيشه كل مفاصل الإدارة المغربية من أبسط موظف إلى هرم السلم الإداري مرده بالأساس إلى غياب المحاسبة و الإفلات من العقوبة الذي ينص عليه الدستور و ربطه بالمسؤولية ، فلا إدارة مواطنة دون تفعيل المساطر و العقوبات الزجرية في حق كل من خالف أو تجاوز حدود صلاحياته حتى لا يبقى المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف في منظومة دولة الحق والقانون و ترسخ لديه "الحكرة " و التهميش جراء سلوك الموظف الذي أؤتمن على خدمته .
الواقع الذي أظهرته حادثة بائع السمك بمدينة الحسيمة يجب أن يكون مناسبة نقف عندها بتأمل و نقطع دابر كل موظف يظن نفسه فوق القانون أو أن اعتداءه على المواطنين تحت طائلة أدائه لمهامه ، هو في الحقيقة تملص من أداء الواجب الذي هو خدمة المواطن و الحفاظ على كل ما يصون كرامته و حماية حقوقه الدستورية .
لقمة العيش هي مبدأ الكرامة و إخضاع هذا المبدأ لعرقلة الاداريين دون تقديم البدائل هي بمثابة تهديد للاستقرار ، لكن أن يصل الأمر بمسؤول إلى إصدار الأوامر لشخص آخر بلغة خارج لياقة الموظف و ما تستوجبه الخدمة الإدارية من تعامل مع المواطن ، لابد أن تحمل محمل الجد و يفتح تحقيق بعيدا عن المزايدات و إعطاء التبريرات المعتادة للملمة الموضوع و جعله حالة عابرة .
الحالة التونسية ليست بعيدة منا البتة ، و شعار الاستثناء الذي تردده أفواه البعض قد تقوضه تصرفات الإدارة و بالتالي يجب أن نبقى جد حذيرين من أن يتحقق حلم من يريد إيصال المغرب إلى ما آل إليه الوضع بسوريا .