في الوقت الذي كنا نمنّي فيه النفس بتحقيق نوع من الانفراج السياسي خصوصا على مستوى تخليق الحياة السياسية و تفعيل بنود الحريات العامة في ظل حكومة يترأسها حزب سياسي طالما تصدّر عناوين المطالبة بالحكامة و الحق في ممارسة السلطة السياسية ، كانت هناك بارقة أمل ولمحة تهفو نحو المستقبل ، كان هناك أمل أن يسترجع المواطن المغربي كرامته التي افتقدها نتيجة إفرازات و رواسب سياسية تاريخية امتدت إلى ما قبل الربيع العربي المغربي . كان هناك أمل أن يتحول المغرب إلى ورشة عمل في البناء السياسي والاقتصادي والحقوقي ، و أن يسابق حركة التاريخ في تحقيق ما اصطلح عليه بهتانا ب "ثورة الصناديق " . لكن عندما تصبح السياسة مناوشات حزبية وصراعات شكلية تستهدف امتلاك كراسي السلطة قبل قلوب الشعب ، يكون مآلها الإخفاق والانحطاط المبكّر وبالتالي فقدان ركيزة سياسية أساسية تتمثل في ثقة الشعب . وقد كشفت مدة أربعة أشهر من عمر الحكومة الحالية الكثير من الضعف و التردّي في المواقف ، ذلك أن الحكومة ورئيسها لم يتعودوا بعد على استقراء المتغيرات السياسية، وهاهم بالتالي لا يدركون حقيقة الفعل والنتائج المترتبة عليه. فأية حكومة هذه التي تقبل ابتداء بخرق الدستور عندما قام الملك بتعيين السفراء ؟؟! فأية حكومة هذه التي تعطي إشارة الضوء الأخضر للآلة المخزنية القمعية إيذانا بالقمع و تكسير الجماجم و العظام في حق المستضعفين من المعطلين و ذوي المطالب الاجتماعية ؟؟! فأية حكومة هذه التي تتراجع عن مواقفها ما بين عشية و ضحاها بغمز خفي يجسد هشاشة المبدأ في قضية طالما أرّقت مضجع المغاربة في حقهم بالمطالبة بإعلام هادف ينسجم مع هويتهم و رصيدهم الموروث . لقد ضحى رئيس الحكومة بقيمة مرجعية حزبه وبقيمة تاريخ شعبه من أجل إرضاء بعض المكونات السياسية ، وبالتالي فقد ضرب بعرض الحائط كل الأصوات الثائرة و كل التضحيات المبذولة التي أفرزها الشارع المغربي و التي بفضلها انتزع حزب فخامته الشرعية السياسية ، مما أدى إلى تقويض السلطة السياسية و الاكتفاء بهامش السلطة ، الشيء الذي فوّت فرصة التغيير الحقيقي المنشود و ضيّع محاولة تحقيق أبسط الأحلام المشروعة التي راودت الشارع المغربي في أن يصبح جزءا من وطن تتحقق فيه شروط المواطنة بما هي حقوق و واجبات و بما هي مساهمة في تنمية البلاد وتأمين حقوق العباد . لا أدري من هو المسكين في هذه العملية هل هو حزب الحكومة الذي وضع نفسه في المكان والزمان غير المناسبين أم المواطن المغربي الباحث عن لقمة خبز حقيقية خارج بطاقات الصدقة المنظمة. حتى هذه اللحظة لم تحسم الكثير من القضايا و لم تسجل مواقف جريئة وشجاعة بل لم يجد جسم الحكومة تناسقه و انسجامه حتى أصبح قميصها مهلهلا وممزقا احتلت فيه الخروق مساحات هائلة لا يمكن ترقيعها إلا بإرادة سياسية وميثاق جامع يؤسس لأرضية سياسية تستوعب رؤى و أفكار مختلف الفرقاء الس