أسماؤها شهيرة جدا، كثيرا ما يلوكها المغاربة في أحاديثهم ، ويتندرون بها في نكاتهم، و يعتبرونها مصير من ارتكب أفعالا تتجاوزا كل الحدود ، العدير، بوركايز، بولمهارز، اغبيلة … عينة من السجون ، أصبحت اليوم معروضة للبيع في المزاد العلني، فهل ضاقت المدن لهذا الحد ؟ أم أنها مقاربة أمنية جديدة للتعامل مع المؤسسات السجنية المتهالكة، أو أنها لا هذا ولا ذاك وإنما هي حمى التسابق حول العقار من قبل المستثمرين والمنعشين العقاريين، التي جعلت الدولة تخضع لإغراء العائدات المالية الخيالية فقامت بترحيل السجون خارج المدن. ليست الثكنات العسكرية وحدها من ستغادر المدن و المراكز الحضرية، فبعد الإعلان عن مخطط لترحيل مائة ثكنة، جاء الدور هذه المرة على السجون ، فالمغرب مقبل على بناء سجون جديدة وإغلاق أخرى قديمة وسط المدن، مندوبية السجون تعتزم تسليم السجون القديمة إلى الأملاك المخزنية، لعرضها للبيع في مزادات علنية، من أجل استثمارها في مشاريع عقارية، والاستفادة من عائداتها لبناء سجون جديدة 0 المؤسسات السجنية الجديدة ستعوض أخرى متهالكة، يعود تاريخ بناء البعض منها إلى خمسينيات القرن الماضي، لدرجة أنها أصبحت تشكل خطرا على السجناء والمعتقلين ، وبالمقابل سيتم عرض الموسسات القديمة للبيع، إدارة السجون سلمت بالفعل مفاتيح ثماني مؤسسات سجنية، تم إخلاؤها لمديرية الأملاك المخزنية، التي ستسهر على عملية البيع، خصوصا وأن مواقع أغلبها باتت إستراتيجية، وتشكل عنصر جذب للمستثمرين والمنعشين العقاريين 0 مصادر مطلعة أشارت أنه على رأس هاته المؤسسات نجد ( سجن العدير بالجديدة، سجن اغبيلة بالبيضاء، السجن القديم بآسفي، سجن بني ملال، سجن خريبكة، سجن تطوان …) على أن تليها سجون أخرى كسجن (بولمهارز بمراكش، سجن إنزكان )، خصوصا أن المؤسسات السجنية الحالية تعاني من الإكتظاظ الشديد، يصل أحيانا نسبا مرتفعة كما هو الحال بسجن الحسيمة، و يقلص معدل المساحة المخصصة لكل سجين، ففي سجن إنزكان مثلا تنخفض هذه المساحة إلى 86 سنتمترا للسجين الواحد، عوض 3 أمتار مربعة حسب المعايير الدولية. سجون للبيع وأخرى للبناء بعضها قديم جدا، وبعضها لم يعد صالحا كمؤسسة سجنية، لكن المبرر الأهم للتخلي عن السجون المذكورة، هو تموقعها وسط المراكز الحضرية ، وفي مواقع استراتيجية غالبا تجتذب اهتمام المنعشين وكبريات المؤسسات الإقتصادية، والدليل أن لائحة السجون المتهالكة أكبر بكثير من المعروضة حاليا للبيع، وسبب تأجيل تفويتها حتى الآن هو عدم تموقعها وسط المراكز الحضرية، وإلا لكانت اللائحة أكبر بكثير مماهو معروض حاليا للبيع 0 حفيظ بنهاشم المندوب العام لإدارة السجون، كشف عن خطة تعدها مندوبيته بتعاون مع وزارة المالية وإدارة الأملاك المخزنية، من أجل بيع الوعاء العقاري الخاص ببعض السجون القديمة التي أغلقت، معتبرا أن مندوبيته أغلقت ثمانية سجون يعود بناؤها إلى حقبة الاستعمار الفرنسي من بينها سجن «غبيلة» بالدارالبيضاء والسجن القديم بتطوانوخريبكةوبني ملال، وشدد بنهاشم على أنه في مقابل عمليات الإغلاق سيتم تجديد وبناء وحدات سجنية جديدة، بمبلغ استثماري إجمالي حدده في 32,5 مليار سنتيم، مضيفا أن مندوبيته تستعد لبيع وعاء عقاري تصل مساحته إلى 4500 هكتار خلال الأشهر المقبلة نتجت عن إغلاق السجون القديمة المذكورة، والتي لم تعد صالحة لاستقبال السجناء 0 مصادر أخرى اعتبرت أن إدارة المكتب الشريف للفوسفاط مهتمة باقتناء 2200 هكتار من الأراضي المحيطة بالسجن الفلاحي العدير قرب مدينة الجديدة، في الوقت ذاته ، الذي وظفت إدارة السجون وإعادة الإدماج 3000 شخص منذ إنشائها سنة 2008، موزعة بين الحراس والقادة والمساعدين الاجتماعيين والممرضين من خلال مركز التدريب الذي افتتح بمدينة تيفلت، لأجل إعدادهم من أجل تحمل المسؤوليات في المراكز السجنية الجديدة. هل خرائط السجون سرية ؟ الجميع يتذكر واقعة فرار معتقلين من سجن القنيطرة عن طريق حفر نفق سنة 2008، قبل إلقاء القبض عليهم في وقت لاحق، فرار السجناء كماأكدت التحقيقات فيما يعود أساسا، إلى معرفتهم بتصاميم السجن، ولهذا السبب حفيظ بن هاشم المندوب العام لإدارة السجون، تحفظ كثيرا حول مد مهندسي مقاولات بناء السجون الجديدة بالخرائط الكاملة للسجون، بدعوى أن بناء السجون أو إصلاحها يخضعان لبعد أمني، وأن مجال تداول خرائط السجون ينبغي يكون نطاق محدودا، وقال بالحرف في اجتماع تقنين مع المهندسين « إنه يجب أن يكون لدى الجميع الحرص على تأمين السجون حتى لا تخدش صورة المغرب، على غرار ما تشهده بعض البلدان، خاصة في أمريكا اللاتينية » 0 وأضاف بن هاشم، خلال لقاء تواصلي سابق مع أرباب مقاولات ومهندسين، ومكاتب دراسات، تتعامل مع الإدارة، أن الأخيرة لا تعترض على مد هذه الأطراف بخرائط السجون ، شرط التزامها بالشرف على أن تعيد هذه التصاميم والخرائط إلى الإدارة بعد إنهاء أشغالها، مشيرا أن هدف الإدارة يتجلى في توخي الشفافية في مجال بناء السجون، خصوصا إن الحاجيات لبناء سجون جديدة ما فتئت تتزايد بسبب واقع الاكتظاظ،الذي تعانيه السجون المغربية، وهو ما جعل الإدارة تتبنى شعار السرعة في بناء أو إصلاح السجون 0 إكراه آخر تواجهه إدارة السجون في الوقت الراهن ، ويتجلى في ضرورة إفراغ المدن والحواضر من السجون، وتحويلها إلى الضواحي، حرصا على تفادي وقوع أحداث ومشاكل تزعج السكان ، كما هو حال الأحداث التي سبق أن عرفها السجن المحلي بسلا، ومنها تمرد سجناء السلفية الجهادية، وما أدى إليه من تدخل قوات الأمن التي استعملت القنابل المسيلة للدموع، التي لم يسلم منها السكان القاطنين بجوار السجن، مصادر مطلعة أشارت أن الحاجيات كبيرة، وأن مشاريع إصلاح وبناء المؤسسات السجنية تهم 40 مؤسسة على الصعيد الوطني. 21 ألف سرير إضافي قبل تفويت السجون الحالية ، أو توسيع وإصلاح أخرى قديمة، فتحت مؤسسات سجنية جديدة أبوابها في كل من مدن وادي زموخريبكةوتطوان منتصف 2009 ، وشرعت في إيواء نزلاء السجون بعد إتمام أشغال البناء فيها. ونظرا لظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها أغلب المؤسسات السجنية، تم الإسراع ببرمجة بناء مؤسسات سجنية جديدة وعصرية، وبالإضافة إلى ذلك تم تسريع وتيرة أشغال تأهيل وصيانة وتوسعة مؤسسات سجنية في كل من بني ملالوتطوان وآسفي وتيفلت ومراكش وتاوريرت، وهي المشاريع التي سمحت باضافة 21 الف سرير ستوفر مساحة تقدر بحوالي ثلاثة أمتار مربعة لكل سجين، بدلا من 1.50 متر مربع الحالية 0 ويقدر عدده السجناء في المغرب بنحو 60 الف سجين مخصص لهم نحو 80 الف متر مربع بمعدل 1.50 متر مربع لكل سجين، و كان من المتوقع ان يتجاوز عدد السجناء 60 الفا، موزعين على 55 سجنا، ولولا عفو جلالة الملك عن أكثر من 12 الف سجين بين عامي 2004 و 2005 لتجاوز عدد السجناء ذلك بكثير ، فبناء السجون لا يزال يعتبر في المغرب امرا جد ضروري لكي نحصل على بنية موازية لعدد السجناء، والاكتظاظ هو أم الافات حيث انه يقلص من الفضاءات التربوية والتكوينية، حيث تلجأ الإدارات المعنية لإغلاق هذه الفضاءات وتحويلها إلى أماكن للنوم، كما يحرم السجناء من الفسحة المخصصة ويتسبب في عدد من المشاكل على رأسها الاكتظاظ وسوء التغذية وانتشار المخدرات والرشوة والعنف . عراقيل بناء السجون العديد من المقاولات والمهندسون وأصحاب مكاتب الدراسات التي تهتم ببناء السجون المغربية، استعرضوا المشاكل التي تواجههم في بناء السجون ، وهي مشاكل تختزل في تأخر التوصل بالمستحقات، والحصول على الخرائط الكاملة للسجون، ووجود شركات أجنبية تشتغل في المجال، ودور ممثلي الإدارة في المراقبة، وإقرار دفتر تحملات متكامل، المندوب العام للسجون سبق له أن عقد لقاء تواصليا مع الفعاليات السابقة، وأشار أن الإدارة سوف تعمل على تفادي أي تأخير في صرف مستحقات الأطراف المعنية، وأبرز أنه سيعمل على تحسين تعامل الإدارة مع أرباب المقاولات ومكاتب الدراسات على مستوى الاستقبال، والإنصات إلى ما يطرحونه من صعوبات تعترضهم 0 بن هاشم أكد أيضا خلال اجتماعه السابق استعداده التام للاستجابة لمطالب أرباب المقاولات ومكاتب الدراسات والمهندسين، في أفق تجاوز العراقيل المطروحة، وقال إن الهدف من هذا اللقاء تغليب الشفافية والوضوح في علاقة الطرفين، وبسط التحديات والإكراهات التي تعترضهما على مستوى المشاريع والبرامج المتعلقة ببناء المؤسسات السجنية 0 مبرزا أن الهدف يتجلى في الوصول إلى إزالة كل العوائق التي تعترض مشاريع بناء وإصلاح المؤسسات السجينة بما يخدم المصلحة العليا للمغرب، وإقرار الشفافية في التعامل بين إدارة السجون والمتدخلين في تنفيذ مشاريع بناء أو إصلاح المؤسسات السجنية. متر ونصف مربع لكل سجين خلال مناقشة الميزانية الفرعية لإدارة السجون في اللجنة المختصة بمجلس النواب ، أورد حفيظ بنهاشم المندوب العام لإدارة السجون عدة إحصائيات تهم عدد السجناء بالمغرب، حيث كشف عن كون نصف عدد السجناء يندرجون ضمن الاعتقال الاحتياطي، كما أن الفئة العمرية بين 21 و50 عاما تشكل 87 في المائة من مجموع السجناء في البلاد، ويمثل الذكور نسبة ساحقة تتمثل في 97 في المائة من عدد السجناء 0 وكان التقرير الأخير للمرصد المغربي للسجون أكد أن نسبة الاكتظاظ تتراوح ما بين 50 و 200 في المائة وأورد التقرير أن عدد الوفيات المسجلة بمختلف المؤسسات السجنية سنة 2009، وصل إلى 133 حالة وفاة أو انتحار، مقابل 125 حالة فقط خلال سنة 2008. مضيفا أن عدد نزلاء المؤسسات السجنية ارتفع في ظرف سنة بنسبة 2 في المائة، حيث انتقل من 51 ألفا و623 سجينا في 2009 إلى 63 ألفا و124 سجينا خلال 2010 ، يتوزعون على حوالي 42 في المائة من السجناء الاحتياطيين، و58 من المحكومين بصفة نهائية. ويشكل الذكور الأغلبية المطلقة لنزلاء السجون، إذ يمثلون حوالي 97.5 في المائة، بينما لا تتعدى نسبة النساء 2.5 في المائة وتشير المعايير الدولية بخصوص المساحة الواجب توفيرها للسجين إلى ستة أمتار مربعة ، وفي المعدل ثلاثة أمتار مربعة، إلا أن المعايير المغربية لاتزال بعيدة عن المعدل، وقد سبق للتقارير الرسمية أن صرحت بأن المساحة المخصصة لكل سجين هي متر مربع ونصف، أي أنها ناقصة عن المعدل الدولي ب50 في المائة ، وأن القائمين على السجون سيسعون إلى بلوغ مترين مربعين للسجين . الإكتضاض آفة السجون المرصد المغربي للسجون يرى أنه سواء باعت المندوبية العامة بعض السجون القديمة التابعة لها أو أغلقتها، فإن هذا الأمر سيؤثر على أوضاع السجناء، وأن عدد المعتقلين داخل السجون اليوم يتجاوز الطاقة الاستيعابية لهذه السجون بأكثر من 50 في المائة، وبالتالي فإن إنقاص مؤسسة سجنية تستوعب عددا من المعتقلين سيؤثر على أوضاع السجناء باقي المؤسسات الأخرى، لكن إذا كان البيع الذي تحضر له إدارة السجون يأتي في إطار برنامج متكامل ومخطط واضح، يقوم على إعادة بناء سجون عصرية، تكون مناسبة لقضاء السجين عقوبته في ظروف جيدة، فإن هذا المخطط أمر مقبول 0 منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، بدوره اعتبر تعليقا على العملية أن المعايير الدولية التي صادق عليها المغرب في إطار الاتفاقية النموذجية لمعاملة السجناء غير مطبقة ، لا من حيث المساحة المخصصة لكل نزيل، أو في ما يتعلق بالتغذية والصحة، أو من حيث متابعة هؤلاء السجناء في موضوع التغذية والتأهيل والتكوين ، وترى الجمعيات الحقوقية المهتمة بالسجون أن الأهم والأكثر استعجالا أن يعمل مسؤؤلو السجن على تحسين الوضعية السيئة القائمة في عدد من السجون في البلاد، مردفا أنه من العوامل التي تساهم في مثل هذه الوضعية تفاقم الاكتظاظ داخل السجون 0 والاكتظاظ بالسجون المغربية ترجعه ذات الجهات الحقوقية لكونه ناجما عن عدم تفعيل مقتضيات المسطرة الجنائية، خاصة ما يرتبط بمسطرة الصلح، حيث يضطر الكثير من المعتقلين إلى المكوث في السجن في إطار الحراسة النظرية، ما يدفع في اتجاه الإكتضاض، ووجود أشخاص غير محكومين ينتظرون إصدار الأحكام عليهم، فتكون العقوبة في نهاية المطاف إما بالبراءة أو بالعقوبة السجنية غير نافذة . عقارات السجون الحل الأخير في المغرب هناك عدة أنواع من العقار، وكل نوع له قانونه، من أراضي الجيش والجموع والأوقاف، ويستحيل فتح منطقة في وجه التعمير، إذا كانت سلالية أو تابعة للأوقاف أوتابعة للملك الغابوي أو مملوكة من طرف الجيش، لكن وبسبب ندرة العقار وظفت الدولة في البداية عقارات (صوديا وصوجيطا) لإحداث مدن جديدة بتامسنا وتامنصورت، لكن رغم توظيف العقار الفلاحي الذي تملكه الدولة واستغلال عقارات الثكنات العسكرية داخل المدن ، ظل المشكل قائما، وهاهي الدولة تتجه اليوم صوب عقارات السجون 0 المنعشون العقاريون في الدارالبيضاء مثلا يحملون الدولة مسؤولية ارتفاع أسعار السكن في المغرب، لأن الحكومة في نظرهم لم تفتح مناطق واسعة للتعمير في المدن مما جعل الأراضي المخصصة للمشاريع السكنية محدودة، وأسعار العقار مرتفعة بشكل كبير، والحل في نظر غالبية المنعشين لتجاوز الأزمة، هو تجهيز أراضي واسعة وفتحها في جه التعمير بالمدن الكبرى، وتزويدها بالمرافق الأساسية كالمدارس والمراكز الصحية، وهو ما سينتج عنه وفرة في العقارات وانخفاض في الأثمان 0 التصميم المديري الجديد للدار البيضاء من شانه أن تفتح ما يفوق 5 آلاف هكتار جديدة من الأراضي أمام التعمير، وعقارات السجون قد توفر 4500 هكتار في وجه التعمير، لكن إلى ذلك الحين أسئلة عديدة تبقى معلقة، هل سيتم توظيف عقارات السجون في بناء شقق ومساكن ؟ أم سيتم استغلالها للتخفيف من حدة مشاكل ندرة العقار، والتهاب أثمان السكن في وجه ذوي الدخل المحدود ؟ هل سيتم توفير شقق إجتماعية و اقتصادية ؟ وهل ستتوفر المناطق الجديدة على تجهيزات ومرافق كافية ؟ أم أنها ستكون نسخا طبق الأصل من التجمعات الإسمنتية البشعة التي تنتشر هنا وهناك .