اختيار المغرب الاستراتيجي القائم على تنويع شركائه يتأكد من جديد من خلال الزيارة الرسمية التي سيقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لجمهورية الصين الشعبية، والتي من شأنها إعطاء دينامية جديدة للعلاقات العريقة والاستثنائية اتي تجمع الرباط وبكين. وستمكن هذه الزيارة، التي تأتي بعد ثلاثة أشهر من الزيارة التي قام بها جلالة الملك لروسيا، من تمتين العلاقات السياسية بين البلدين، القائمة على مبادئ الصداقة والتفاهم والتضامن والإرادة المشتركة لتنويع مجالات التعاون الثنائي، وذلك بغية إرساء شراكة واعدة تعود بالنفع على الطرفين. ولم يفتأ التعاون الصيني-المغربي يتعزز ويتعمق على مر السنين، لاسيما بعد الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للصين في فبراير 2002، وزيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للمغرب في أبريل 2006. وفتحت هاتان الزيارتان الباب أمام تبادل الزيارات بين وفود تنتمي للمؤسستين التنفيذية والتشريعية والقطاع الخاص والوسط الأكاديمي والإدارة المحلية والمجتمع المدني، وهو ما مكن من تعزيز الإطار القانوني للعلاقات بين البلدين، والذي يشمل قطاعات متنوعة من قبيل المالية والصحة والفلاحة والسياحة والرياضة والصيد والنقل والأشغال العمومية والمعادن. وأتاحت مأسسة التشاور السياسي الرفيع المستوى من تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل ومبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والتسوية السلمية للنزاعات، والتنسيق والدعم المتبادل على مستوى المنتديات المختلفة (منتدى التعاون الصيني العربي ومنتدى التعاون الصيني الإفريقي) وداخل المنظمات الدولية. وبالموازاة مع التعاون السياسي، طورت الرباط وبكين تعاونا علميا وغير ممركز، فعلى صعيد التعاون العلمي والتقني والثقافي، يقوم البلدان بتوفير منح دراسية لفائدة الطلبة الصينيين والمغاربة. كما تنظم الصين برنامجا سنويا لتكوين الأطر المغاربة وذلك بهدف تقاسم الخبرات التي راكمتها في مختلف المجالات مع الكفاءات المغربية. وتجدر الإشارة إلى أنه ومن أجل تشجيع النهوض بتعليم اللغة والثقافة الصينيتين بالمغرب، فقد تم افتتاح معهدي كونفوشيوس داخل جامعتين مغربيتين اثنتين، الأول بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في 4 دجنبر 2009، والثاني بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء في فاتح أكتوبر 2012. ويعرف التعاون الثنائي غير الممركز أيضا، توسعا غير مسبوق، في السنوات القليلة الماضية، وذلك عقب التوقيع على اتفاقيات توأمة بين المدن المغربية والصينية، خصوصا بين الدارالبيضاء وشانغهاي وطنجة وشينضاو والمحمدية وجيانيين وأكادير وهانغزو. وفي المجال الصحي، تعمل ثمانية فرق طبية صينية، مكونة من 79 إطارا بالمغرب. ومن شأن الزيارة الرسمية التي سيقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى جمهورية الصين الشعبية أن تساهم أيضا في تعزيز التعاون الثلاثي الصين -المغرب -أفريقيا، خصوصا وأن المملكة تتوفر على تجربة طلائعية في القارة السمراء، تترجمها المشاريع التنموية التي تم تدشينها والاتفاقيات التي تم توقيعها، خلال الزيارات الأخيرة لجلالة الملك لعدد من البلدان الأفريقية الصديقة. كما ستتيح هذه الزيارة للمغرب فرصة تنويع شراكاته وتعزيز موقعه على الصعيد الإقليمي والدولي، وإرساء نموذج للتعاون جنوب -جنوب فعال وتضامني ومتعدد الأبعاد، قائم على شراكة مربحة للطرفين واستفادة مثلى من الإمكانات والثروات التي يتوفر عليها البلدان.