هل نحن ممن يحترم فعلا الجمال؟ قالوا الكثير والكثير عن الجمال فمن رؤية فيلسوف متامل متعمق, الى حس وانجذاب متصوف متدقق, باحث عن الجمال المطلق ,الى نظرة اديب وتجربته ,مستوح من عالم بالايات والبراهين متدفق ,الى امل شاعر حالم عاشق, يحاكي الطبيعة بهمس في لين ورفق يستلهم منها فينشد ,وبالالهام تارة وبالحكمة اخرة ينطق ,الى باحث مندهش مستكشف للجمال وعلمه سائل عن ماهية الجمال ,ومفهوم الجمال ,وحقيقة الجمال ,وعلم الجمال وهو يبحث وفي جلال امور يحقق ويدقق,عله يتبين ما اختلف منها وما اتفق. ثم ما سر كل هذا الانجذاب الى الجمال وهذا الخفق والعشق ؟لما يشد اليه المرء وبنجذب بقوة خارقة غير مستئذنة الوجدان اوالعمق؟وان كنت لا ارى في هذا الانجذاب الى الجمال عيبا ان كان الحدس والحس والاسلوب والنظرة الى الجمال بادب ورفق, وبرقي سلوك وسمو خلق ,دون تضليل اومغالطة او مكر او تهور نزق, لدرجة تجعل ا لواحد منا يرى ان الجمال احيانا يكون عليه نقمة لا نعمة .,ولربما كان ابتلاءا من رب الخلق ......... لماذا لا نحترم الجمال اذن في كل ما خلق الخالق رب الجمال والكمال المطلق ؟لما لا نقدره كما اتفق وربما قدنقدسه لقيمته وغزارته وفيض ايحاءاته ونبل الهاماته الباعثة فينا نبض الحياة بسنفونياتها الخالدة الناشدة المنشدة المنتشية الواعدة بالنقاء والصفاء والعطاء والارتقاء والبقاء. ولعل الحديث عن الجميل يسلمنا الى البحث في الجمال .والجمال في اللغة مصدر جمل فهو جميل وهو الحسن يكون في الخلق "بفتح الخاء" وفي الخلق "بضمها". فالجمال هو انتظام الاجزاء وتناسقها اما بفعل طبيعتها الاصلية ,او بفعل الرغبة ,وبشكل يعطي لذة ورضى نفسيا .,وعلى العموم مفهوم الجمال نسبيا ,يعني انه ليس ذاتيا خالصا ولا موضوعيا صرفا ,فاننا نزكي صحة الراي القائل بان خاصة الجمالية لشئ ما ليست صفة لهذا الشئ بل نشا ط ذاتي ,وموقف تتخذه تجاه هذا الشئ اوذاك. كما ان علم الجمال متشعب علم الجمال البنيوي , علم الجمال اللغوي ,وعلم الجمال الدلالي وعلم الجمال الشكلي . وعلم الجمال النفعي . وعلم الجمال الاجتماعي الرمزي, وعلم النفس الجمالي .فمهمة الجمال ليست مجرد تذوق الجمال فحسب., بل هو تفسير وتحليل لهذا التذوق ايضا. وعندما نتحدث عن الجمال او علم الجمال ,لا يفوتنا ان نذكر الشخص بضرورة الوعي الجمالي, لانه شكل من اشكال الوعي الانساني, بحيث تنجم اهميته عن مساهماته في اغناء الجانب المعرفي, من وجودنا في تطوير قدراتنا على اكتشاف انفسنا والعالم من حولنا ,الوعي الجمالي الذي نرى به الجمال جمالا سواء من المنظور الديني او المنظور الفلسفي اوالمنظور النقدي . فالجمال هو ما يعبر عن ما هو انساني في النافع او الحلال والخير والحق ففي العقيدة الاسلامية تتحد الضرورة الوجودية بالضرورة الجمالية, حيث لا يكفي ان يكون الموقف صائبا ,وانما ينبغي ان يكون جميلا ايضا ,لذا جاء الامر, للنبي صلى الله عليه وسلم ,ان يهجر المرجفين هجرا جميلا(المزمل) وكان الامر للمؤمنين ان يسرحوا النساء سراحا جميلا (الاحزاب) كما جاء في سورة الانعام اشارة الى البعد الجمالي في بعض ما يمتلكه المرء على سبيل الانتفاع وذلك في قوله عز وجل "والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تاكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون(الانعام) ,واظن ان العقيدة الاسلامية اذن لا ترضى بجمال المضمون دون جمال الشكل ايضا لان رؤية الاسلام رؤية متكاملة لا افراط فيها ولا تفريط .ويرد في القران الكريم مرادف للجمال هو الحسن .قال عز وجل "الذي احسن كل شئ خلقه ,وبدا خلق الانسان من طين(النجدة) ,وقوله ايضا جل جلاله "فصوركم واحسن صوركم " صدق الله العظيم .فمااحوجنا ونحن نتحدث عن الجمال الى وعي جمالي في الحس والفكر والتفكير والادراك والفهم بغاية الابداع والخلق حتى يترجم كل ذلك وعي الانسان اثناء التحليل او التاويل او القول والفعل والعمل لتقديس جمال العلاقات الانسانية بكل اقتناع ويقين في عز ونصر واجلال علها تؤتت فضاءا حضاريا بالفعل وفي الواقع تقيا نقيا طاهرا من كل دنس او ظلم او زور اونفاق وتملق او رياء او كبر.فلا جمال اذن الابتكاملها , ولا تقدم الا بسموها , ولاتحضر اذن دونها . ولعل العلاقات الانسانية السليمة والصحيحة المتماسكة والمتكاملة المتظافرة والمتسامحة هي ارقى ارقى المظاهر الجمالية النابضة بالحياة ,والراوية لها منبع السلم والسلام والحق .,فمن فطن لها وبها اقترب وارتوى ,ومن جحد وتكبر ابتعد وتولى ,فاغترب في الاولى وكان في الاخرى اغرب ... اجل ما احوجنا الى وعي جمالي يغني تجاربنا الجمالية , وينمي اذواقنا , ويهذب مشاعرنا ويرتقي بتذوقنا للجمال .,فلولاه لم نتمكن البتة من فهم جمالية الخط , ومحاولاتنا المتواترة لاستكشاف افاقه وابعاده ,مكنوناته واسراره.,ولا جمالية الوشم وتذوقها اشكالا ورموزا وثقافة تضمر كنوزا., ولاجمالية الماء وقطراته الفضية تنساب كالعطر المنعش المحيي المنبثق من جلال وحي الخالق الجلال. ولا جمالية اللون وايحاءاته المبحرة الحالمة, محاولين فهم سلطانه على النفس وانجذابها الاخاذ الى لون دون اخر وربما تناسق الوان دون اخرى ,ودلالاته المختلفة والمتباينة من بيئة ثقافية الى اخرى. ولا جمالية الهواء النقي الطاهر الصافي كنسيم عليل يداعب النفس فتطمئن وترتاح ,ويخالج النفس(بفتح الفاء)فيتقوى ويمتاح, فتنهج النفس حينها طريق الصلاح ,فتتذكر اصلك ومعدنك التراب رمز الخصب والحب والكسب .,فتحمد الله رافعا يديك الى السماء في خشوع ,فترى افقا موح يفوق الوصف والخيال ,يبعث في عمقك الرعشة والرهبة حينا ,ويمنحك يقين التامل والتدبر حينا .,فتدرك حينها جمال الكلمة ,وجمال الزمان ,وجمال المكان,وجمال الفضاء والكون .,فتتيقن مقتنعا ان مكمن كل هذا الجمال والجلال الاصل من وحي الخا لق .,وصنع الواحد الاحد ,الموصوف بالمطلق من الجمال والكمال., لتنطق بالقلب واللب واللسان باجمل كلمة لا الاه الا اله,وسبحان الله الواحد الاحد الخالق المتعال.