عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رُفِعَت مائدته قال: (الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ، وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا) رواه البخاري. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا) رواه مسلم.
يعتبر كثير من الناس أن طعامهم وشرابهم من الأشياء الاعتيادية التي لا تستحقُّ حمدًا خاصًّا عليها، أو يعدّون الطعام والشراب شيئًا هيّنا بسيطًا لا يستوجب الحمد والشكر، ولكن الحقيقة خلاف ذلك، فنعمة الطعام والشراب من أعظم نعم الله تعالى علينا، والجوعُ عقاب عاجل من الله تعالى لمَنْ لم يُقَدِّر نعمة الشبع، يقول الله جل وعلا في كتابه العزيز محذرا عباده من جحود نعمة الرزق: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112).
لهذا كان من سُنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله تعالى عقب الانتهاء من الطعام والشراب مباشرة، وكان يُعْلِنُ هذا الحمد حتى يُذَكِّر به أهل بيته والآكلين معه، وحتى يُذَكِّر نفسه كذلك بفضل الله تعالى عليه، ولو لم يكن في الحمد من فائدة ومزيّة إلا أنه مَظِنّة حصول الرضا من الله جل وعلا - كما في حديث أنس بن مالك -، فأنعِمْ بها من فائدة ومزيّة.
وإذا تأملنا في ألفاظ دعائه صلى الله عليه وسلم بعد الطعام: (... غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ، وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا) سنجد أن فيه تعظيما لله المنعم المتفضل، الذي له الحمد في جميع الأحوال، وهو سبحانه غير محتاج لأحد من خلقه؛ بل هو الذي يكفيهم، (غَيْرَ مَكْفِيٍّ) أي غير مردود ولا مقلوب، والضمير راجع إلى الطعام، وقيل: مكفي من الكفاية، يعني أن الله هو المطعم والكافي، وغير مطعم ولا مكفي فيكون الضمير لله تعالى، (ولا مُوَدَّعٍ) أي غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده؛ بمعنى أنني لن أترك حمدك أبدًا.
وهذا خطاب خاشع لله عز وجل يُعَبِّر عن امتنان العبد له سبحانه إذ أنعم عليه بالطعام والشراب، فلْنحرص على قوله بعد كل طعام، ولنتدبَّر في معانيه التعبُّدِيَّة، حتى ننال ما يترتب عليه من فضائل، وننال أجر إحياء سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.