ساد الخوف والرعب مملكة الغابة،مملكة يحكمها الأسد بيد من حديد..مملكة تعج بالمعتقلات والأفرع الأمنية حيث تسلخ البقر، وتحفظ أذناب البقر، لتحمر جلود البشر، وتحت عذابها إلى ربك يومئذ المستقر..قرر الفهد والقرد والحمار والفيل المواجهة..فأما الحمار فقد كان حظه بئيسا حيث وقع في الأسر من اليوم الأول ليعاد به إلى الزنازن وليتذوق أصناف العذاب..حمل الفهد والفيل السلاح..قاتلوا قتالا عنيفا،قتال دار رحاه في كل مملكة الغابة..جربوا الكر والفر والظمأ والمسغبة..في أحد الأيام أعلن عن مقتل الفيل من طرف الدب حليف الأسد..دب جاء ليبث الروح في الأسد المتهالك، فدبت..بكى الفهد بكاء عظيما على فراق صديقه الهمام..حمل في قلبه أصناف الغل والكره والحسيفة تجاه الدب والأسد.. بقي الفهد وحيدا يقاتل ويقاتل في ساحات الوغى،في حين فر القرد بحثا عن حلفاء وتغطية لصديقه الفهد..،لهذا السبب طاف ممالك شتى يطلب يد العون لصديقه الفهد..ولزم في دعوته سنونا طوالا..تتقاذفه الوعود الكثيرة،وتتناثر عليه التصريحات الداعمة نظريا..يحتفظ القرد بعد عُقود بعِقد إمه التي اغتصبها جنود أسد جريح، ليكون العِقد شاهدا على معانات الإناث في مملكة الأسد الظالمة . في يوم يستفيق العالم على موت الأسد..موت كان بداية تفكك مملكته وحضارته وأفكاره..تفنى مملكة الأسد إلى الأبد،فسبحان الله الأحد. بعد غياب مديد للقرد في المنفى.. عاد القرد ليحكي عما آل إليه وضع وطنه وبلدته..يقول القرد العائد من المنفى:"عدت لوطني لأفاجأ..لم أعثر على الصورة التي كنت احتفظ بها في ذاكرتي..لم أعثر على الأماكن التي كانت تتردد علي في أحلامي..لم أعثر على بلدتي حيث نشأت..كل شيء جميل اختفى..كل شيء متميز تلاشى..كل شيء مضيء انطفأ..تبعثرت أوراقي وخطوطي عندما أصبحت شاهدا على وضع بئيس..وضع يسود فيه التحليل السطحي،وتنغمس التحاليل العقلانية في محاليل اللاعقلانية..أنياب مكشرة أصادفها هنا وهناك..إنسانية تحتضر في كل مكان..لا تنمية ولا فكر ولا استثمار ولا شعر ولا أدب ولا فن ولا ثقافة ولا سياسة ولا تدين..اختفى ذلك التدين الإيماني الذي يلهم لقيم المحبة والتراحم والصفح والتسامح..اختفت الأخلاق،تلك الأخلاق التي تنتج فضاءا سليما للأمن والسلام في حياة البيت والمجتمع، والتي تحمي الكرامة الشخصية، وتعزز مكانة الكائن البشري، وتؤطر العلاقات في العائلة بالسكينة والمودة، وتبني أسس العيش المشترك في المجتمع..وجدت نسيجا مجتمعيا مفككا بسبب البغضاء العظيمة..موالون للحيوان الأسدي لا يقدمون إضافة للبلد لأنهم استبدوا بالناس،إما حفاظا على المصالح أو خوفا ورعبا..في حين أن الباقي ومن شدة خوفهم من آلة القمع الجهنمية فقد لزموا أماكنهم،بل كتبوا على أبواب بيوتهم :بسطاء نحن،نريد فقط الأمن والأمان..بسطاء نحن لقد أوقفنا التفكير. أدركت أكثر من أي وقت مضى خطايا الاستبداد، والآثار التدميرية الفتاكة للتسلط..أدركت أن الخائف الذي لا يمتلك القدرة على إبداء أي رأي لا يتطابق مع ما يفرضه خطاب العنف، لا يستطيع ذهنه ان يفكر بما هو خارج ما تفرضه أداة العنف. أدركت أكثر من أي وقت مضى أن المحيط المشبع بالعنف، بمختلف أنماطه وتعبيراته، ينتج شخصية خائفة مستلبة الإرادة ، والمجتمع الذي يسكنه الخوف يسكنه الاستبداد..أدركت أن من الأمن ما يمكن أن يتحول إلى رعب عوض طمأنة نفوس، تقدم مقابل ذلك الأمن".