بكشفها عن قوائم المستفيدين من اقتصاد الريع، تكون الحكومة المغربية قد ادخلت رأسها في عش الدبابير، ولم يعد لها مجال للتراجع والا ستجد نفسها 'مهزومة' امام من يصفهم رئيس الحكومة ب'جيوب المقاومة'. وشكلت 'الشفافية' منذ ان بدأ فاعلا متميزا بالحياة الساسية المغربية، شعارا مركزيا لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، وفوزه بالانتخابات التشريعية التي جاءت مع رياح الربيع العربي التي اخذت بالمغرب شعار محاربة الفساد والاستبداد، وتشكيله لاول حكومة في ظل دستور جديد، وجد الحزب ذات المرجعية الاسلامية نفسه امام المحك، وشعاراته حول الشفافية ومحاربة الفساد امام الاختبار، ومستقبله امام اختيارات حادة امام قوى واطراف فاعلة ومؤثرة اعتاشت على هذا الاقتصاد (اقتصاد الريع) او هيمنت على الحياة السياسية بهذه الوسيلة. واقتصاد الريع بالمغرب يتمحور في رخص النقل بين المدن ورخص الصيد باعالي البحار وهي التي يمنحها القصر الملكي ورخص التاكسيات ومقالع الرمل وتمنحها وزارة الداخلية وهي رخص تدر على اصحابها الاف الدولارات شهريا دون ان يتحملوا أي عبء وحتى الضرائب يدفعها المستأجرين لهذه الرخص من اصحابها. وكان الشارع المغربي يتداول اسماء ذات مسؤوليات كبيرة في القصر او الجيش او الاحزاب او وزراء او فنانين او رياضيين يستفيدون من هذه الرخص. عبد العزيز رباح وزير التجهيز والنقل المغربي كان صاحب المبادرة واعلن عن لائحة المستفيدين من رخص النقل بالحافلات بين المدن (كريمات) وهي عطايا كان يمنحها القصر الملكي منذ عقود. اللائحة لم تكن مفاجأة حتى بالاسماء التي وردت فيها، لانها كانت متداولة، لكنها وضعت هذه الاسماء واصحاب القرار بمستوياتهم المختلفة امام احراج، وان كانت نكهة الاحراج متنوعة، فالاحراج للاسماء الواردة في اللائحة وجلهم من 'علية' القوم او كبار الاغنياء يختلف عن احراج مانحي هذه العطايا، او المسؤولين السابقين الذين تولوا تدبير الشأن العام ولم يذهبوا بما تذهب اليه حكومة بن كيران التي وجدت نفسها اكثر احراجا امام الاسئلة التي تناسلت مع الكشف عن لائحة 'لكريمات' خاصة وان وزراء بالحكومة ابدوا تحفظهم على ذلك النشر. وارتفعت في المجتمع المغربي، المدني والسياسي، اصوات تطلب من الحكومة ان تذهب بعيدا بالنسبة ل'لكريمات' في تحميل المستفيدين ما يعوض استفادتهم منها او استعادتها او وضع دفتر تحملات لمن يريد ان يستفيد منها. واصوات اخرى طالبت بكشف لائحة المستفيدين من المظاهر الاخرى لاقتصاد الريع وذهبت صحف لنشر اسماء كبار قيادة الجيش ومسؤولين في اجهزة المخابرات او وزراء قالت انها تستفيد من ريع الصيد باعالي البحار ونشرت ايضا اسماء مسؤولين يستفيدون من رخص التاكسيات ورخص مقالع الرمل، وكل هذا النشر كان غير رسمي بعكس لائحة لكريمات النقل بالحافلات بين المدن. ومن الاشارات الايجابية التي تحاول حكومة بن كيران بثها للرأي العام قرار مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة نشر لوائح الصحف والمجلات المستفيدة من الدعم المالي للدولة بين سنتي 2005 و2011، كما سيكشف عن لوائح المستفيدين من الدعم في مجال السينما والمهرجانات. وتخصص الدولة المغربية دعما ماديا سنويا للكثير من الصحف والمقاولات الصحفية، وللأفلام السينمائية وللمهرجانات السينمائية، ولنقابة الصحافة ونادي الصحافة، وكلها أموال تصرف من الميزانية العامة للدولة. وقال نور الدين قربال، المستشار بديون حبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، إن الوزارة تعد لنشر لوائح بأسماء الجمعيات التي تنتمي إلى المجتمع المدني وتستفيد من دعم الدولة. وقال قربال في ندوة في الرباط حول 'الحكامة الجيدة'، عندما ستنشر اللوائح سيكتشف الرأي العام كيف أن الكثير من تلك الجمعيات تستفيد من أموال طائلة وبدون جدوى. واوضح أن مبالغ الدعم تقدر بالمليارات، وأن هناك جمعيات يصل الدعم الذي تتوصل به إلى 35 مليار سنتيم (40 مليون دولار)، وأغلبها أموال من 'المبادرة الوطنية للتنمية البشرية'، تحصل عليها جمعيات تدعي محاربة الأمية والهدر الدرسي، ولاشئ تحقق في هذا المجال. وأضاف قربال بأن كلفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عندما انطلقت عام 2005 تجاوزت في شطرها الأول 17 مليار درهم قبل أن يتم تمديدها خمس سنوات أخرى وباعتمادات إضافية ولاحظ أن صرف دعم سنوي لجمعيات من المجتمع المدني في إطار هذه المبادرة يدل على أن سؤال الحكامة الجيدة يجب أيضا أن يطرح على الفاعلين في المجتمع المدني. الحكومة، رسميا، لم تحدد موقفا من المدى الذي ستذهب اليه في هذه الحرب التي اعلنتها على اقتصاد الريع، فاذا واصلت وذهبت الى المدى المطالبة به للحد من هذا الفساد وتطويقه وتقليصه، فانها تعلن حربا على مراكز قوى ومؤثرين واذا اكتفت بالضجيج الاعلامي الذي خلقته، فستحرم الحكومة والحزب الذي يقودها من مصداقية حتى الان هي المرتكز الرئيسي لوجودها بعد ان شكلت هذه المصداقية مرتكز الفوز بالانتخابات. محمد اليازغي الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض والوزير في الحكومات المتعاقبة على تدبير الشان العم منذ 1998 حتى 2011 قال إن لائحة رخص النقل 'لاكريمات' التي نشرتها حكومة عبد الإله بنكيران، حصرتها الحكومة السابقة أي حكومة عباس الفاسي وأن الإعلان عنها كان مجرد مسألة وقت. ووصف اليازغي، في حديث تنشره صحيفة 'الاتحاد الاشتراكي' اليوم الجمعة وجود مشتبه بهم ضمن لائحة المستفيدين من لائحة 'لاكريمات' ب 'الفضيحة'، وقال 'إن على الدولة أن تطلب من هؤلاء الأشخاص، أن يعطوا كل المعلومات حول اختطاف المهدي بن بركة' وكانت لائحة المستفيدين من رخص النقل قد تضمنت أسماء الجلادين الذين وردت أسمائهم في ملف اختطاف المهدي بن بركة عام 1965. واعلن محمد طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، عن تنظيم وقفات احتجاج ضد الوزراء الذين يرفضون إعلان لوائح المستفيدين من اقتصاد الريع وإطلاق برنامج لمحاربة ذات المظهر الانتفاعي يبدأ بيوم دراسي. واعتبر السباعي أن الحكامة 'فصل بين السلطة والثروة' فيما المغرب 'لا يزال في مرحلة الكشف عن لوائح اقتصاد الريع' ودعا إلى ضرورة تفعيل الاتفاقية الدولية الداعية إلى إرجاع و استعادة الدولة للأموال المهربة صوب الخارج، وقال أنّ اجراءات الاسترداد 'بسيطة جدّاً ولا تحتاج إلاّ لمن يحركها فقط'.