عبد الله السباعي أعلنت صحيفة "إل باييس" الإسبانية في عددها الصادر يوم الأحد 26 فبراير 2012 عن قرب صدور كتاب للصحافيين الفرنسيين، إيريك لوران وكاترين غراسيي، في 216 صفحة عن الملك محمد السادس، لكن الغريب في الأمر أن جميع المتتبعين لكتابات الصحافي الفرنسي إيريك لوران كانوا ينتظرون صدور كتابه عن الملك الراحل الحسن الثاني، فإذا بنا نٌفاجأ بالإعلان عن قرب صدور كتاب عن العاهل المغربي محمد السادس يوم 1 مارس المقبل بتعاون مع صحافية فرنسية وصاحبة كتاب "حاكمة قرطاج" كارتين غراسيي المعروفة بمواقفها العدائية تجاه المغرب، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول سر تغيير بوصلة كتابات إيريك لوران، وأيضا سر العلاقة الغامضة مع مواطنته الصحافية غراسيي. طبعا لقد وجدت صحيفة "إل باييس" الفرصة مواتية لصب الزيت على النار والتطبيل للكتاب قبل صدوره بدعوى أنه يمثل عملا استثنائيا يسبر في أغوار أسرار المؤسسة الملكية في المغرب، خصوصا أن "إل باييس" لها تاريخ حافل بالعداء للمغرب، والذي توجته أثناء وقوع أحداث مخيم "اكديم إزيك" بنشر صور مزيفة تعود لأسرة فلسطينية ونسبتها لعائلة صحراوية، وانتهت القضية إلى المحاكم الإسبانية، كما أن المؤسسات الإعلامية الدولية أدانت هذا التصرف غير المهني وغير الأخلاقي من صحيفة إسبانية تدعي المصداقية والديمقراطية. لقد نسيت صحيفة "إل باييس" أن المعلومات والادعاءات التي نشرها الصحافيين الفرنسيين إيريك لوران وكاترين غراسيي في كتابهما ليست من أسرار الدولة ولا تمثل أي عنصر جديد بالنسبة للرأي العام بحكم أن معظمها إشاعات متناثرة وأخبار سبق أن نشرتها وتنشرها الصحف المغربية باستمرار بدون حرج، كما أن الأرقام التي تنشرها مجلة "فوربس" عن الثروة الملكية التي تعود إلى عام 2009 ليست مرجعا رسميا أو وثيقة حكومية وإنما هي استنتاجات وتوقعات يضعها محررو المجلة حسب مرئياتهم. لقد اتسم مقال "إل باييس" بالكثير من المغالطات حينما قام بالخلط بين ثروة الملك وارتفاع سعر الفوسفاط دون أن يٌقيم أي اعتبار لدولة المؤسسات وكأن المغرب ينتمي للعصور الوسطى حيث لا مجال للقانون وحيث تسود الفوضى والسيبة، بينما الحقيقة أن المكتب الشريف للفوسفاط مؤسسة حكومية تخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات وليس هناك أي صلة لذلك بالقصر الملكي. وهناك عدة مغالطات تتعلق بالربط بين الثروة الملكية وترتيب المغرب في تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بينما أن الترتيب يخضع لمعايير ترتبط بالأداء الحكومي ولا علاقة لها بشخص الملك، وأن المسئولية تقع بالأساس على الحكومات المتعاقبة. ويتحدث المقال أيضا عن ابتعاد العاهل المغربي عن الإدلاء بحوارات صحافية، ونسي الصحفيان إيريك لوران وكاترين غراسيي أن الملك محمد السادس أدلى منذ اعتلائه العرش عام 1999 بعدة حوارات لصحف عربية وأوروبية وأمريكية أكد فيها أنه يتميز بأسلوبه الخاص في التواصل ويتفاعل مع وسائل الإعلام بناء على رؤيته وتوجهاته ولا يخضع لضغوط أي جهة إعلامية أو غيرها، ويعتبر أن أكبر رسالة تستحق أن توجه للرأي العام هي العمل ثم العمل ثم العمل بدل الانخراط في أسلوب تواصلي دعائي لا يخدم بتاتا مصالح الناس ولا يعالج قضاياهم اليومية. ومن جهة أخرى، فإن الادعاء بأن الملك محمد السادس غائب عن المشهد الدولي يتضمن مغالطة ودعاية مغرضة تستهدف النجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية بفضل التدخلات الشخصية للعاهل المغربي وشبكة علاقاته الإقليمية والدولية ودوره البارز في دعم معركة الشعبين التونسي والليبي لإرساء أنظمة ديمقراطية ودوره المؤثر في القضية الفلسطينية ودوره في مجلس الأمن بعد حصول المغرب على العضوية غير الدائمة بالإضافة إلى الحضور الشخصي للعاهل المغربي في دعم قضايا القارة الإفريقية ودعم قضايا التعاون جنوب جنوب. لقد استثنى المقال بشكل مقصود الإصلاحات السياسية والدستورية التي قام بها المغرب والتي أظهرت التجاوب السريع والفعال للملك محمد السادس مع مطالب الشارع المغربي منذ بدء الشرارة الأولى للحراك الاحتجاجي في 20 فبراير 2011 والتي أدت إلى انتخابات تشريعية ديمقراطية يوم 25 نونبر الماضي أفضت إلى تأسيس أول حكومة بقيادة حزب إسلامي، وأشادت جميع الأطراف الإقليمية والدولية بالجهود الإصلاحية التي قام بها الملك محمد السادس والتي حققت نجاحا باهرا في الانتقال الديمقراطي السلس والهادئ، مما جعل المغرب ضمن دول الربيع العربي بنكهة خاصة مكنته من الاستفادة من برامج الدعم الأوروبي والأمريكي، غير أن مقال "إل باييس" أو كتاب إيريك لوران وكاترين غراسيي لم يشيرا بتاتا لهذه الإنجازات المتميزة للعاهل المغربي، واكتفى الكاتبان بنقل إشاعات تنتشر في المقاهي والأندية الليلية والمنشورات الصفراء عن وجود هيمنة لأصدقاء الملك على مواقع القرار في الدولة، في حين أن الأمر خاطئ بالاستناد إلى الدستور الجديد الذي أعطى كامل الصلاحيات لرئيس الحكومة من أجل تعيين كبار مسئولي الدولة، كما أن المرحلة القادمة ستكذب كل هذه الادعاءات المغرضة والمحرضة وستضع المغرب ضمن الدول الرائدة في وضع وتطبيق دستور ديمقراطي متقدم على جميع الأصعدة العربية والإسلامية والإفريقية. أعتقد أن إيريك لوران وكاترين غراسيي لم يمنحا أنفسهما الوقت الكافي للاطلاع على التجربة الحديثة للديمقراطية في المغرب، ولم يتعرفا على أوجه التطور والإصلاح التي جعلت من المغرب استثناء في دول الربيع العربي، والتي جعلت من العاهل المغربي القائد الفريد من نوعه على مستوى العالم العربي الذي ظل يحافظ على نفس إيقاع التواصل والتحرك وسط الجماهير الشعبية في مختلف ربوع المغرب في ظل أجواء تتسم بالتوتر بين الشعوب والحكام في الدول العربية، بينما أظهر العاهل المغربي قدرا عاليا من الحكمة والحنكة والذكاء في معالجة الأمور والتجاوب مع مطالب الناس والحفاظ على تماسك المجتمع وتلبية احتياجاته في إطار رؤية متميزة جعلت من المغرب نموذجا عربيا فريدا بشهادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وباقي القوى العظمى. وليس بغريب أن تلتقي نية المؤامرة بين صحيفة "إل باييس" الإسبانية وصحيفة "لوتون دالجيري" التي قامت بدورها بإعادة نشر الموضوع والسعي لاستهداف المؤسسة الملكية والنيل منها، الشيء الذي يؤكد النوايا المبيتة لهذه الصحيفة الجزائرية التي أصبحت بوقا دعائيا للجهات المعادية للتقارب المغربي الجزائري وأيضا للجهات الحاقدة على التجربة الديمقراطية المغربية، فالشعور بمركب النقص يٌنسي الإنسان عيوبه ويدفعه إلى تصيد عيوب الآخرين. وخلاصة القول فإن أكبر جواب على كتاب إيريك لوران وكاترين غراسيي هو رد الكتاب والإعلاميين المغاربة على مضامين الكتاب عبر وسائل الإعلام المغربية والعالمية لدحض الاتهامات الباطلة والادعاءات المغرضة وتقديم التجربة الحقيقية للمغرب بعد تفعيل الدستور الجديد وتشكيل الحكومة بصلاحيات واسعة. بيد أن أهم رسالة ينبغي إيصالها لإيريك لوران وكاترين غراسيي أن شمس حقيقة المملكة لا يمكن أن يغطيها غربال مثقوب لصحافيين فرنسيين لا يعرفان شيئا عن المتغيرات التي يعيشها المغرب.