ما أن أعلن عن حدوث الهجمات "الإرهابية" في باريس، حتى قامت الدنيا، في جميع عواصم العالم ولم تقعد، وخاصة في بلدان الغرب، حيث هب الجميع، سياسيين ومثقفين وفنانين وإعلاميين وحتى عامة الناس، وتفننوا في التعبير عن إظهار الحزن وإبداء ملامح الحداد والألم، والإعلان عن أشكال الدعم والمساندة لفرنسا "الجريحة" في "محنتها" هذه. لقد كانت موجة التعاطف والتضامن واسعة لا حدود لها. فمن مُتشح بالسواد، ومن رافع للعلم الفرنسي فوق كبريات المرافق والمعالم والمؤسسات، ومن عازف ومردد للنشيد الفرنسي، ومن رافع لألوان العلم الفرنسي، ومن مشعل للشموع ومذرف للدموع، وواضع للورود على أعتاب التمثيليات الفرنسية في بقاع الدنيا، ومن مطلق للتصريحات النارية، ومن واصف لهذه الهجمات بجرائم ضد الإنسانية، وبالبربرية والهمجية، ومن مندد، وغاضب، وساخط، ومتوعد، وناقم وو.. الجميع تحدث عن وحشية الهجمات، ووصفها بالإرهاب الفظيع، ونعتها بالجريمة النكراء ضد الإنسانية. الجميع تحدث عن "قيم" الجمهورية وعن ديموقراطية الدولة وحضارتها، وعن براءة الضحايا. والجميع دعا إلى التعجيل بالإنتقام، وضرورة اجتثاث "الإرهاب" وتجفيف منابعه. لكن لا أحد تحدث أو ربما تجرأ على الحديث، عن دواعي هذه الهجمات ومسبباتها ومبرراتها. لا أحد امتلك الشجاعة أو الجرأة أو حتى الموضوعية، لوضع الأصبع على مكمن الداء وموضع الخلل، وتوجيه اللوم إلى السياسة الفرنسية. لا أحد تجرأ على الصدع بالحقيقة، ووصف ما حدث بأنه حصاد السياسة العدوانية الفرنسية تجاه شعوب تبعد عن فرنسا بأميال وفراسخ. سياسة استباحت، بدون موجب حق، أراضي وسيادة وأمن ودماء وخيرات هذه الشعوب، تماما كما طالما فعلت ذلك خلال عهدها الإستعماري سيء الذكر، المليء بالجرائم والتقتيل وإن اختلفت الوسائل، يوم كانت فرنسا "الحرة" تنشر الدماء والأشلاء في كثير من بلاد العالم المستضعفة والمسالمة، عوض أن تنشر الحضارة والثقافة. ولا زال أرشيفها الإستعماري الحربي إلى اليوم، يوثق بلا خجل أو تأنيب ضمير، إرهاب الدولة الفرنسية، حاملة قيم "الحرية والعدالة والأخوة"، وما خلفه من خراب ودمار وتخلف في شعوب مستعمراتها السابقة !!، فرنسا التي تطلق العنان اليوم لطائراتها ومقنبلاتها الحربية، المخضبة برائحة الدم والموت، لتقصف وتدمر وتقتل وتخلف الخراب والضحايا، هناك بعيدا جدا جدا عن باريس ومارسيليا وليون.. التي يعيش أهلها في سكينة تامة وبحبوحة عيش ورخاء، لتدمر وتقتل هناك حيث توجد شعوب " متخلفة" و"غير متحضرة" و"إرهابية"، وذلك تحت ذريعة محاربة الإرهاب، في بلدان أرهبها التخلف والتسلط والديكتاتورية والإرث الإستعماري الثقيل البغيض، زيادة على إرهاب آلة الحرب العدوانية هذه. فرنسا التي ذهبت بعيدا لتزرع الموت والكراهية والحقد في نفوس شعوب تجرعت الويلات نتيجة ذلك، لترتد عليها هذه الكراهية في عقر دارها في باريس، وعلى يد أبنائها المتجنسين من أصول مسلمة، من الذين فشلت في تلقينهم أصول القيم والمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية، وإدماجهم بالتالي في أحضان المجتمع الفرنسي، من خلال ما مارسته في حقهم من كل أشكال التهميش والإقصاء والعنصرية، حتى أنها أشعرتهم بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية، وأن المبادئ التي تتغنى بها الجمهورية، لا تعدو أن تكون شعارات رنانة طنانة لا أثر لها على أرض الواقع. أبناؤها بالتبني الذين نجحت التنظيمات المتطرفة في استقطابهم، بل وإقناعهم بتفجير أنفسهم انتقاما من سياساتها العنصرية في الداخل، وسياساتها العدائية الإرهابية في الخارج. بالمجمل لقد حصدت فرنسا ثمار سياساتها غير المتناغمة ومبادئ الجمهورية، سواء مع أبنائها المتجنسين في الداخل، أو مع غيرهم من الشعوب المستضعفة في الشرق الأوسط، فكان الحصاد ثقيلا، يجسد تماما مضمون الحكمة الفرنسية السارية القائلة : « Si tu crache contre le vent, tu le recois en plein visage. » لقد خرج الغرب اليوم، على أثر هجمات باريس، عن بكرة أبيه، في استعراض مليء بالنفاق والعنصرية، ليشهر رفضه وغضبه وتنديده بما حدث، و يعلن تضامنه الكبير مع فرنسا، ويبرهن للفرنسيين عن الدعم والمساندة اللامشروطة، ويبدأ في استنهاض همم بلدانه وبلدان أخرى غيرها، لأجل بداية نسج تحالفات عدوانية موسعة جديدة، ودق طبول الحرب الشاملة، ضد بلدان أرهقتها الحروب والتطاحنات والصراعات، التي من فعل وإنتاج هذا الغرب الظالم. لكن هذا الغرب، لم يُحرك كعادته السيئة القديمة ساكنا، قبل يوم واحد فقط من هذه الهجمات، عندما تعرضت بيروت لتفجيرات إرهابية دامية مماثلة وعلى يد نفس التنظيم ، ولا عندما تعرضت العاصمة المالية بعد أحداث باريز، لمجزرة راديسون على يد تنظيم "المرابطون". لم يحرك ساكنا خلال المرات العديدة التي لا تعد ولا تحصى، التي قامت وتقوم فيها آلة الدمار الصهيونية، بارتكاب مجازرها البشعة العديدة في حق الأطفال والنساء وعموم المدنيين، في غزة وقانا وجنوب لبنان وعموم الأراض الفلسطسنية واللبنانية، ضاربة بالقانون الدولي عرض الحائط، ومنتهكة حتى لحرمة مؤسسات الأممالمتحدة لغوث اللاجئين، التي لم تسلم من جبروت آلتها الحربية. بل الأسوء من هذا، إدعاؤه الفاضح بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد مدنيين عزل، لا يحملون غير إيمانهم بعدالة قضيتهم. لم يحرك هذا الغرب المنافق ساكنا يوم كانت أمريكا تدك العراق دكاً فوق رؤوس أهلها، وتدمر أقدم حضارة عرفها التاريخ، وتبيد وتشرد أكثر من نصف مليون إنسان، بدون موجب حق، سوى ادعاؤها الكاذب بنزع وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين، والتي تأكد بعد تدمير البلاد وتخريبها، وتمزيق شعبها وأهلها شيعا وأحزابا وفصائل، وإذلال رئيسها وإعدامه، وزرع جذور الفتنة التي لا ولن تنتهي فيها أبدا، على الأقل في المدى القريب والمتوسط، تأكد عدم وجود هذه الأسلحة الوهمية. لم يحرك هذا الغرب ساكنا، يوم قام الجيش الأمريكي بما قام به من فظائع وانتهاكات يندى لها جبين الإنسانية في سجن أبو غريب، وهو الذي جاء إلى العراق "مبشرا" بالحرية والديموقراطية، و"حاملا" قيم الغرب القائمة على احترام حقوق الإنسان. لم يحرك هذا الغرب المنافق ساكنا، أمام جرائم العنصرية والإبادة الجماعية الفظيعة، التي تعرض لها ولا زال مسلمو الروهينغا في بورما، لم تحرك فيهم قيمهم الكاذبة، قيم الحرية والعدالة والإخاء والديموقراطية وحقوق الإنسان، لم تحرك فيهم ذرة إنسانية، لأجل التدخل ووقف هذه المجازر الرهيبة في حق الإنسانية، أو حتى التنديد بها وشجبها، وتقديم المساندة المعنوية لضحاياها. فقد التزم الجميع الصمت المتواطئ المحرض.. إن هذا الغرب بازدواجية مواقفه القبيحة والمتناقضة هذه، يكشف على وجه بشع قذر مليء بالنفاق والعنصرية، تحركه المصالح والمنافع والإستعلاء، والتنكر حتى للمبادئ التي يدعي تسويقها والدفاع عنها. إنه بذلك يقوم بتصريف قيم الحقد والكراهية وحب الإنتقام، عوض ما يدعيه في خطاباته البائسة من دفاعه على قيم الحضارة والمدنية. إنه بالنظر للوقائع التاريخية والحالية، المتعلقة بأفظع الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية، وما تمخض عنها من انتهاكات ومذابح رهيبة في حق شعوب بكاملها، يمكن الجزم بأن الإرهاب في أبشع صوره، يعتبر في حقيقة الأمر منتوجا غربيا أصيلا وخالصا، تعود براءة اختراعه إلى قرون خلت. يوم كانت السفن الحربية الأوربية تمخر عباب البحر بعيدا عن أوربا، نحو مجاهل إفريقيا وآسيا وأستراليا والعالم الجديد، كي تقتل، وتذبح، وتحتل، وتستعمر، وتستوطن، وتستولي على الأرض والخيرات، بعدما ترتكب الإبادات والمذابح الفظيعة، في حق سكان هذه البلاد البسطاء. بل وتقطع الرؤوس وتعلقها، وتلتقط الصور التذكارية بجانبها، ما كان يمثل أسلوب إرهاب غاية في البشاعة والإنحطاط الأخلاقي والحضاري. وكل ذلك لأجل إرواء عطشها الإمبريالي، وجشعها الإقتصادي الكبير، وحل أزماتها الداخلية الخانقة المتفاقمة، على حساب دماء وخيرات شعوب آمنة مطمئنة، بعيدة كل البعد عن أوربا. وهي المذابح التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها، لا في بشاعتها ولا في حجمها، ولا في آثارها وتداعياتها. فقد قام هؤلاء الذين يتغنون اليوم بالحرية والإخاء والعدالة والحقوق ويبشرون بها، بإبادة شعوب بكاملها في أمريكا وأستراليا، وتدمير واجتثاث حضاراتها العريقة، وأقاموا على أنقاضها امبراطوريات جبارة بزعامة "الرجل الأوربي الأبيض"، تقوم اليوم بالتسلط والعربدة والطغيان في العالم، وزرع الموت والخراب في كثير من بلدانه. مستقوية بتفوقها التكنلوجي، وآلتها العسكرية الجبارة. وفي باقي القارات لا زال العهد الإستعماري إلى اليوم، يرخي بظلاله الثقيلة على شعوبها، ويلعب إلى جانب عوامل أخرى، دور الكابح والمعطل للتنمية فيها. لقد كان حقا إرهاب دولة منظم، ذلك الذي قام به الرجل الأوربي الغربي "المتحضر" "حامي الحقوق والحريات". بنتْ من خلاله بلدانه "الديموقراطية" "الحرة" مجدها الإقتصادي ورفاهية شعوبها، وحضارتها القائمة على الحديد والدم. وهو نفس المنتوج أي إرهاب الدولة، الذي تعمل هذه البلدان ومنها فرنسا اليوم، على إعادة إنتاجه بقوة وإصرار وتصديره ليطال، شعوبا بكاملها. لكنه إرهاب يحاول هذا الغرب تصريفه اليوم في حلل أنيقة "متحضرة"، وتحت مسميات ناعمة تلتمس المبررات والمصوغات لعدوانها وجرائمها وإرهابها، من قبيل "محاربة الإرهاب" أو "القضاء على أسلحة الدمار الشامل"، أو "إقرار الحقوق"، أو "القضاء على الأنظمة المارقة".. وقد كان لبلدان الشرق الأوسط، وتحديدا البلدان العربية الإسلامية، نصيب الأسد من هذه الجرائم والفظاعات التي ارتكبها الغرب، والتي مزقت شعوب هذه المنطقة، ونشرت فيها الخراب والدمار والتخلف، وزرعت فيها اليأس والحقد والكراهية، وأوجدت الظروف المثالية لنشوء الحركات المتطرفة والجماعات "الإرهابية"، التي تعتمد العنف والقتل منهاجا وأسلوبا للإنتقام، فإنه لا يقرع الحديد إلا الحديد. واليوم، وبعدما بدأ هذا الغرب يحصد نتائج سياساته العدوانية الإرهابية في عقر داره، ويشرب من نفس الكأس التي أذاقها لغيره من الشعوب، بل ويتجرع مرارتها، نجده يتباكى ويتشاكى، ويلعب دور البراءة والمظلومية، ويعتبر وهماً أن الإرهاب، إنما يعمل على محاربه قيمه وثقافته "الرفيعة"، ونمط عيشه، ومرتكزات حضارته، وديموقراطيته "الفريدة"، ويحاول كسب تعاطف المجتمع الدولي ومساندته في القضاء على "الإرهاب والإرهابيين". قبل سنوات قليلة، وتحديدا قبل شن الغرب مدفوعا بجشعه الإقتصادي وعطشه للبترول حروبه المتجبرة الظالمة على الشرق الأوسط، كانت بلدان المنطقة على تخلفها، وديكتاتورية أنظمتها المستبدة، وفوارقها الإجتماعية الصارخة، تعيش سكينة وطمأنينة، وتعايشا بين مختلف الطوائف والأقليات والمذاهب والأديان، لم يكن يعكر صفوه آنذاك، سوى غطرسة العدوان الصهيوني، المزروع في قلب المنطقة. فلم تكن هناك لا تنظيمات إرهابية مسلحة، ولا حركات عنيفة، وحتى إن كانت هناك تيارات وجماعات متطرفة، فهي لم تكن تجنح إلى العنف كخيار أساسي لحسم الأمور، ولكن ما أن توالت التدخلات والضربات والحروب المتغطرسة، التي فرضها الغرب على المنطقة، وما نتج عن ذلك من مآسي وآثار مدمرة، حتى طفا العنف وخيار السلاح إلى السطح لدى هذه الجماعات، وأصبح وسيلة للإنتقام من هذا الغرب، وأداة للعمل على الحد من تدخلاته في بلدانها ومحاولة طرده منها، وإلحاق ما يمكن إلحاقه به من خسائر وأضرار. لقد اتخذت دول الغرب، مراهنة على تفوقها العسكري، من بلدان الشرق الأوسط، مكانا للقيام بنزهات حربية عدوانية متواترة ومستمرة، تجرب فيها أسلحتها المستحدثة وأدوات تدميرها المختلفة الفتاكة، وتضمن من خلالها لجنودها القيام بمناورات حقيقية للرفع من كفاءتهم القتالية، حيث يقصفون ويقتلون ويدمرون، ويعودون سالمين إلى قواعدهم وبلدانهم الآمنة المطمئنة، بينما تتجرع شعوب المنطقة الويلات الناتجة عن ذلك. وإن هذا المنطق القائم على سطوة القوي وتسلطه، لم ينتج غير التطرف الأعمى، والإرهاب القائم على روح القتل والإنتقام، "الإرهاب" الذي أصبح يقض مضجع هذا الغرب، بالنظر لمنهجه الدموي القائم على القتل وإحداث أكبر الخسائر، والمماثل تماما لمنهجه في تعامله مع الشعوب المسضعفة. إنه لا يختلف اثنان، في أن أسلوب القتل الذي شهدته باريس مؤخرا، والذي استهدف أشخاصا أبرياء آمنين، لا يمكن أن يقبله إنسان عاقل، إنه إرهاب موغل في التطرف والكراهية والحقد. ولكن التفسير والتبرير الذي قدمته فرنسا ومجموع بلدان الغرب لهذه الهجمات، والذي مفاده أن "الإرهابيين" يستهدفون قيم الجمهورية ومبادئها وديموقراطيتها ونمط عيشها، القائم على الحرية والعدالة والإخاء، لا يمكن أيضا أن يقبله عاقل. فالهجمات التي حدثت، برغم عنفها وتطرفها وقسوتها، لا تعدو سوى أن تكون ردود فعل "حاقدة ناقمة"، من أبناء الشعوب التي تستهدفها فرنسا بسياساته العدوانية غير المبررة. وعمليات انتقام "عمياء" غاضبة ساخطة على الغطرسة والتسلط العسكري الفرنسي، في مناطق عديدة من الشرق الأوسط. وإلا فكيف نفسر قيام المهاجِمين بتفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة، لإحداث أكبر الخسائر البشرية، إن لم تكن روح الإنتقام هي الدافع لذلك؟ ! وعليه فإن الدرس الذي ينبغي استقاؤه مما حدث، ليس هو تجييش الجيوش وإعداد العدد والمدد، للإستمرار في نفس نهج التسلط، وصب الزيت على نار روح الإنتقام، بل هو العمل على انتفاء الأسباب التي تنتج الإرهاب والتطرف، بالكف عن لعب دور الأوصياء المتسلطين على هذا العالم، والكف عن التحكم في مصير شعوبه المستضعفة، لعلها بذلك تختفي النتائج السلبية للتسلط والطغيان والقهر الذي تمارسه. إن بلدان الغرب وروسيا مدعوة اليوم، إن هي فعلا كانت ترغب في محاربة الإرهاب، مدعوة قبل أن تتباكى على أبنائها الذين حصدهم التطرف والإرهاب، أن تفكر ولو للحظة واحدة فيما فعلته وتفعله جيوشها، وطائراتها، وأسلحتها الفتاكة، وعدوانها المتكرر، من تقتيل للأطفال والنساء والشيوخ.. مدعوة أن تعلم إن جرائم التقتيل التي شهدتها باريس، والتي أثارت رعب وفزع وغضب الغرب بأكمله، فراح يهدد ويتوعد ويُعد العدة للإنتقام، هو جزء من المعيش اليومي لأهل غزة وسوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان.. جراء سياساتها العدوانية هناك. مدعوة عوض أن تلقن الدروس في الحرية والعدالة والديموقراطية والحقوق.. عليها أولا أن تكف عن جرائمها ومذابحها في كثير من بقاع العالم، لعلها تجد من يصدق أكذوبتها بشأن دفاعها وتبشيرها بهذه القيم والحقوق. مدعوة عوض تجييش الجيوش والدفع بها لتنتهك سيادة بلدان ضعيفة أصلا، فتقتل وتدمر وتخرب، وتقرر من يحق له الحياة ومن لا يحق له ذلك، وكأني بها وصية على حياة هذه الشعوب المقهورة، أن تعيد النظر في سياساتها المتغطرسة تلك، والتي لا يمكنها بأي حال من الأحوال، القضاء على ما تدعوه إرهابا، بل إنها قد تساهم بذلك، في الزيادة في تفريخ وإنتاج أجيال جديدة من الغاضبين الحاقدين الناقمين عليها، المستشعرين للظلم والقهر والجبروت المسلط عليهم.. مدعوة لمحْو الندوب التاريخية الكثيرة، القديمة منها والجديدة، الملوثة برائحة الدم والكراهية والموت.، عبر تقديم الإعتذار أولا، عما ارتكبته في حق مختلف الشعوب، سابقا ولاحقا من جرائم ومظالم، والعمل ثانيا، على تعويض وإعادة بناء ما دمرته آلتها العسكرية الفتاكة من بشر وحجر، وأسس للتنمية في هذه البلاد. فإنه لا يستقيم الكيل بمكايلي القوة المتغطرسة الناجزة والتسلط والجبروت من جهة، والإدعاء الكاذب بتصريف القيم والمبادئ والحقوق من جهة أخرى.