لارام توسع شبكتها بإيطاليا لتربط مباشرة 7 مدن إيطالية مع المغرب    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    انخفاض الذهب بأكثر من 1 % وسط تراجع التوترات التجارية    المغرب يحل ضيف شرف على مؤتمر رواد الأعمال الصيني العربي بهاينان    المرزوقي يدعو التونسيين لإسقاط نظام قيس سعيد واستعادة مسار الثورة    المشتبه به في قتل مصلّ بمسجد في جنوب فرنسا يسلم نفسه للشرطة الإيطالية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    أجواء حارة في توقعات طقس الإثنين    فريق نهضة بركان يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    "منتخب U20" يواصل التحضيرات    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    فوزي لقجع يهنئ نهضة بركان بعد تأهله إلى نهائي كأس الكونفدرالية    المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الإولي والرياضة تحتضن الدورة الثانية للمهرجان الجهوي الإبداعي    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منتدى يجمع مستثمري الخليج والمغرب    حكومة كندا تستبعد "التهديد الإرهابي"    ابن كيران يشكل الأمانة العامة للبيجيدي من نفس الوجوه التي رافقته خلال سنوات صعوده وانحداره    أزروال يهنئ لقجع إثر تعيينه نائبا أولا لرئيس الكاف: "إنجاز مشرف ويعكس الكفاءة العالية والعمل المتواصل"    ابن مدينة شفشاون نوفل البعمري رئيسًا جديدًا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان    الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يختتم فعالياته على وقع النجاح    عزيز أخنوش يختتم فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بزيارة ميدانية    درجات الحرارة تسجل ارتفاعا ملحوظا غدا الإثنين    الطالبي العلمي: "الأحرار" الحزب واعٍ بالضغوط السياسية والهجمات التي تستهدفه ويقود الحكومة بثقة    الحسيمة تحتفي باليوم العالمي للهيموفيليا لسنة 2025 بتنظيم يوم دراسي وتحسيسي الحسيمة - فكري ولد علي    مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري يستقطب اهتمام الولايات المتحدة    اجتماع تنسيقي لتفعيل مخطط عمل استباقي للحد من حرائق الغابات بجهة الشمال    والد لامين يامال: كنت مدريديًا… لكن برشلونة وفر لي لقمة العيش    حقيقة هجوم على حافلة بالمحمدية    الملك يهنئ رئيس الطوغو بعيد بلاده    منصة رقمية تواكب منتجي الحبوب    طنجة تحتضن اجتماع المجلس الإقليمي للاتحاد الاشتراكي استعدادًا للمؤتمر المقبل    25 قتيلا جراء انفجار بميناء إيراني    غاييل فاي يفوز بجائزة "غونكور اختيار المغرب" عن رواية "جاكاراندا"    غزة: إضافة 697 شهيدا بعد التحقق    الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهري يتوجان بلقب ماراطون الرباط    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    البيجيدي يتجه نحو تصويت كاسح على بنكيران وانتخابه على رأس المصباح    استثمارات عقارية متزايدة لشقيقات الملك محمد السادس في فرنسا    جريمة بن أحمد.. الأمن يوقف شخصا جديدا    ماراطون الرباط: المغربية رحمة الطاهيري تتوج باللقب والإثيوبية كالكيدان فينتي ديبيب بنصفه    9 صحفيين يحصدون الجائزة الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    الرباط: تتويج التلاميذ الفائزين بالدورة السادسة لجائزة 'ألوان القدس'    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    نهضة بركان يبحث بكل ثقة وهدوء عن تأكيد تأهله إلى النهائي من قلب الجزائر    مشروع ورش الدار البيضاء البحري يرعب إسبانيا: المغرب يواصل رسم ملامح قوته الصناعية    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتجاج وانتحار ثم توظيف.. أين الخلل؟
نشر في أخبارنا يوم 29 - 01 - 2012


[email protected]
شكل حادث إضرام بعض الأطر العليا المعطلة للنار في جسدهم بالرباط، شكل أحد الأحداث البارزة هذه الأيام على الساحة في المغرب، وقد أدى الحادث إلى وفاة أحد هؤلاء وهو عبد الوهاب زيدون، رحمه الله، يوم الثلاثاء 24 يناير 2012 بمستشفى ابن رشد بمركز الحروق بالدار البيضاء، وهذه الفئة من الأطر تنتمي إلى مجموعة مقصية من التوظيف المباشر أسوة بباقي الأطر الأخرى غداة التوقيع على محضر 20 يوليوز 2011، مما اضطرهم إلى تنظيم معتصم بملحقة وزارة التربية الوطنية بحي الليمون بالرباط. وحسب إفادة المجموعة فإن السلطات منعت عنهم الغذاء والدواء والماء والكهرباء وهو ما جعل كلا من عبد الوهاب زيدون ومحمود الهواس وعمر عكاوي يصبون مادة حارقة على أجسادهم في تهديد للطوق الأمني الذي تقيمه السلطات على معتصمهم، وذكرت زوجة الضحية أن زوجها "لم ينتحر، بل ضحى بنفسه من أجل إنقاذ المعتصمين المحاصرين من الموت جوعا بعد أن منعت السلطات المرابطة ليل نهار دخول الماء والطعام إلى المعتصم". فهل يحق للمسلم إيذاء نفسه مهما كانت الظروف المحيطة به؟ وما علاقة إضرام النار في الجسد، فرداً أو جماعة، بالانتحار؟. وردت في القرآن الكريم عدة آيات تحذر المؤمن من إيذاء نفسه وقتلها، منها قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (النساء: 29 30)، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) (الفرقان: 68). ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه، في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً": الصحيحين (البخاري 5778 - مسلم 109). وعن أبي هريرة قال "شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالاً فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" ( رواه مسلم ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...إلخ" (رواه البخاري2766 ومسلم 89 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه). ولا أحد يمكنه أن يزايد في كون الابتلاءات التي ابتلي بها عامة الناس لن تصل بالبث والمطلق إلى تلك التي ابتلي بها أنبياء الله ورسله: فهذا نبي الله أيوب ابتلاه الله في ماله وولده وبدنه، ففقد ماله، ومات جميع أبنائه، وأصيب في جسده بمرض أقعده في الأرض وألزمه الفراش، فصبر واحتسب، ولم يسلم من بدنه شيء إلا قلبه الذي امتلأ بحب لله والرضا عنه سبحانه، ولسانه لم يتوقف عن ذكر الله جل وعلا، وقد أخبرنا الله بذلك في قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء 83-84) وروى الإمام الطبري وابن حبان من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب مكث في بلائه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من خواص أصحابه، كانا يغدوان عليه ويروحان، فقال أحدهما للآخر في يوم من الأيام : والله إن أيوب قد أذنب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة ولم يرحمه الله ...) أما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقد تتابعت عليه المصائب والكرب وعظم حزنه، فقد ذكر أبو بكر الجزائري- من جملة ما ذكر- في كتابه "هذا الحبيب" "أن عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان عضده وسده المنيع تجاه أذى قريش مات، وبعد خمسة وخمسين يوما ماتت زوجته أم المؤمنين خديجة وخلت الساحة للمشركين فأخذو ينالون من رسول الله ما لم يكونوا ينالونه من قبل، فقد رموا بالأقذار عليه، وعلى باب داره، بل وداخل الدار حتى رموا بالقذر في القدر الذي يطبخ فيه". من خلال ما سلف يتضح جليا مدى عزة النفس المسلمة عند الله ورسوله، ومهما وصل بها الأمر من الأذى والضيق فلا يجوز للمسلم أن يُموتها ويحبس أنفاسها من أجل حق أو عرض دنيوي زائل لا محالة. باطل أريد به حق العيش الكريم حق من حقوق الإنسان تكفلت به الشرائع السماوية قبل الشرائع الوضعية، وشرعته كل الدساتير على وجه الأرض، ووسائل النضال من أجل تحقيق هذا المطلب وعلوه عديدة ومتنوعة. ولكل فرد أو جماعة دينية أو تيار سياسي مساره من أجل تحقيق هذا المطلب. لكن قد ينهج الإنسان وسائل تظهر أنها لا تستقيم منهجا ولا تَحِلُّ شرعا- ولست هنا أفتي بل أبدي رأيا شخصيا- وأقصد هنا إقدام المرء على إحراق جسده - طوعا- كأسلوب للاحتجاج السياسي والاجتماعي، ويتعقد هذا الأمر حينما يتعلق بشخص يتدين بالدين الإسلامي. فهل يحق الحصول على وظيفة عمومية أن يضرم شاب النار في جسده ويضحي بحياته وهو في ريعان شبابه ولم يختبر بعد أمور الحياة ويغادر في ثوان أو دقائق إلى الدار الأخرى؟ ألم يصل العقل البشري إلى إبداع وسائل أخرى للعيش الكريم سوى العمل بالوظائف العمومية في أسلاك وقطاعات الدولة؟ ثم ألم تكن السياسات الفاشلة لمسألة التشغيل هي أحد الأسباب الرئيسة في تفاقم معضلة البطالة، حتى صار كل حامل "شهادة" يحصل على وظيفة بعد سنة، أو أقل، من التظاهر والاعتصام أمام مبنى البرلمان؟ وكم تُشكل، يا ترى، نسبة الموظفين العموميين ضمن جيش من المواطنين من التجار والحرفيين والفلاحين والصيادين... حتى يتشبت كل متخرج من مدرجات الجامعة بالوظيفة العمومية؟ ولماذا نخجل في طرح سؤال الأهلية العلمية للشواهد الجامعية التي تمنح للطلبة الجامعيين بعد استكمال مشوارهم الدراسي؟ والجميع يعرف المستوى المتدني للبحث العلمي والتعليم العمومي الذي يخرِّج أفواج المعطلين بالمغرب. لكن رغم كل ذلك فقد وجب فتح تحقيق نزيه في كل الظروف والملابسات التي تؤدي بالمواطنين إلى الإقدام على إحراق أجسادهم من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة في العيش الكريم والحرية والعدل والمساواة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.