جون أفريك تكشف أسباب التفوق الدبلوماسي المغربي في الساحل    ساركوزي يمثل أمام المحكمة بتهمة تمويل الراحل القذافي لحملته الانتخابية    انطلاق محاكمة نيكولا ساركوزي في قضية "التمويل الليبي" لحملة الانتخابات الرئاسية في 2007    عملية إطلاق نار تقتل 3 إسرائيليين    كيوسك الإثنين | التمويل التشاركي يستقر في 24,5 مليار درهم نهاية نونبر    الصين: البنك المركزي يحدد أولوياته لسنة 2025    توقعات باستقالة رئيس وزراء كندا    وضعية القطارات المتهالكة التي تربط الجديدة والبيضاء تخلق الجدل    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    اندلاع حريق مهول بغابة موكلاتة ضواحي تطوان    معرض "سيرا 2025".. المغرب يشارك في مسابقة "le Bocuse d'Or" وكأس العالم للحلويات، وكأس العالم للطهاة    أبرز المتوجين بجوائز "غولدن غلوب" الثانية والثمانين    السعودية .. ضبط 19 ألفا و541 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    شركة "ميتا" تعتزم إطلاق أدوات ذكاء اصطناعي جديدة على (فيسبوك) و(إنستغرام)    آية دغنوج تطرح "خليك ماحلّك" باللهجة لبنانية    تراجع سعر صرف الدرهم المغربي أمام الأورو والدولار    ارتفاع أسعار الدجاج الحي إلى 30 درهماً للكيلوغرام    تعليق الدراسة ببعض مناطق اقليم الحسيمة بسبب الثلوج    نهضة بركان يفوز على الملعب المالي في رابع جولات كأس الكونفدرالية الإفريقية    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تحتج في مسيرات جهوية ضد قانون الاضراب    "حماس" تستعد لتحرير 34 رهينة    الجزائر تدمن استغلال المنابر الدولية لتصريف الحقد على المكاسب المغربية    زخات رعدية مهمة وثلوج مرتقبة بالمغرب    الزمامرة تنتصر بثلاثية في الجديدة    حكيمي يتوج بلقب "السوبر الفرنسي"    النصيري يهز الشباك مرتين بتركيا    تفاصيل حكم فرنسي يقضي برفع ساعات العربية بمدارس البعثة بالمغرب    درك سيدي إفني يفكك عصابة للهجرة    أزمة إنتاج أمهات الكتاكيت بالمغرب .. شركة أمريكية مرشحة لبناء ضيعات    هدف أبوخلال يقود تولوز للفوز الثاني على التوالي في الدوري الفرنسي    تلقت ما مجموعه 7 آلاف و226 ملفا : مؤسسة وسيط المملكة ترى الإجراءات الإدارية المرتبطة بالتسجيل والحصول على الدعم الاجتماعي معقدة ومضيعة للوقت    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    تيزنيت:"تيفلوين" تفتح أبوابها الأربعون لاكتشاف الموروث الثقافي والفلاحي والاجتماعي والتقليدي للساكنة المحلية    الحسيمة.. سيارة تدهس تلميذة صغيرة وتنهي حياتها    حقوقيون يسجلون استمرار قمع حرية التعبير وينبهون إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية    مسرحية "هم" تمثل المغرب في الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي    هكذا كنت (أحتفل) بنهاية السنة في السجن    و"هبيولوجيا" الخطاب.. أو حين يصبح العبث منهجا سياسيا    انطلاق أشغال مؤتمر الألكسو ال14 لوزراء التربية والتعليم العرب بمشاركة المغرب    الإعلان في المغرب عن تأسيس المنظمة الإفريقية لحقوق الإنسان    انخفاض المبيعات السنوية لهيونداي موتور بنسبة 1,8 بالمائة    "ميتا" تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتطوير تجربة التواصل الاجتماعي    تاوسون تتوج بدورة أوكلاند للتنس بعد انسحاب اليابانية أوساكا    خبراء مغاربة يؤكدون عدم وجود تهديد استثنائي من "فيروس HMPV"    المغرب يفرض "رسما مضادا للإغراق" ضد الأفران الكهربائية التركية    "أدناس" يستحضر تيمة "الشعوذة"    مطالب للحكومة بتوعية المغاربة بمخاطر "بوحمرون" وتعزيز الوقاية    الصين تطمئن بشأن السفر بعد أنباء عن تفشي فيروس خطير في البلاد    أسباب اصفرار الأسنان وكيفية الوقاية منها    آخر الأخبار المثيرة عن حكيم زياش … !    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تُعلن تشغيل المسار البرتقالي من قطار الرياض    أمن مراكش يحجز 30 ألف قرص طبي    المشاركون في النسخة ال16 من لحاق أفريقيا ايكو رايس يحطون الرحال بالداخلة    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتجاج وانتحار ثم توظيف.. أين الخلل؟
نشر في أخبارنا يوم 29 - 01 - 2012


[email protected]
شكل حادث إضرام بعض الأطر العليا المعطلة للنار في جسدهم بالرباط، شكل أحد الأحداث البارزة هذه الأيام على الساحة في المغرب، وقد أدى الحادث إلى وفاة أحد هؤلاء وهو عبد الوهاب زيدون، رحمه الله، يوم الثلاثاء 24 يناير 2012 بمستشفى ابن رشد بمركز الحروق بالدار البيضاء، وهذه الفئة من الأطر تنتمي إلى مجموعة مقصية من التوظيف المباشر أسوة بباقي الأطر الأخرى غداة التوقيع على محضر 20 يوليوز 2011، مما اضطرهم إلى تنظيم معتصم بملحقة وزارة التربية الوطنية بحي الليمون بالرباط. وحسب إفادة المجموعة فإن السلطات منعت عنهم الغذاء والدواء والماء والكهرباء وهو ما جعل كلا من عبد الوهاب زيدون ومحمود الهواس وعمر عكاوي يصبون مادة حارقة على أجسادهم في تهديد للطوق الأمني الذي تقيمه السلطات على معتصمهم، وذكرت زوجة الضحية أن زوجها "لم ينتحر، بل ضحى بنفسه من أجل إنقاذ المعتصمين المحاصرين من الموت جوعا بعد أن منعت السلطات المرابطة ليل نهار دخول الماء والطعام إلى المعتصم". فهل يحق للمسلم إيذاء نفسه مهما كانت الظروف المحيطة به؟ وما علاقة إضرام النار في الجسد، فرداً أو جماعة، بالانتحار؟. وردت في القرآن الكريم عدة آيات تحذر المؤمن من إيذاء نفسه وقتلها، منها قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (النساء: 29 30)، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) (الفرقان: 68). ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه، في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً": الصحيحين (البخاري 5778 - مسلم 109). وعن أبي هريرة قال "شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالاً فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" ( رواه مسلم ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...إلخ" (رواه البخاري2766 ومسلم 89 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه). ولا أحد يمكنه أن يزايد في كون الابتلاءات التي ابتلي بها عامة الناس لن تصل بالبث والمطلق إلى تلك التي ابتلي بها أنبياء الله ورسله: فهذا نبي الله أيوب ابتلاه الله في ماله وولده وبدنه، ففقد ماله، ومات جميع أبنائه، وأصيب في جسده بمرض أقعده في الأرض وألزمه الفراش، فصبر واحتسب، ولم يسلم من بدنه شيء إلا قلبه الذي امتلأ بحب لله والرضا عنه سبحانه، ولسانه لم يتوقف عن ذكر الله جل وعلا، وقد أخبرنا الله بذلك في قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء 83-84) وروى الإمام الطبري وابن حبان من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب مكث في بلائه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من خواص أصحابه، كانا يغدوان عليه ويروحان، فقال أحدهما للآخر في يوم من الأيام : والله إن أيوب قد أذنب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة ولم يرحمه الله ...) أما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقد تتابعت عليه المصائب والكرب وعظم حزنه، فقد ذكر أبو بكر الجزائري- من جملة ما ذكر- في كتابه "هذا الحبيب" "أن عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان عضده وسده المنيع تجاه أذى قريش مات، وبعد خمسة وخمسين يوما ماتت زوجته أم المؤمنين خديجة وخلت الساحة للمشركين فأخذو ينالون من رسول الله ما لم يكونوا ينالونه من قبل، فقد رموا بالأقذار عليه، وعلى باب داره، بل وداخل الدار حتى رموا بالقذر في القدر الذي يطبخ فيه". من خلال ما سلف يتضح جليا مدى عزة النفس المسلمة عند الله ورسوله، ومهما وصل بها الأمر من الأذى والضيق فلا يجوز للمسلم أن يُموتها ويحبس أنفاسها من أجل حق أو عرض دنيوي زائل لا محالة. باطل أريد به حق العيش الكريم حق من حقوق الإنسان تكفلت به الشرائع السماوية قبل الشرائع الوضعية، وشرعته كل الدساتير على وجه الأرض، ووسائل النضال من أجل تحقيق هذا المطلب وعلوه عديدة ومتنوعة. ولكل فرد أو جماعة دينية أو تيار سياسي مساره من أجل تحقيق هذا المطلب. لكن قد ينهج الإنسان وسائل تظهر أنها لا تستقيم منهجا ولا تَحِلُّ شرعا- ولست هنا أفتي بل أبدي رأيا شخصيا- وأقصد هنا إقدام المرء على إحراق جسده - طوعا- كأسلوب للاحتجاج السياسي والاجتماعي، ويتعقد هذا الأمر حينما يتعلق بشخص يتدين بالدين الإسلامي. فهل يحق الحصول على وظيفة عمومية أن يضرم شاب النار في جسده ويضحي بحياته وهو في ريعان شبابه ولم يختبر بعد أمور الحياة ويغادر في ثوان أو دقائق إلى الدار الأخرى؟ ألم يصل العقل البشري إلى إبداع وسائل أخرى للعيش الكريم سوى العمل بالوظائف العمومية في أسلاك وقطاعات الدولة؟ ثم ألم تكن السياسات الفاشلة لمسألة التشغيل هي أحد الأسباب الرئيسة في تفاقم معضلة البطالة، حتى صار كل حامل "شهادة" يحصل على وظيفة بعد سنة، أو أقل، من التظاهر والاعتصام أمام مبنى البرلمان؟ وكم تُشكل، يا ترى، نسبة الموظفين العموميين ضمن جيش من المواطنين من التجار والحرفيين والفلاحين والصيادين... حتى يتشبت كل متخرج من مدرجات الجامعة بالوظيفة العمومية؟ ولماذا نخجل في طرح سؤال الأهلية العلمية للشواهد الجامعية التي تمنح للطلبة الجامعيين بعد استكمال مشوارهم الدراسي؟ والجميع يعرف المستوى المتدني للبحث العلمي والتعليم العمومي الذي يخرِّج أفواج المعطلين بالمغرب. لكن رغم كل ذلك فقد وجب فتح تحقيق نزيه في كل الظروف والملابسات التي تؤدي بالمواطنين إلى الإقدام على إحراق أجسادهم من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة في العيش الكريم والحرية والعدل والمساواة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.