تهدف عملية غسل الأموال لإخفاء المصدر الحقيقي للأموال المكتسبة بوسائل غير شرعية مثل الفساد. والهدف من تلك العملية التي تتم عادة على مراحل هو محاولة إضفاء طابع الشرعية على تلك الأموال أو الأصول لإظهارها كما لو كانت قد جاءت من مصادر شرعية، واستخدامها للتداول في الدورة الاقتصادية، وإدراج نقلها وتحويلها عبر الحدود الدولية إلى قنوات المؤسسات المالية الشرعية. وقد ظهرت عملية غسيل الأموال لأول مرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الفترة من 1920 إلى 1930، حيث لجأت عصابات المافيا إلى إنشاء محال غسيل الملابس الأتوماتيكية، من أجل إخفاء الأموال التي تحصلت عليها بطريقة غير مشروعة من تجارة المخدرات بغية إخفاء أصل هذه الأموال، حيث كانت تضم الدخل الناشئ عن التجارة غير المشروعة في المخدرات والإيرادات اليومية للغسل، حيث يخضع هذا الدخل مع الإيرادات للضرائب، ولذا قيل بأن أرباح التجارة غير المشروعة قد تم غسلها . وتعتبر جريمة غسل الأموال من الجرائم التي لها أثر بالغ في ميدان المعاملات الاقتصادية اليومية، سواء في جانبها القانوني أو الاقتصادي، فهي ليس لها اسم موحد، فهناك من يطلق عليها الجرائم البيضاء، وهناك من يسميها تبييض الأموال، وهناك من يطلق عليها غسل الأموال أو تطهير الأموال، وكيفما كانت التسمية فإنها تشترك في إضفاء الشرعية على أموال متحصلة من الجريمة. وقد أصبحت هذه الجريمة في ظل التقدم التكنولوجي والعولمة أكثر انتشارا، إذ أصبح من الصعب تحديد أطرافها والتحكم فيها، فتحولت لجريمة عابرة للحدود، كما أن الأموال الناتجة عن هذه الجريمة أصبح لها استخدامات عديدة تضر بأجهزة الدولة ومؤسساتها، إذ تستخدم في الرشوة وإفساد الجهاز الإداري والسياسي والأمني والمؤسسات المالية. ونظرا لخطورتها أصبح ضروريا تجريمها ضمانا وحماية للنشاط الاقتصادي الوطني، وجعل المناخ الاقتصادي أكثر نزاهة. فكيف استطاع المشرع المغربي من خلال إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة تحصين الجسم المالي والاقتصادي من هذه الآفة؟ وهل استطاع الحد أو التقليل من هذه الظاهرة الإجرامية في ظل الإمكانات والوسائل المتوفرة لهذه الإدارة؟ نظرا لخطورة جريمة غسيل الأموال وبعدها الدولي، وتوظيف الأموال المتحصلة منها في تمويل العمليات الإرهابية، إذ صدر القرار رقم 1373 لسنة 2001 من مجلس الأمن، الذي حث الدول كافة على مكافحة كافة أشكال الجريمة المنظمة ومن ضمنها غسل الأموال، وأورد في بنده الرابع أن هناك صلة وثيقة بين الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة، وعدد من أشكالها الاتجار غير المشروع في المخدرات وغسيل الأموال، الشيء الذي جعل كل الدول تسرع نحو تجريم هذه الظاهرة التي كانت تعرف فراغا قانونيا، والمشرع المغربي لم يخرج عن هذه القاعدة، ففي إطار احترامه للالتزامات الدولية واستجابة للمتطلبات الدولية في مجال غسيل الأموال، عمل على إصدار القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال. تتميز جريمة غسيل الأموال بمجموعة من الخصائص عن الجرائم العادية، فهي جريمة تبعية لكونها تفرض وقوع جريمة أصلية سابقة عليها، يكون مرتكبها حقق فائدة أو منفعة معينة، وهي أيضا جريمة اقتصادية لكونها تمس المصالح الاقتصادية للدولة، ولها أضرار بالغة الخطورة على المال العام، إما بالاستيلاء عليه أو عدم المحافظة عليه، وهي من الجرائم ذات المسؤولية المطلقة، كما أنها من الجرائم التي يسأل عنها الشخص المعني. من خصائصها أيضا أنها جريمة منظمة وعابرة للحدود، فهي جريمة دولية تؤثر على الاقتصاد الدولي ككل، وهي جريمة منظمة تفرض تعدد الجناة ووحدة الجريمة ماديا ومعنويا، بحيث يساهم كل واحد منهم بعنصر أو أكثر من العناصر المؤثرة في الجريمة. وهنا تدخل على الخط إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة لحماية الاقتصاد الوطني من هذه الجريمة. وتعتبر هذه الإدارة جهازا تابعا من الناحية العضوية والتنظيمية لوزارة الاقتصاد والمالية، إذ تساهم في تحديد السياسة الجمركية الوطنية، وتقوم بمهمة دراسة وإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالجمارك، كما تضطلع بتطبيق هذه النصوص والقوانين الخاصة بمراقبة التجارة الخارجية والصرف، فعبارة إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة تاريخيا وقانونيا تعني إدارة بمصالحها وأعوانها. وينقسم أعوان الإدارة باعتبارها مؤسسة شبه عسكرية إلى هيأتين: هيأة عسكرية؛ تسند إليها مهام الحراسة ومكافحة التهريب، وتزاول مهامها بارتداء الزي النظامي ذي الشارات العسكرية، وتحمل السلاح الوظيفي القانوني. وهيأة أخرى مدنية تتولى تتبع الإجراءات الجمركية ومراقبة عملية الاستيراد والتصدير وتدبير الملفات الإدارية والجمركية، وهاتين الهيأتين ليستا مستقلتين، فهما معا يقومان بأعمال تدخل في نطاق مهام الشرطة القضائية. تضطلع إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بدور اقتصادي فعال، إذ أنها تراقب شرعية العمليات التجارية الدولية وتضمن التطبيق السليم للقوانين والأنظمة المتعلقة بذلك، وهي تعمل على محاربة الجرائم العابرة للحدود والتي من بينها غسيل الأموال.ولكي تؤدي هذه الإدارة في مكافحة ظاهرة جريمة غسيل الأموال فإنها مزودة بوسائل مادية وآليات قانونية حرص المشرع المغربي على إحاطتها بها. فهي تتشكل من مصالح مركزية –المديرية العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة- وهذه الأخيرة مشكلة من مديريات تغطي جميع أنشطة الجمارك، مهمتها تقديم ووضع توجيهات السياسة الجمركية بالتنسيق مع قطاعات وزارية، ومصالح خارجية ذات اختصاص وطني وأخرى ذات اختصاص إقليمي. لذلك فإن أعوان الجمارك لهم صلاحيات تجسد فعلا هذا القطاع، كارتداء البذلة الرسمية، والحق في استعمال السلاح، زيادة على هذا كله منحها المشرع المغربي آليات قانونية غير مألوفة في القانون المؤطر لها، وهي بذلك يمكنها المشاركة في محاربة جريمة تبييض الأموال بحكم تواجدها على الحدود لتراقب التبادلات التجارية، عن طريق ضمان احترام وتطبيق التنظيمات، وهي تعمل كذلك على تطوير هذه التبادلات من خلال ما تقدمه من معلومات وإحصائيات تتخذ من خلالها القرارات المستقبلية وتحدد من خلالها التوقعات. وقد عمل المشرع المغربي على تسليح الإدارة الجمركية المغربية بوسائل قانونية ضرورية يقتضيها عملها؛ حتى تسهل لها مهمة مكافحة الجرائم ومنها تبييض الأموال، وذلك من خلال مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وهذه السلطات تتمثل في كل من المراقبة والفحص والتفتيش. فكما يعلم الجميع، فجريمة غسل الأموال لها آثار جد بالغة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، من بينها البطالة وازدياد معدل الجريمة، إذ تؤدي تحويلات الأموال من داخل البلاد إلى الخارج عبر القنوات المصرفية إلى نقل رؤوس الأموال إلى دول أخرى، مما يساهم في العجز في الإنفاق على الاستثمارات اللازمة لتوفير فرص الشغل للمواطنين، ومن جهة ثانية فإن نجاح أصحاب هذه الدخول غير المشروعة في الإفلات من العقاب يشجع غيرهم على الانزلاق إلى هاوية الجريمة وسلك نفس المسار، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة. وأيضا من بين آثار هذه الجريمة انتشار الحقد وتوسيع الهوة بين طبقات المجتمع، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تكديس الأموال في يد فئة قليلة من أفراد المجتمع ويولد الصراع الطبقي الذي ينتج الحقد. يجب القول في الأخير، أن جريمة غسيل الأموال ظاهرة خطيرة تمس السلم الاجتماعي، وأيضا تمس بالدرجة الأولى الاقتصاد الوطني المغربي، لذلك فاليد الواحدة لا تصفق، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة لا يمكنها الإحاطة بهذه الآفة لوحدها، لهذا يجب مساهمة الجميع في ذلك، لأن جريمة غسل الأموال تشكل خطرا على الاستثمار الوطني الذي يعد ركيزة أساسية في التنمية. ويجب العمل كذلك على الاستفادة من التجارب المقارنة في هذا الباب، كالتجربة الأمريكية التي يستخدم محققوها التابعون لمكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) للكشف عن عمليات غسيل الأموال، أسلوبا يعنى بتحليل المستندات والسجلات الوهمية أو المزيفة ويدعى (RACKETEERING RECORD ANALYSIS)، وهو أسلوب مهم في تتبع وإثبات ارتكاب جرائم غسيل الأموال، ويمكن من إثبات توافر العلاقة ما بين المستندات التي يعثر عليها أو يتم ضبطها بأيدي غاسلي الأموال أو أعضاء عصابات الجريمة المنظمة، وبين عمليات غسيل الأموال، فمن خلال فحص وتحليل البيانات الواردة في هذه المستندات يمكن الاستدلال على وجود عمليات غسيل الأموال. وأيضا ما جاء في مؤتمر المخدرات وتبييض الأموال لعام 1997 الذي عُقد في الولاياتالمتحدة الأميركية بمدينة ميامي، الذي ركز على الوسائل الفعالة لمحاربة جريمة تبييض الأموال، ومن أبرز الوسائل التي ظهرت في هذا الصدد ثلاثة: سياسة اعرف عميلك (Bien connaître son client)؛ سياسية أو مبدأ الإخطار عن العمليات المشبوهة (les activités suspectes)؛ والتعاون الوثيق بين الدول (les coopérations plus étroite entre les Etats). وفي استراليا التي تعتبر من أبرز الدول وأكثرها فعالية في مكافحة عمليات تبييض الأموال تبنت نظاماً قومياً للرقابة على التحويلات البرقية (Les virements bancaires)، ويعتمد هذا النظام على وجود وكالة مركزية أسترالية على اتصال وثيق بعدد كبير من مكاتب الصرافة (les bureaux de change)، إذ تعتبر الوكالة المركزية الاسترالية بأنها مركز التحليل لتقارير المعاملا ويتم نقل المعلومات من مكاتب الصرافة إلى الوكالة المركزية بالطرق الإلكترونية، فتقوم بتحليلها وتحديد النشاطات الجرمية ومحاولة اجهاض عمليات غسيل الأموال قبل اتمامها. وحسب منظمة "غوباك"، التي تأسست في أكتوبر 2002 على إثر انعقاد مؤتمر عالمي في أوتاوا بكندا، وجمعت أكثر من 180 نائب برلماني و400 مراقب اجتمعوا معاً من أجل محاربة الفساد وتعزيز الحكم الصالح، حيث صادق مجلس الإدارة في هذا الاجتماع على دستور منظمة "غوباك". وأصبحت “غوباك” في خريف عام 2003 كياناً قانونياً باعتبارها منظمة غير هادفة للربح بموجب القانون الكندي. إذ قام فريق عمل المنظمة بإعداد دليل إرشادي بعنوان "دليل عمل غوباك للبرلمانيين حول مكافحة غسل الأموال"، حيث جاء في توصياته بأنه على جميع الدول العمل على تجريم غسيل الأموال، وذلك بموجب اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة في "فيينا" سنة 1988، وكذلك بموجب اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لسنة 2000 والموقعة ب مدينة "باليرمو" الإيطالية؛ وأيضا يجب على الدول تشديد العقوبة السجنية على مرتكبي جريمة غسيل الأموال، وذلك من أجل ردع كل من تسول له نفسه ضرب اقتصاد هذه الدول؛ وحسب المنظمة ينبغي أن تعتمد الدول تدابير مماثلة لتلك المنصوص عليها في اتفاقية فيينا وباليرمو، بما في ذلك التدابير التشريعية، لتمكين سلطاتها المختصة من مصادرة الممتلكات المغسولة، والعائدات من عمليات غسل الأموال، والأدوات المستخدمة أو المعدة للاستخدام في ارتكاب هذه الجرائم، أو الممتلكات القيمة؛ كما يتعين على المؤسسات المالية ألا تبقي على الحسابات المجهولة أو الحسابات ذات أسماء وهمية، ويتعين على هذه المؤسسات أن تقوم بالتحقق من هوية عملائها، وإذا اشتبهت المؤسسة المالية في أن الأموال هي حصيلة نشاط إجرامي، أو ترتبط بتمويل الإرهاب، ينبغي أن تطلب فورا وحدة الاستخبارات المالية (وحدة التحريات المالية) لدى هذه الدول من أجل البحث والتقصي عن هذه الشكوك.