في ليلة الخميس زارني سيدي الرئيس وبعض من حاشيته، افترشوا أرض بيتي في تواضع مثير، دار بيني وبين سيادة الرئيس حوارا. قلت:لما أنت مصر على منصبك إلى هذه الدرجة؟ قال:رغبتي أكيدة في خدمتكم،إنما هي أقدار جعلتني رئيسا(يبدو حتى الرئيس يستعمل الخطاب الديني والفلسفي هربا من الإجابة المباشرة) قلت:هناك فئة من المنتخبين ببلدتي تصلح لتدبير شؤوننا؟ قال:إنهم لا يملكون الخبرة ومسؤولية التكليف عظيمة سيملون منها، فهم لا يملكون صبري ولا قوتي في الميدان. قلت:وما موقعي من كل هذا؟ قال:جئت أناشدك أن تتدخل وتطلب ممن يحسب عليك بالتصويت لصالحي، فأنا سأكون خير خلف لخير سلف، علما أنه هو الخلف والسلف. ناولني رزمة من فئة 200 درهم،ربما أراد مني أن أقوم بتوزيعها على بعض ممن اعتقد أنهم يطيعون أوامري،وعدني بتحويل بلدتنا إلى بلدة نموذجية بدون تلوث وبدون فساد وبدون ضجيج،لاحظوا حتى الضجيج سينتهي بعد فوزه . ذهبت لفراش النوم كي استيقظ باكرا، فغدا يوم جمعة. رأيت وأنا ذاهب في الصباح إلى المسجد بلدتي وكأنها اغتسلت وألبست حلة جميلة لم أعدها من قبل،تساءلت هل كان الرئيس يفعلها ليلا؟يا إلاهي كيف أصلح ورمم وزين ونمق كل هذا؟ أهي بلدتي أم إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ يبدو لي أن بلدتي كانت في ورش عرمرم. إني أرى أعمدة كهربائية مثبتة بشكل مرتب وأنيق تنير ليلا طريق السائرين،شوارع نظيفة بأرصفتها الأنيقة تسر الناظرين،مسابح للصغار والكبار،مساحات خضراء بأشجارها الباسقة،ملاعب للأطفال،منازل بهندسة موحدة ومصبوغة بلون بنفسجي جميل، دور لرعاية الأيتام والطلبة المعوزين،مستشفى عمومي وليس مستوصفا ومستشفى لمحاربة الإدمان،سيارت الإسعاف لنقل الساقطين،مسرح رائع،أسطال لوضع النفايات بأغطيتها ورجال النظافة في كل مكان ينشرون النقاوة والنظافة لأنها من الإيمان، يبدو لي وكأن الأرض بدلت غير الأرض وكأن المدرسة حيث سأصوت غير المدرسة التي عرفتها. وأنا على هذه الحالة الوردية فكرت ودبرت ثم قررت أني سأصوت لهذا الرئيس الصالح الذي حول بلدتنا بين عشية وضحاها من بلدة تعيسة ومتسخة ويائسة إلى بلدة حيوية ونظيفة بلدة تبرق الأمل،تساءلت لما كانوا يقولون أنه فاسد ومفسد؟ يا لهم من فضوليين وأغبياء بل هم المفسدون لكنهم لا يعلمون. دخلت إلى مكان التصويت،أعطوني صوتي،وقعت بالدفتر وجعلوا المداد على إبهامي كعلامة على صدق العملية وشفافيتها،قيل لي عليك بالمعزل فهناك حيث ستختار بحرية كاملة،أحسست بجسدي يخف عند سماعي كلمة الحرية،الآن سأختار طوعا بين الموت على صدر الرئيس وبين دفاتر أشعار منافسيه البؤساء التعساء،مثلهم كمثل من كتب عنهم فيكتور هيغو في روايته les mésirables،سألت أعضاء اللجنة:أين رمز حزب الرئيس،أشاروا لرسم يمثل القرد،قلت:لا بأس سوف أضع علامة على هذا القرد،علامة تدل على أني أوافق موافقة كاملة وأنا في كامل قواي العقلية على أن أكرر تنصيب الرئيس المنصب أصلا حتى يصير نصبا كما صار غيره . بداخل المعزل الخشبي الملفوف بثوب أسود وجدت تلك الحرية الممزوجة بظلام دامس، مع ذلك بقيت متوجسا من أن يراني الرئيس،قدمت بقلمي البيعة لرئيسي،وما إن هممت بوضع الورقة بداخل الصندوق حتى سمعت صوتا يناديني،إلتفت إلى مصدره فوجدت القرد المرسوم على الورقة وقد خرج منها وهو يطير إلى الأعلى ويقول:أيها المغفل عد لرشدك وأحسن اختيارك ورد تلك الرزمة من الأوراق المالية لصاحبها،فصوتك أمانة. أخذ مني القرد الصوت وحوله إلى سوط، سوط انهال به عليَ ضربا مبرحا وهو يقول:أيها المغفل استيقظ من غفوتك،افتح عينيك.... هنا استيقظت مرعوبا،فوجدت زوجتي تقف بجانب رأسي، قالت لي:سيادة الرئيس بالباب ينتظرك،ربما ينتظر وفاءك بوعدك،وجدته ببذلة غير التي رأيته بها البارحة ليلا،ربطة عنق أنيقة وابتسامة عريضة،خاطبني بلغة ديبلوماسية سامية يستعطفني ويستجديني ويستدرجني للفخ المنصوب. لكن حلمي دفعني لأعيد له ماله،قلت له: إن كرامتي لا تباع ولا تمرغ في التراب. بعد مفاوضات يائسة دارت بيننا،ضغط على دواس سيارته بل سيارتنا وترك على وجهي غبارا ثم انصرف. ذهبت هذه المرة لأصوت مستيقظا بحرية وبكرامة حيث رأيت الواقع كما هو بدون تلك الغشاوة التي صنعتها تلك الورقة النقدية من فئة 200درهم،رأيت فساد الرئيس مجسدا في ميدان بلدتي التي هشمها وهمشها بعد أن رأيت إفساده في رشوتي ورشوة غيري،قلت مع نفسي وأنا أمشي مطأطئ الهامة أمشي: إن الذي اشتراك بثمن لا مانع لديه من أن يبيعك بثمن آخر مع هامش ربح . التقيت بسكان بلدتي قبل ولوج مكان الانتخاب،تناقشنا حول موضوع شخصية الرئيس المنتظر حتى خرجنا بموقف موحد حول أهمية التغيير،تغيير يمس المرتشي قبل الراشي،تغيير يمس أنفسنا ليغير الله أحوالنا،اخرج أحدنا ورقة مكتوب عليها كلمة "ارحل"،كلمة أرسلناها عبر هذه الورقة وعبر أصواتنا التي أعطيناها لمن يستحقها،وليس لسيادة الرئيس. عدت لبيتي وقد أديت أمانتي بشرف وأنا أتخيل أن أكون وضعت حجر الأساس لمغرب آخر،مغربا جميلا ومتقدما على كل الأصعدة،وببيتي أنصت جيدا لأغنية مسلم بكلماتها الرائعة متمنيا تحققها: لوكان الواقع لوحة لو كنت أنا الرسام نرسم بكل الألوان نرسم كل الأحلام نرسم من طنجة حتى لڭويرة كلشى هايز لعلام نرسم بلادي زادت ألف خطوة للقدام نرسم شحال من مدرسة أطفال فيدمهم لقلام كولشي قاري و خدام ….الأمية غير أوهام البطالة غير كلام فلسان الناس لقدام لاسرقة لا إجرام…الوقار ولإحترام نرسم سبيطرات كبار دلعين فكل مكان دكاترة بزاف والشعب يداوا بالمجان نرسم البرلمان وناس فيهم الأمان خدامين نهار وليل باش أنا نعيش مزيان نرسم ولد الدريوش يقرى مع ولد فلان ولفرق لكين بينتم فنقطة دالإمتيحان نرسم عيون بلا دموع وقلوب بلا أحزان نرسم و نزيد نرسم مادام عندي الألوان
نرسم أخر طفل خارج من دار اليتامة شبرين فيدو ناس رسمو على وجهو الإبتسامة نرسم أخر طفلة كانت فالديور خدامة ودابا في يدا الكتوب ومشيا تقرا بكل كرامة ونرسم شوارع كبار…فضاءات لي الترفيه فكل حومة نرسم ملعب ودراري يلعبوا فيه نرسم كورنيش طويل بلا كزينو وبلا بار نرسم شحال من جامع مفتوح ليل ونهار نرسم بنت بلادي ساترة راسها بالحجاب نرسم شاب ناوي الخير قاصد الباب نرسم طريق ما فيها زبل وما فيها حفاري نرسم مواطن غير طاح والإسعاف ماجي جاري نرسم درويش خارج من السوق بالقوفة عامرة راجاع ندارو يضحك الباراكة باقا حاضرة نرسم المسكين خلص الضاو والماء وخرج نشطان ونرسم جار فرحان حيت جارو بات شبعان نرسم نهار وليل…نرسم أحلامي ألوان تسيل حتي إذا كان لون قليل… نرسم بدمي حتى نآخر ميل نرسم حوانت نلي رزقو مفرش غير فالأرض ملاجئ نلي ناعس فالبرودا ومغطي بالبرد نرسم ديور نلي باقي ساكنين غير فالبرارك نرسم مشروع نلي باقي يفكر يمشي حارك نرسم مدير دالحبس مهلي فالحباسا مسجون فيدو ديبلوم فالمجتمع عندو بلاسة نرسم فكل الحوام سبيطار للمدمنين نرسم المحسنين يعطيو حق المساكين نرسم ناس من جميع الفئات كولشي ماشي يصوت نرسم المظلوم يرجعلوا حقو بلا ميغوت نرسم موظف عادي قادر يعيش أسرة ونرسم الزبال يتخلص أحسن أجرة نرسم مغربي مغرب وعندو المغرب فالدم نرسم بلادي معولة على لي باغي يخدم ونرسم رسام رسم راسو يحلم بلي بلادو لوحة وباغي غي يرسم نرسم نهار وليل…نرسم أحلامي ألوان تسيل حتي إذا كان لون قليل… نرسم بدمي حتى ناخر ميل .