المدارس الخاصة.. 2.5% فقط تتبنى تدريس الأمازيغية    صراعات تسقط الاستقلالي السّحيمي كاتب عام التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة    ارتفاع معدل التضخم في المغرب إلى 2.6% في فبراير    بنك أفريقيا ينفي وجود نزاع قانوني مع مجموعة مارِيتا    مغاربة يعودون للاحتجاج في جمعة غضب جديدة بعد استئناف العدوان الصهيوني على غزة    المغرب ضد النيجر في تصفيات كأس العالم 2026.. أين ومتى تشاهد المباراة؟    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر    المجلس العلمي الأعلى يرفع قيمة الزكاة في المغرب    المجلس العلمي الأعلى يحدد زكاة الفطر لهذه السنة في 23 درهما للفرد الواحد    الصيام بين الفوائد الصحية والمخاطر    تصاعد مقلق للإسلاموفوبيا في ألمانيا    أسعار الذهب تستقر عند أعلى مستوى    الركراكي في مواجهة الزاكي لمواصلة سلسلة الانتصارات وحصد العلامة الكاملة    لقجع وبرادة مطلوبان في البرلمان للوقوف على تحضيرات مونديال 2030    محاكمة الفريق الطبي لمارادونا .. شهادات صادمة عن "الإهمال القاتل"    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر هذا العام في 23 درهما    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ارتفاع عدد المعتمرين بنسبة 31 في المئة في العام المنصرم    قيس سعيّد يقيل رئيس الحكومة    قيمة زكاة الفطر بالمغرب: 23 درهما    المجلس العلمي الأعلى يحدد قيمة زكاة الفطر لعام 1446 ه في المغرب    جيش السودان يستعيد القصر الجمهوري    منظمة الصحة العالمية تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة السل    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    العاصفة "مارتينو" تضرب شمال المغرب بأمطار غزيرة ورياح قوية    من أجل فلسفة جذرية    طوفان الأقصى: لا أمن بلا سلام    اختلالات الحكومة المغربية وشعرة معاوية    تعاون أمني بين المغرب وإسبانيا يوقف عنصر موالي ل"داعش" في قرطبة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كيوسك الجمعة | 33.636 أسرة استكملت بناء وتأهيل منازلها المتضررة بالزلزال    إفطار جماعي لفائدة النزلاء الأحداث وعائلاتهم بمركز الإصلاح والتهذيب عين السبع    دوري الأمم الأوروبية.. كرواتيا تغلب فرنسا وألمانيا تقلب الطاولة على إيطاليا    تقارير أمريكية: واشنطن تتجه لإنهاء مهام بعثة المينورسو في الصحراء المغربية    بايتاس: متوسط التساقطات المطرية بلغ 113,9 ميلمتر إلى حدود 19 مارس    الحكومة تستعد لمؤازرة "الكسابة" بعد منع ذبح إناث الأغنام والماعز    "ليلة القرآن" تشع في رمضان.. والتوفيق يُكرم حفظة وخُدام كتاب الله    برمجة تعيين أطباء بمشفى خنيفرة    فعاليات دينية مغربية في كوبنهاغن    موقعة الحسم بين المغرب والنيجر .. الركراكي والزاكي في صراع التأهل إلى مونديال 2026    إقليم الجديدة.. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تواصل دعمها للتعاونيات الفلاحية النسائية    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    ميناء المضيق : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 28 % مع متم فبراير الماضي    جنوب أفريقيا.. مجموعة الدفاع عن استقلال كيب الغربية تتوجه إلى الولايات المتحدة لمناقشة تقرير المصير    حقيقة بناء عشوائي في المجمع السياحي سانية بلاج    المغرب يدين بأشد العبارات خرق وقف إطلاق النار وتجدد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة    4 ملاعب مغربية تحتضن "كان U17"    رئيس الحكومة يترأس مراسم التوقيع على اتفاقية استثمارية مع المجموعة الصينية "صنرايز" الرائدة في صناعة النسيج    الراضي وهبة محمود تضعان خارطة الطريق للتعاون الثقافي المغربي – المصري    أخبار الساحة    سؤال الجمال    عرض الفيلم المغربي "مطلقات الدار البيضاء" بالبنين    التوازن بين العقل والإيمان: دعوة لفهم شامل وعمق روحي.. بقلم // محمد بوفتاس    صحة غزة: ارتفاع حصيلة المجازر الإسرائيلية إلى 710 شهيد وأكثر من 900 جريح    بعد 15 سنة من العطاء…اعتزال مفاجئ للمخرج المصري محمد سامي للدراما التلفزيونية    الصيام في رمضان.. علاج للروح وفوائد جمة للجسد    هذه تدابير مفيدة لجعل المنزل ملائما لمرضى الحساسية    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    









شياطين الإنس والجن
نشر في أخبارنا يوم 17 - 08 - 2015

إن الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] أما بعد :

فقد قدر الله تعالى على آدم وذريته من بعده الابتلاء بغواية الشيطان وكيده ، حين نصب لهم العداوة مبكرًا واتخذ على نفسه عهدًا بإضلالهم ، فاتبعه من اتبعه من أبالسة الإنس ، فعززوا جهوده ، بل بارزوه فيها فتفوقوا عليه فعم الشر وظهر الفساد في البر والبحر .

ولا يخفى على أحد أن كيد إبليس أصل الشرور في الأرض ، ولكن ما قد يلتبس على البعض أقسام أتباع الشيطان ، فإن من أتباع الشيطان وحزبه من غرر بهم وخدعهم بعد أن كان مقصدهم إلى الخير ، ومنهم من التحق بحزب الشيطان طواعية واستمراءً للمعاصي وحبًّا في الباطل ، ومنهم من ترأس أحزاب الشيطان وكان من كبار أعوانه ؛ بل تحول الوضع إلى أن يكون الشيطان تابعًا له من خلفه يؤزه أزًّا ويدفعه دفعًا - والعياذ بالله - {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175]

ولشيطان الإنس وشيطان الجن حال واحد ، ومنهما يكون الحذر على نفس الوجه لاستعمالهما نفس المكائد والدسائس ، ولاتسامهما بنفس الصفات والشرور ، ولاتحاد هدفهما في إضلال البشرية ؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]

فما فتأ القرآن الكريم يذكر إبليس وجنوده ويحذر منهم في مواضع عدة وصور شتى ، كيف لا وهو دليل البشرية وهاديهم إلى الصراط المستقيم ؟

فوقفت طويلًا أتأمل الآيات الكريمة التي ورد ذكر الشياطين فيها وتحذير الناس منهم ، فكانت لي الوقفات التالية علها أن تكون ذكرى تنفع المؤمنين ؛ فالعاقل الفطن يزيد حرصه إن علم أن هناك من يتربص به ويعد خسارته نصرًا وضلاله مكسبًا ، خاصة إن تبين له مداخل هذا العدو وطرقه {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين} [الأعراف: 16، 17]

وها هو الشيطان نفسه يفطن إلى أن من مقاصد العبودية لله شكره بالعمل بالصالح ؛ لذا أعد عدته وجمع جنده لصده عن الطاعات وللحيلولة بينه وبين تحقيق فلاحه ، وما عساه أن يوصف من اتخذ عدوه خليلًا وسلمه عنقه ليسوقه إلى هلاكه بعد أن يبرأ منه {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِي} [الحشر: 16]

وإن أول ما سن إبليس من سننه ، تلك السنة المنكرة في التكبر والعلو والطغيان {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] فقال إبليس {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين} [الأعراف: 12] فألقى إبليس في قلوب أتباعه الكبر والعجب والتنكر للنعمة ونسبها لغير صاحبها ؛ فقال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] وقال فرعون: {يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْت} [الزخرف: 51]

ثم بدأت أول قصص غواية الشيطان لآدم وزوجه ، حين سمى لهما الأشياء بغير أسمائها ، وزين لهما المعصية وجملها وجعل فيها الفوز والخلود ، وهذا ديدن شياطين الإنس وأوليائهم الذين يوحي بعضهم لبعض زخرف القول {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِين} [الأعراف: 20] فصورت المعصية على أنها سبيل الملك والخلود في النعيم.

ولغرور إبليس وتلبيسه حيل لا تخفى على كل ذي لب ، فلطالما تلبس بلبوس الناصح الأمين ؛ كما غرر بآدم وزوجه وذريتهما من بعدهما ؛ بل وأقسم على ذلك {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 21] ، وكم يفعله اليوم قرناء السوء من شياطين الإنس .

ومن المكائد المشتركة والحيل المتكررة لشياطين الإنس والجن على السواء نذر الوعود بالمكاسب العاجلة والتأمين من الخسائر المحتملة ، فيمنون أتباعهم بالنصر ويوهمونهم بالغلبة ، فإن حلت الهزيمة تبرأ بعضهم من بعض {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]

ومن مكائد شياطين الإنس والجن الشائعة في زمننا الحالي خاصة ، إلقاء الرعب في القلوب ، والوسوسة في الصدور ، وبث الخوف من العباد دون رب العباد ؛ فترى الرجل متقاعسًا عن الجهاد في سبيل الله ، ملجمًا فمه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بالحق ، مكبلة يده عن الذود عن حياض الدين {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [آل عمران: 175]

أما قصة الشياطين في التدرج في الإغواء فهي قصة أخرى وحكايات تطول وتطول ، وقد قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]

وكما ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين أن للشيطان مع ابن آدم مراتب في الغواية ؛ فهو يزين له الكفر المحض ، فإن فشل.. حرضه على أنواع الشرك ، فإن فشل.. لبّس عليه الحق بالباطل فأدخله في البدعة ، فإن رأى الرجل صالحًا كانت له محاولات أخرى ليخرجه من دوائر فضول المباحات إلى المكروهات ، ومن ثم صغار الذنوب ثم كبار الذنوب والفواحش - والعياذ بالله - بل حتى الزهاد العباد للشيطان معهم صولات وجولات .

ويتوالى التحريض وتستمر الإغواءات في أشكال الذنوب الدارجة والتي لا يكاد يخلو منها مجتمع بل لا يخلو منها بيت إلا من رحم ربي ، ومن رحم ربي قليل ، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } [الإسراء: 64] فمن منا سلم من تلبيس إبليس بعد هذه الآية ومن نجا من غوايته ؟ فاللهم سلم سلم ، وارزقنا السلامة والعافية .

أما عن جماعات الأبالسة وأحزاب الشيطان ، فلا تكمل لهم عدة ولا يكون لهم عتاد إلا بالصد عن ذكر الله ، فهو السلاح الفتاك الذي يستقطب به الأتباع وتكتمل به مجالس الهوى والضلال {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]

وهذه النقاط كم يندرج تحتها من وسائل وأشكال للغواية ، يسلكها العدو في ثوب الصديق ، ويضل بها القريب قبل البعيد ، فحري بالعاقل أن يتربص لشيطانه قبل أن يتربص به ، ويفتك به قبل أن يهلكه ، وأشد ما يكون الحذر من أخلّاء الإنس الذي يظن بهم الخير وهم قرناء الشر ( ولبئس القرين ) والله ولي المؤمنين وحاميهم ومحصنهم من شرور الإنس والشياطين وعل لنا وقفة قادمة بإذن الله في سبل صد كيد الابالسة والرد كيدهم إلى نحورهم والنجاة من حيلهم وتلبيسهم .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.