الرباط/ 26 يوليوز 2015 /ومع/ غادر محمد العربي المساري إلى دار البقاء، أمس السبت، عن سن ال79 عاما، تاركا وراءه صورة رجل حوار وكتابة رفيعة ومعرفة كبيرة بالتاريخ. كان الفقيد صحفيا وكاتبا ومؤرخا وسياسيا ودبلوماسيا ومحللا، مما جعله موسوعة فكرية، حيث كان حضوره وازنا في كل المواعيد الفكرية التي شارك فيها، لما توفر لديه من ثراء فكري ومعرفي لا مجال معه للنقاشات الجانبية والجدالات العقيمة. محمد العربي المساري ظل لأزيد من نصف قرن أحد المفكرين والكتاب المغاربة الأكثر إنتاجا وعطاء، حيث لم يتوقف عن العمل الصحفي الذي كان ميدانه الأول، بل تعداه إلى مجال البحث، دون إغفال نجاحه في المسؤوليات التي تقلدها، السياسية منها والنقابية والحكومية والدبلوماسية. فقد ميز الراحل زمنه بغنى وتنوع مساهماته في مختلف حقول الإبداع، وكذا بنضاله من أجل القضايا الثقافية والحوار بين التيارات الفكرية وكذا بين الحضارات، مع ميل خاص لتوثيق روابط الصداقة بين المغرب وجاره الأوروبي الأكثر قربا، وهو إسبانيا. ومن الشهادات التي صدرت في حقهº تلك التي باح بها الباحث والوزير سابقا عبد الله ساعف خلال الدورة ال34 لموسم أصيلة الثقافي (سنة 2012)، حيث أشاد بمسار الفقيد في عدد من الحقول الفكرية والسياسية، منوها بانخراطه التام في العمل السياسي بدءا من خطواته الأولى كصحفي بالإذاعة الوطنية ثم الوظائف العديدة التي أداها سواء داخل النقابة الوطنية للصحافة المغربية أو داخل المؤسسة التشريعية كنائب برلماني أو الجهاز التنفيذي كوزير للاتصال. وترك المساري بصماته في المشهد الإعلامي الوطني بمساهماته في إصلاح القطاع، إذ أنه وعلى الرغم من أن مشروعه الإصلاحي لم ير النور في المرحلة التي أعد فيها، فإن مقترحات عدة تضمنها المشروع تم الأخذ بها بعد ذلك، لا سيما القانون المتعلق بالصحافة وكذا تنظيم مجال الإشهار. وكانت بصمة الفقيد في المشهد الإعلامي واضحة أيضاº من خلال مشاركته في المناظرة الوطنية الأولى للصحافة، وكذا عمله من أجل استقلالية النقابة الوطنية للصحافة المغربية وتوسيع تمثيلية الصحافيين فيها بعد أن كانت إطارا يمثل فقط ناشري الصحف. وعبد الله ساعف الذي توقف عند النضال السياسي لمحمد العربي المساري، أثارته أريحية هذا الأخير في التمييز بين وظيفته السياسية وآرائه في عدد من القضايا المطروحة، مشيدا بما كان يتحلى به من رقي في المواقف وتشبث بالمبادئ. وفي موسم أصيلة، وردت شهادة أخرى في حق الفقيد، وجاءت على لسان الكاتب الراحل عبد الكريم غلاب، رفيقه في حزب الاستقلال، و التي كشف فيها عن إعجابه بمساهمات المساري وبعمق فكره وبقدرته على استباق الأحداث والتغيرات، خاصة في مجالي السياسة والإعلام. إن وفاة محمد العربي المساري، اليوم، تعني رحيل شخصية شديدة الاحترام بشهادة الجميع، شخصية ميزت زمانها بمواقفها الصريحة والواضحة. والفقيد المزداد بمدينة تطوان سنة 1936، بدأ مساره الصحفي سنة 1958 من الإذاعة الوطنية قبل أن يلتحق بجريدة (العلم) الناطقة باسم حزب الاستقلال والتي تدرج فيها وصولا إلى تقلد منصب مدير لها سنة 1982. وقبل ذلك، في سنة 1965 نال عضوية المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال مؤتمره السابع، ثم عضوية اللجنة المركزية في السنة ذاتها، لينتخب في سنة 1974 عضوا باللجنة التنفيذية للحزب. كما أن الراحل، الذي ترأس الاتحاد العام لكتاب المغرب لثلاث ولايات، مثل المملكة كسفير في البرازيل (1985-1991) قبل أن يصبح وزيرا للاتصال بين سنتي 1998 و2000 في أول حكومة للتناوب. وترأس المساري أيضا اللجنة الوطنية لإصلاح قوانين الصحافة والنشر، وكذا لجنة ميثاق أخلاقيات المهنة بوكالة المغرب العربي للأنباء. وصدر للفقيد العديد من المؤلفات، من بينها "معركتنا ضد الصهيونية والإمبريالية" سنة 1967، و"المغرب/اسبانيا في آخر مواجهة" (1974)، و"الأرض في نضالنا السياسي بعد الاستقلال" (1980)، و"صباح الخير أيتها الديمقراطية" (1985)، و"المغرب بأصوات متعددة" (1996)، و"المغرب ومحيطه" (1998)، و"محمد الخامس: من سلطان إلى ملك" (2009)، و"ابن عبد الكريم الخطابي من القبيلة إلى الوطن" (2012).