عندما يقع حدث معين لأول مرة، يجوز على إثره أن نسميه "حادث عارض"، وعندما يحدث مرة أخرى بشكل مغاير، أمكن أن نقول عنه صدفة. ولكنه عندما يتكرر بنفس الطريقة وفي ذات المكان والزمان، ففي تلك الحالة يصبح الأمر مفتعلا ومُحاكا بفعل فاعل. قبل سنتين وفي شهر رمضان تحديدا، تناقلت بعض المواقع الصحفية المغربية خبرا حول نشوب فوضى وهلع في صفوف المصلين بمسجد حسان بالرباط خلال قيامهم لأداء صلاة التراويح، حيث كانت الجهة المخصصة للنساء موقع الحادث الذي كان سببه هجوم جرذان على المصلين أثناء الصلاة. ولم تُلفت الحادثة آنذاك أينما انتباه اقتضى معه أي اهتمام، وذلك لاعتبارها كانت مثيرة للسخرية لدرجة أن هناك من كذبها وحسِب أنها مجرد إشاعة مغرضة، ليتبين فيما بعد عدم وجود أية جرذان أو فئران داخل المسجد، فبدا على سبيل الدعابة أن من وقف وراء إثارة هذه الحادثة بتلك الطريقة السفيهةة كان متأثرا بالفيلم الأمريكي "les rats". تشاء المصادفة الفريدة أن تتكرر هذه الواقعة بالطريقة عينها بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء أثناء إحياء ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان (ليلة القدر) لهذه السنة 1436 هجرية، حيث تناقلت الصحف ومواقع المنابر الإعلامية الإلكترونية أخبارا وفيديوهات حول وقوع هلع وفزع وصراخ وضجيج أثار مخاوف المصلين والمصليات بسبب فأر فاجئ سيدة كانت من ضمن المصليات في الساحة الخلفية للمسجد، مما خلف موجة من التدافع والهروب من قِبل المتواجدين بعين المكان تسبب في حدوث إغماءات وإصابات خفيفة عند بعض النساء، لتتناسل بعد ذلك التأويلات بين من أرجح سبب الحادث إلى اندلاع حريق ناتج عن مس كهربائي، وآخرين من ظنوا أنه هجوم داعشي، الأمر الذي اضطر تدخل أجهزة الأمن التي أفادت تحرياتها بعدم ثبوت أي شيء مادي يعرف منه سبب ما وقع، وهو ما أكدته إدارة المسجد في بيان خاص. إذا شئنا أن نربط حسب ما سلف بين واقعتي مسجد حسان بالرباط آنفا ومسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء ليلة السابع والعشرين من رمضان لهذه السنة، يبدو من خلال تشابه الواقعتين في نفس عنصري المكان والزمان وهما المسجد وشهر رمضان، وكذا تصوير الفأر كبطل لهذه القصة وكأننا أمام شريط كرطوني مخصص للأطفال الصغار، يبدو أنه ليس هناك أي تشابه بين الواقعتين على سبيل الصدفة فقط، وليس مرد هذه الواقعة حادث عارض، وإنما التشابه هنا مرده فعل فاعل وتدبير مدبر. الشأن الذي يقتضي معه طرح التساؤل التالي: ما هي الدوافع وراء إثارة الفوضى والفتنة في المساجد عند تجمعات المصلين لتأدية صلاة التراويح في شهر رمضان ؟ إن الجواب على هذا السؤال يتجلى في الآتي: هناك من لم يرقه الإقبال الهائل لحشود المغاربة على الصلاة يوميا بالمساجد في شهر رمضان الفضيل رغم كل المحاولات البئيسة لإبعاد الناس عن ارتباطهم بالدين، لهذا تم اختيار ليلة القدر للتشويش على هذا الإقبال الكبير لكونها أعظم ليالي السنة التي يعتبرها المغاربة فرصة خالصة لتجديد إيمانهم وتوجيه أدعيتهم لله عزل وجل، ثم حتى تكون وسائل الإعلام من جهة أخرى هي الناقلة لهذا التشويش. والدليل على ذلك يكمن في الفرضية التالية: لنتصور معا لو أن واقعة مسجد الحسن الثاني في ليلة القدر لم تحدث، -فلو أن هذه الواقعة لم تحدث بالفعل- كانت العناوين الصحفية الأبرز الخاصة بتغطية إحياء ليلة القدر بمسجد الحسن الثاني الذي يعتبر أشهر مساجد المملكة وطنيا ودوليا ستكون على هذا النحو "إحياء مئات الآلاف من المصلين لليلة القدر بمسجد الحسن بالدار البيضاء.." لذلك وحتى لا يتم تسليط الضوء إعلاميا على هذا المشهد الإيماني العظيم، وجب حسب ما تمليه وساوس الحاقدين على الإسلام، الدفع بمن يقوم باختلاق حادث غريب لجعل عامة الناس ووسائل الإعلام تتداوله وتتحدث عنه والتي عادة ما تقف معظمها عند نقل الخبر دون تحليل أو تمحيص، وعليه كان ما كان. وإذا شئنا أيضا أن نذهب أبعد من ذلك، ونربط هذه الواقعة المذكورة بما ظلت وسائل الإعلام الوطنية تتناقله من أخبار ومواضيع وأحداث طيلة شهر رمضان، وصنعت منها قضايا رأي عام، والتي كانت أبرزها قضية فتاتي إنزكان وواقعة الشاذ الجنسي بفاس، وبالأخص بعدما لم تأتي أخبار الإفطار العلني في رمضان من طرف شرذمة من الشباب الملاحدة بنتيجة..حيث بوضعنا لكافة هاته الوقائع في سلة واحدة مع الانتباه جيدا أن القاسم المشترك بينها هو اختلاقها في شهر رمضان، نستنتج أن افتعال هذه الأحداث وراءه دوافع محددة، ومن يظن غير ذلك فهو واهم، وهي تتلخص في التالي: أولا: صرف أنظار المغاربة وإلهائهم عن قضاياهم الحقيقية من قبيل (البطالة، الفقر، التهميش، تردي أحوال المعيشة، هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية...الخ) ثانيا: إفراغ شهر رمضان المبارك من قدسيته في نفوس المغاربة وإشغالهم عن التركيز في طقوس العبادة ثالثا: إفساد وتبخيس ممارسة المغاربة كشعب مسلم لشعائرهم الدينية في شهر رمضان كما هو الأمر معتاد عليه كل سنة. وختاما، إن أفضل قول أنهي به هذا الحديث، هو قول الله عز وجل في الآية القرآنية الكريمة : }وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} سورة الأنفال الآية 30.