يقول نيتشه "الأفعى التي لا تغير جلدها تموت قبل أوانها" عاش اليسار المغربي فترة حرجة في مساره السياسي، فبعد انتخابات 1998 في حكومة التناوب، التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، بدون ضمانات لليساريين، ساهمت في انتكاسة وحالة غير طبيعية من التشرذم والتشتت، ووضعية وحالة مقلقة تدفعنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول أسباب تراجعه وفشله في تحقيق مشروعه المجتمعي السياسي، بالنظر إلى العلاقة الجدلية بتعبير هيدغر، التي تربط حركة اليسار بالواقع المجتمعي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا، ومن خلال هذا الجمع يدرك اليوم أن اليسار المغربي يعيش أزمة متعددة الأبعاد وأصبح غير قادر على مواجهة هذا الأخطبوط النيولبرالي المتوحش والثقافة المخزنية التي مازالت سائدة في العديد من دواليب الدولة وأصبح عاجزا عن تطوير أدواته وآلياته وتجديد فكره وملائمته للواقع، حيث لازال يعتمد في أغلب الأحيان على التجارب التقليدية المتجاوزة، بل أصبح ساحة خصبة للتطاحن والتآكل والصراعات الهامشية المجانية. وهذا الواقع المؤلم لليسار، تجسد في الانتخابات الأخيرة، انتخابات 25 نونبر 2011، التي كانت بمثابة تسونا مي إسلامي " حزب العدالة والتنمية " زاد طينة اليسار بله، بعد احتلاله المركز الأول ب 107 مقعد، خولت له تشكيلة الحكومة مع كل من، " حزب الاستقلال " و " حزب التقدم والاشتراكية " و " حزب الحركة الشعبية " ، ويمكن أن نعزي هذا الزهايمر اليساري إلى الأسباب التالية : * وضعية اليسار اليوم، تتسم بالتفتت والتفكك والتشرذم والتراجع والاستقالة والعمل النخبوي، وغياب إستراتيجية بعيدة المدى، وتتمثل كذلك في فشله في تحقيق أهدافه وعدم قدرته على رم صفوفه وتجاوز خلافاته . * وضعية اليسار اليوم، أننا أصبحنا أحيانا أمام أحزاب إنتخابوية. * اليسار المغربي اليوم، فقد صلة التواصل مع الجماهير الشعبية وابتعد عنها، بعد أن كان صمام أمان بالنسبة للجماهير الشعبية وخاصة الفقراء منهم والطبقة العاملة، حيث ترك هذه الشرائح الاجتماعية الواسعة تواجه مصيرها، وتتعرض لسلبيات السياسات التفقيرية والتوجيعية والتهميش والإقصاء، مما أدى إلى ظهور انتفاضات شعبية عفوية أحيانا غير مؤطرة في العديد من المدن تدافع عن نفسها وتطالب بحقوقها في كرامة العيش، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر حركة 20 فبراير، حركة باراكا ،..... * اليسار اليوم ابتعد عن ماهو استراتيجي واختار الظهور في المحطات الظرفية والمناسبات كالانتخابات مما خلف لدى قاعدته وقواعده حالة من الارتباك والتطاحن والتآكل، بل أصبح اليسار في بعض الأحيان سجين أطروحات جاهزة واقعية لا تتلائم وخصوصية المغرب والتطورات والتغيرات التي عرفها المجتمع المغربي بفعل عوامل ومحددات اقتصادية وثقافية وبيئية وديمغرافية بل حتى أسرية . * اليسار اليوم أصبح عاجز على تنظيم الجماهير وغير قادر على بناء تنظيم يساري قوي ديمقراطي، نظرا لغياب الديمقراطية الداخلية و التداول على المهام والمسؤوليات والشفافية في التعامل وضمان حق الاختلاف وسيادة منطق المؤامرة السياسية، وبعثرة كل الأوراق من أجل مكاسب ظرفية سواء على المستوى السياسي أو النقابي، هذا إذا استثنينا مشكل الزعامة الحاضرة بقوة والمعرقل لتطور وحدة اليسار المغربي وفعاليته في المجتمع. * الشيخوخة الفكرية وغياب النقاش وسط فئات اليسار، وعدم القدرة على خلق نقاش حقيقي ينقد ماء وجه اليسار ويعيده إلى أمجاده، ثم البنية التنظيمية الهشة التي يتخبط فيها اليسار، هذا إذا استثنينا غياب النقد في صفوف اليسار من أجل التدارك و البناء. * ويمكن أن نقول أن اليسار المغربي قام بخطوات استباقية في مساره السياسي، أدت إلى تراجع مهول ، وما يمكن أن نصطلح عليه " سياسة شدان الصف" أن اليسار دخل في صحراء قاحلة مظلمة بدون مصباح ينير الطريق. ونخلص، من خلال هذه العوامل المتعددة، أن اليسار المغربي يعرف أزمة ما يمكن أن نصطلح عليه بالتيهان السياسي ، الذي أخرجه من الدائرة السياسية، اقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا، ثم وضعيته الداخلية التي تتسم بالتجزؤ والتفكك. والسؤال الذي ننتظر من الأيام القادمة الإجابة عنه، هل يمكن أن نقول: فات الميعاد يا يسار فات الميعاد ؟؟؟؟؟ باحث في العلوم الاجتماعية