إنه الفيلسوف الوجودي الملحد "جان بول سارتر" (1905 /1980) صاحب الجدار و الغثيان وما الأدب والعدم والوجود ونقد العقل الجدلي وغيرها من الكتب والدراسات ورافع لواء الالتزام في الفكر والأدب والداعي إلى تحرير الإنسان من فكرة الماهية تحدد الوجود إلى مبدأ الوجود يحدد الماهية فالإنسان هو مجموع اختياراته لا غير وهو مسؤول عن ذلك... ومن أراد الزيادة فكتبه مترجمة متداولة. 2- الشهادة المزيفة ولنبدأ الحكاية: في ربيع سنة 1967 سافر سارتر إلى فلسطين ولست أدري أسافر سياحة، أم بدعوة صهيونية؟؟ والراجح عندي الثانية. وقد امتلأ سمعه وبصره بمعاناة الفلسطينيين أنينا ودماء، كما انه شاهد ولا شك استعداد مضيفيه لحرب العرب التي خرج الصهاينة منها وقد شبعوا انتصارا وارتووا انتشاء بقيادة امرأة اسمها كولدا مائير في مواجهة رجل اسمه جمال عبد الناصر.
وحين تزود بما قدر له من زاد عاد إلى فرنسا وكتب متبرعا بشهادته الزائفة في مجلته "الأزمنة الحديثة" وهي مجلة صهيونية التمويل والتوجه. كتب قائلا: بأنه لا توجد هناك أي جريمة على الإطلاق؟؟؟؟. وهذا أمر مدهش وصادم، فالمفكر الوجودي الملتزم و.. و.. يشهد شهادة الزور.
لماذا سكت عن الحقيقة؟ هل كان هناك ما يهدده؟ قطعا لا. فقد وقف ضد سلطات بلاده بكل حدة وجلادة كمنافسه ألبير كامو حينما كانت فرنسا تستعمر الجزائر وتحصد أرواح المسلمين ظلما وعتوا، وكتب كتابا يقطر عنوانه بمعانيه "عارنا في الجزائر".
وقد كان بإمكان السلطات الفرنسية قمعه بتهمة الخيانة أو بأي شكل من الأشكال، ولها من باقي المثقفين المأجورين معين وظهير. بل إنه في كتابه "عاصفة فوق السكر" واجه أمريكا أثناء حملتها الهمجية على فيتنام وكان باستطاعة المخابرات الأمريكية أن تلقنه درسا في الصمت المؤقت أو الأبدي؛ ولكنها لم تفعل ربما لأن للفيلسوف حماية ابتدأت منذ توليه رئاسة مجلة الأزمنة الحديثة التي هي من إنشاء وتوجيه اللجنة الثقافية التابعة للصهيونية العالمية؟؟ 3- الصمت المطبق إذن فقد صمت عن مأساة الفلسطينيين بعد ما رأى وسمع اختياريا وهو نفسه المفكر الوجودي الملتزم بقضايا الإنسان الذي قام بزيارة إلى كوبا في فبراير 1960 مع سيمون دي بوفوار والتقى الرئيس الكوبي الثوري وعدو أمريكا فيديل كاسترو وتطوع في جامعة هافانا لمحاورة الطلبة حيث قارن بين الثورة الكوبية والثورة الفرنسية والروسية كما وأنه كان يملأ الدنيا صراخا عن التزام المفكرين تجاه القضايا الإنسانية فقال في احد كتبه حول الشاعر بودلير مخاطبا الكاتب أي كاتب "أنت مسؤول حتى عن الجرائم التي لا تعلم بها" ما أروعها من كلمة. فأين وقع كلماته تلك أمام جرائم الصهاينة في فلسطين؟ وما موقف وجوديته الإنسانية.. والإنسانية جدا.. أمام إعدام الوجود الفلسطيني فوق أرضه وتحت سمائه؟ لماذا لم يلتق قادة الجهاد الفلسطيني ولماذا لم يصرخ في جامعة فلسطينية صرخة الحقوق الفلسطينية والتحرر العربي؟ أليس هذا هو سارتر المناضل الذي أعطى دروسا للآخرين بأن باع جريدة لا قيمة لها على أرصفة الشوارع تضامنا مع رئيس تحريرها الذي اعتقلته السلطات الفرنسية وهو من هو؟ أليس هو سارتر الذي كان يؤمن بأن الآخر هو الجحيم والمقصود بالآخر هو من يسلبك وجودك المادي أو المعنوي؟؟ فماذا عن الجحيم الصهيوني الذي لا تزال نيرانه تتقد إلى الآن بل إن أحداث غزة التي عاينها سارتر بعينيه في ربيع 1967 قبل هزيمة العرب بشهرين أو اقل هي نفسها يتكرر جحيمها في شتاء 2008 /2009 وتظللها نفس الهزيمة رغم الانتصار الممنوح للسادات سنة 1973 وهو انتصار مُنح لتكريس الهزيمة وتوسيع مسام الجلد العربي لمزيد من ضخ سموم التطبيع والتركيع؟؟ كل ذلك يجعلنا نعيد تقويم موقف سارتر تجاه الجزائر لنتساءل من جديد هل كان موقفا نابعا من صميم الالتزام بالقلب والعقل؟ أم حركة ديماغوجية سياسية أطلقها كما أطلقها آخرون كانوا يرون أن استعمار فرنسا للجزائر لم يعد مرغوبا فيه بل هو يعيق بتبعاته الثقيلة في العتاد والأنفس مسيرة فرنسا نحو التقدم والازدهار، أي لا بأس بأن يتركوا عظم الجزائر بعد أن عرقوا العظم وامتصوا النخاع؟؟؟ أم كان ذلك مجرد اندفاع حماسي لمنافسة خصمه وصديقه اللدود ألبير كامو وغيره من المثقفين الفرنسيين؟ كل ذلك له نصيب من الحجة خاصة وأن سارتر الذي رفض جائزة نوبل الصهيونية سنة 1960 هو نفسه سارتر الذي ابتلعها سنة 1964. 4- عشق الصهيونية فأين الثبات على المواقف الذي هو السمة الأساسية للكاتب الملتزم؟ ترى هل يكون لذلك أثره على مواقفه من الصهيونية والقضية الفلسطينية؟؟ ربما ولكن المؤكد لدي أن سارتر قد مات وفي نفسه من عشق الصهاينة ما فيه. لقد ودع الفانية ولم يشف من حب الصهيونية بعد. فإن ذكرنا أحد بما سبق من نضالاته وانه خصص عددا من مجلته الأزمنة الحديثة لكتاب يدافعون عن القضية الفلسطينية رددنا عليه بأن حب الصهيونية يجُب ما قبله ويكفي لمن في نفسه تردد أن يقرأ مقالته التي حررها في سنة 1944 بعنوان "حول المسألة اليهودية" وكفى بها بلاغا مبينا ولعلها تكون من وحي عشيقته اليهودية سيمون دي بوفوار مسنودة بالمخرج الفرنسي كلود لانزمان صاحب الفيلم الوثائقي "الهولوكست" وعاشق الصهيونية.