شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موروكو مول: الداخل إليه حالم والخارج منه مستيقظ من منام
نشر في أخبارنا يوم 13 - 12 - 2011

موروكو مول يفتح بوابات غواية التسوق وملذاته في وجه عموم المغاربة
الداخل إلى موروكو مول كالشخص الذي أغمض عينيه وغاب عن عالم الحس والواقع ليفتحهما على عالم آخر كله صور وغواية لا مفر له من الاستسلام لنداءاتها. مدة الزيارة لحظة خارج الزمان المغربي الذي يغادر حكمه الحسي المعيش مباشرة بعد تجاوز ضريح سيدي عبد الرحمان، واستقبال العين لتلك النداءات التي تدعوه إلى الاستعداد للانتقال من وجوده العادي، اليومي. حافلة “موروكو مول” على كورنيش الدارالبيضاء، كتب عليها نداء كله غواية “زوروا الحلم”. تتكرر عبارة “الحلم” وكذا “الأحلام”. تعاود الظهور لتلتقطها العين وترسخ في البصر “مقاهي تروي الأحلام”، “الموضة في حلة الأحلام” أو “الموضة كما في أحلامك” والبقية تأتي..
السادسة مساء. نشرت ظلمة الليل سلهامها الأسود على المحيط الأطلسي. الطقس بارد هذه الأمسية، ووحده هدير الأمواج تلتقطه الأذن خارج فضاء المول. فجأة انطلق المشهد الراقص. مياه النافورة ترقص على نغمات أغنية كلوريا إستيفان. الماء يرقص ويتمايل كأنه تمرن بما فيه الكفاية على مرافقة المغنية الكوبية. يتصاعد عاليا مُنارا إلى عنان السماء على إيقاع “كورسون كي سْوِينْيَا”. القلب الذي يحلم. يسبح في الأحلام. هو حال جمهور النافورة الموسيقية. أخذه الوَجْد وسرق منه انتباهه واحترازه. إذن لا مانع من أن يرقص الجمهور ويسعى إلى مضاهاة الماء. تنقص البنات الراقصات على الإيقاع اللاتيني الإنارة فقط، حتى تكتمل الفرجة على جنبات البحيرة.
“حنا مغارْبا والصواب لازم”. انتهت الأغنية ومال الماء جهة هدوء البحيرة فصفق المتفرجون، ثم انسحبوا في اتجاه المدخل إلى المول. رحلة أخرى كلها خيال في خيال.
المول قبل السادسة
الثالثة ما بعد زوال الأربعاء الماضي. المغاربة يحبون الحياة كلما استطاعوا إلى حبها سبيلا. يستمتعون بما تجود به عليهم. ها هي قد جادت عليهم هذه المرة ب”المول”. حتى المرأة السلفية استسلمت للغواية، وما أدراك ما الغواية. لم يمنع الخمار المرأة الشابة من الاستمتاع باللحظة المنفلتة من حكم الزمان. شغلت كاميرا هاتفها المحمول وانطلقت في تخليد ذكرى الاكتشاف. غيرت برنامج جهازها الإلكتروني وتحولت إلى مصورة فوتوغرافية على الطريقة الرقمية من فضلكم. استوت في موقعها بين البحيرة المائية المطلة على المحيط الأطلسي، ومقهى VENEZIA ICE ورصيف المقهى الأخرى SECOND CUP. ضروري أن تفوز بصورة فوتوغرافية تخلد أول زيارة لها للمكان الفريد من نوعه. ردت على الصورة بالصورة. تركت وصايا السلف الصالح ولائحة الممنوعات والمحرمات التي ابتدعتها شرعا ما أنزل الله به من سلطان، ونزلت عند رغبات الذات التي لا ترحم. لا عجب، ولم تأتِ منكرا. فقط احتفت باللحظة الخيالية.
علق ضابط الشرطة على المشهد قائلا “المكان يحكم الناس”، ثم أردف وهو يطمئن على قطع لباسه الأنيق “دير ليهم حاجا زوينا يحترموها ويتمتعو بيها واخا يكونو خوانجيا”. الكافرون والكافرات بالعالم المعاصر يسلمون بالمكان وأحكامه. الحمد لله على نعمته. أشار ضابط الشرطة إلى أنه أنهى آخر مهمة في الصباح الباكر قبل شروق شمس النهار، وأنه حضر فقط للاستجمام واكتشاف هذا العالم الجديد كأيها الناس. ترك المرأة الأفغانية، وانتقل، دائما في سياق احترام الجميع للمكان وطقوسه الاستثنائية، إلى ذلك السلوك المديني العادي المتمثل في رمي الأزبال في الحاويات الخاصة بمصيرها النهائي.
الدهشة والغواية
علامات الدهشة بادية على ملامح المستخدمات المكلفات باستقبال الزوار. البنات الجميلات غير مصدقات أنهن يوجدن حقيقة داخل هذا العالَم الخلاب. تغلب البنت الجميلة ابتسامتها. تسبقها. يزيدها الماكياج بهاء. ابتسامتها سلاحها الوحيد في مواجهة الموقف الذي لم تكن تحلم بأنها ستكون طرفا فيه.
تلتقط طبلة الأذن عبارة “ممنوع التدخين داخل المول من فضلكم”. يسلم المدخن بالحكم الذي أصدرته محكمة الصوت النسائي الناعم. ينسى غواية السيجارة ومفعول النيكوتين. يتنازل عن متعة التلذذ بإشعال سيجارته، ويستسلم للاستمتاع بما يجود به الفضاء من صور ومشاهِد أكيد أنها ستستوطن بصره إلى الأبد.
أشعة الشمس تتسرب من سقف المول الشفاف لتشمل المكان بنورها النهاري الهادئ في هذا اليوم من آخر شهور الخريف. يخال السقفَ كأنه فضاء مفتوح مباشرة على السماء. يلتقط البصر النور النهاري، ينضاف إلى مفعوله النيون. هو الانبهار. هذه هي الكلمة التي تسمي الإحساس باللحظة وما تتلقاه العين وهي تستقبل المفاجأة تلو المفاجأة. رد فعل اللسان عبارات تخلد انطباع الدهشة “تبارك الله.. هاد الشي كلو زوين”. دليل هذا الادعاء الثريات وهي تتدلى من السقف لأكثر من خمسة أمتار وأجزاؤها تتلألأ في أعين الناظرين إليها في الطابق الذي يسمح بهذه الرؤية. أما الآخرون الساهون عنها فتتدلى فوق رؤوسهم وهم جالسون للاستراحة على مقاعدهم الوثيرة وقد استدارت بهم الجلسة وتحلقت على تلك الأريكة الدائرية. المعذرة إن لم تكن الفصحى في المستوى وقد خانها التعبير لتلقط المشهد في تفاصيله الدقيقة وبمسمياته الحقيقية. الحدث يحتاج فعلا إلى لغة مغربية جديدة في مستوى تحدياته.
الممر الوثير بمحاذاة الواجهة الزجاجية. الموكيط الناعم يدعو القدمين إلى ملامسته. تمنى لو كان حافي القدمين وبلا جوارب حتى يستمتع بهذا الاتصال الاستثنائي بالبساط مباشرة بعد HARMONT ET BLAINE.
عالم آخر. رائع. “غير دخلت ليه حسيت خاسرين عليه الملاير”. لا بأس من استدعاء تجربته الشخصية وهو سائح في بلد أوروبي. حكاية تستحق المتابعة باهتمام “مشيت لواحد بحالو ف بلجيكا”. يقصد «المول»، ثم استرسل يحاول التقاط انفعاله الداخلي والتعبير عن رد فعله وهو داخل عالم مول الدار البيضاء “هادا احسن بزاف خاصك تكون معاك خارطة باش ما تتلفش”.
صورني.. نصورك
المناسبة تستحق والديكور يساعد. عينه على العدسة مباشرة ويستعين بحركات متأنية من يده وهو يطلب من ابنه أن يستوي في وقفته ويستند إلى البيانو. صار الأب مصورا فوتوغرافيا يتفنن في إخراج الصورة حتى تكون في مستوى اللحظة المندة عن الوصف. لم يمهله الحارس المسؤول عن سلامة الجهاز من كثرة اتصال الأجساد الآدمية به. تدخل بأدب كبير طالبا عدم العبث بالآلة الموسيقية النفيسة وقد استوت قبالة FENDI على بعد خطوة من الثريا الأخرى وقد تدلت من السقف كأنها تسعى إلى ملامسة الأرضية في الطابق الآخر.
“صحصح انت في فناجين” مقاهي المول أشكال وألوان. للزبون حرية الاختيار والاختبار “حتى واحد ما شد ليه يديه وهو وجيبو”. لا مانع من أن تُشَغل البنت الهاتف المحمول لتلتقط صورة لرفيقها وهو يستمتع بقهوته.
الأطفال أحباب الله. كائنات بريئة بالفطرة. لا يعرفون النفاق ويأخذون نصيبهم من متعة اللعب دون لف أو دوران. تحاول أيديهم التقاط الصور وهي تنساب على الشاشة التي امتدت على الأرضية. يعملون دون جدوى على إلقاء القبض على الصورة وهي تنفلت من بين أيديهم لتحل محلها صورة أخرى في لمح البصر أو رمشة عين بالمغربية. شاشة أو بساط يبث الصور. شاشة صدرها رحب، ولا مانع لديها من استقبال الأقدام البشرية الصغيرة والأيادي الناعمة وهي تسعى جاهدة دون جدوى إلى الفوز بالاحتفاظ بصورة من الصور المنسابة. لا يعنيهم أن الشاشة الأرضية المسطحة والمستوية تحت أقدامهم وأيديهم، تعرض الوصلات الإشهارية قبالة أكواريوم الأحلام العملاق.
أكواريوم الأحلام
الصور تحلو وتطيب رفقة باقات الورود البيضاء. اعذروهم. سرق منهم المول انتباههم. بعد صور الذكرى، يقصدون أكواريوم الأحلام. يسيرون وهم نيام. يُشَغِّلون حواسهم الأخرى، عينهم الباطنية، ليكتشفوا تفاصيل هذا العالَم الآخَر القادم إليهم من دواخلهم العميقة والغابرة حيث تعتمل الرغبات وتنتظر الفرصة المواتية لتطفو على السطح. إنها الغواية وحاشية سلطانها المشَكَّلة من الانبهار والاستسلام وفقدان القدرة على المقاومة.
حرية أخرى في عالَم آخر ومغاير لعالَم الناس وهم يوجدون في اليومي العادي ومتطلباته الحسية. لا حرج عليهم فهم يحلمون، ولن تسري عليهم قوانين الحس وأحكامه إلى أن ينتبهوا من أحلامهم خيرا وسلاما. لا عجب، ولا داع إلى الاستغراب. الأكواريوم يجذب أبصار المعجبين والمعجبات. الكبار والصغار تسمرت أنظارهم على شاشته الزجاجية. أبصارهم على الأسماك وهي تسبح في بحره بين الصخور كأنها تلهو وتمرح في عالمها المائي.
الصور مطلوبة لتخليد اللحظة الاستثنائية. تتحرك الهواتف المحمولة. تشتغل أجهزتها المخصصة للتصوير الثابت والمتحرك. لا فرق بين جمهور المتفرجين التحتانيين والمتفرجين الفوقانيين. يوحدهم الانبهار، ويجمع بين شتاتهم الاستمتاع باستثناء اللحظة.
الفرجة ما زالت تعد بالمزيد من المفاجآت. إذن لا داعي إلى التحرك من المكان. كائن ما أولج قدميه العجيبتين وتجاوز بهما سطح الأكواريوم. حدث ما يرتسم في الأفق. “بلاتي حتى نشوفو آش غادي يطرا”. قدمان تتدليان من السطح. تلاعبان الماء وتغازلانه. “بلاتي.. غادي ينزل”. فرصة أخرى لفرجة لم تكن تخطر على البال. غطس أخيرا في أعماق الحوض، يحمل قارورة يحركها كأنه يرش السمك بماء الزهر. إنها أكلة سمك الأكواريوم. حان موعد وجبة غذائه فغطس المشرف على تغذيته، وانطلق في توزيع الوجبة على أسماكه التي تنوعت أشكالها واختلفت أحجامها. العجيب أنها تجمعت حوله كأنه واحد منها، وتبعته في أسراب تريد الفوز برزقها المكتوب. تتسابق السمكات. كل سمكة تسعى إلى الحصول على نصيبها. عاشت الفرجة، ولا حرج إذا انفلت الانفعال من الرقابة والاحتراز، وافتضحت حالة الانبهار. لا مانع من التصوير فهو ضروري. لم تنس الشابة ذات اللباس الجلدي الأنيق في سواده اللماع، أن تلتفت إلى الديكور الخلفي حيث محلات ملابس moa و celio ودون أن تغفل عن تخليد GALERIES LA FAYETTE في ذاكرة فيديو تيليفونها.
إنه الانتقال من عالم الحس والواقع إلى عالم الخيال والصور. تصير العين أداة التعرف وحاسة الاتصال بهذا العالم الجذاب. تسكنها الرغبة في تملك الموضوعات. في اقتنائها والحصول عليها ولو في الصورة. لذة أخرى. بل متعد لا تضاهى. حتى الرجل السلفي بلحيته الشعثاء وجلبابه، استسلم لغواية التصوير. أخرج هاتفه وانطلق في تسجيل اللحظة ولم ينس رفيقته في اللحظة. لا فرق بينه وبين أي شخص آخر بلا لحية ولا جلباب دخيل على الملبس المغربي التقليدي. عاشت الحداثة والمول يوحد الجميع. إلى حين.
أكواريوم الأحلام دعوة إلى الوجود في الماء مع الأسماك. مغادرة الخاصية الآدمية والانتقال إلى الوجود في الماء كما توجد الكائنات المائية، ولا خوف عليكم لن تفقد الأنوف والرئات خاصية استنشاق الأوكسجين النقي ودون حاجة إلى قارورات الأوكسجين كما هو حال الرجل الضفدع. يتوسط المصعد الماء ويتداخل الآدميون والسمك كما في أفلام الخيال العلمي. ترتسم علامات الدهشة على الوجوه، وتمسك الطفلة الصغيرة بتلابيب لباس أمها، تبتسم ثم تصرخ ولا يصل الصوت إلى سَمْع الجمهور الغفير كأنها في فيلم صامت لكن بتقنيات رقمية عالية الدقة. المغامرة الخيالية تستحق خمسة وعشرين درهما للكبار وعشرين درهما للكتاكيت الصغار.
الفرجة.. دائما الفرجة
المصعد حق مشاع ومرحبا بيكم. في الطابق الثالث آراك للمطاعم. اللي تلف على الطريق؟ خارطة المول الإلكترونية رهن إشارته. فقط عليه أن يكون من المدمنين على استعمال التكنولوجيا المتقدمة. انقلب الإبن إلى أستاذ، والأم صارت تلميذة نبيهة وهي تتابع خفة الطفل في استعمال الجهاز كأنه تدرب على الولوج إليه قبل القدوم إلى المول! عاشت الحداثة مرة أخرى.
الفرجة مستمرة السريان فما زال الرجل الضفدع يسبح داخل عالمه المائي المسيج بالزجاج من كل الجهات. يطمئن على أسماكه. لا غرابة فهو المسؤول المباشر عن تغذيتها. يلاعبها بيديه ثم يرافقها في حركاتها كأنه يقلدها أو يسعى إلى مضاهاتها في وجودها المائي. يتابع الذين توقف بهم المصعد عن عمد وسبق إصرار، حركاته البهلوانية. فرجتهم الخيالية الخاصة بهم بعد أن دفعوا ثمن الاستمتاع بها في انتظار انطلاق المصعد إلى سطح الحوض، ومنه إلى باقي الطابق الثالث. يغبطهم الجمهور الآخر خارج المنظر المائي. أما موقع “الديدجي” وعُدته ففي الانتظار قبالة سطح الأكواريوم. ربما الأمسية واعدة بالمزيد من الفرجة ونشاطها. هادي يالاه الربْعا ونص ديال العشيا. باقي الوقت.
الحياة جميلة
اللي ما شرى يتنزه ويسقي عينيه. الحياة جميلة. البيانو ما زال يجذب عشاقه ويغويهم بأخذ الصور. ليس هناك بيانو دائما رهن الإشارة. إذن صوِرْني أُصَوِرُك. لا تنس باقة الورد الأبيض العملاقة. صورني حداها حتى هي. الحياة جميلة مرة أخرى، والمغاربة يحبونها كلما استطاعوا إليها سبيلا. أما السير على الموكيط فإحساس آخر ومتعة للقدمين. شكرا المول.
مرحبا بعشاق المثلجات في هذا الطقس الخريفي البارد مباشرة خلف محل DIOR .
قال “ها لافناك”. رد عليه رفيق جولته “دزنا من حداها غير ما شفتيهاش”. اكتفى بالتعليق على رد رفيقه “ما دّيش عليا.. هاد الشي كتر عليا”. الكتب ثم الكتب. حسب التخصصات من فضلكم. السيديهات ثم السيديهات والدي في دي. حتى العناوين العربية متوفرة. القرآن الكريم أيضا. جناح الموسيقى رهن إشارة كافة الأذواق. سمع قبل ما تشري. السمّاعات رهن الإشارة. تصنت للروائع المغربية حتى واحد ما منعك.
“ماكزان دو ليكس”. قالت عارفة بالمكان، ثم أردفت موضحة أن الأرضية المحاذية للرواق تتميز بالموكيط الوثير دلالة على المرتبة التي يتميز بها داخل المول. أضفت المرأة الأنيقة التي يسبقها أدبها أن كل طابق من المول يتوفر على رحى دورانه. له محركه ومركز إثارة انتباه زواره. لا داعي للوقوف عند قاعة السينما البيضاوية ذات الأبعاد الثلاثية. هناك النافورة الموسيقية وأكواريوم الأحلام. رواق لافاييت. دون نسيان المدينة القديمة بطبيعة الحال.
ما بعد الخامسة مساء
تجاوزت عقارب الساعة الخامسة مساء. ارتفعت الحركة في المدخل الرئيسي. حشود الزوار تتدفق على مقربة من قاعة السينما بيضاوية الشكل. يدفعهم حب الاستطلاع واكتشاف عالم المول. اكتظت الطوابق بزوارها، وزادت الأنوار من حدة الغواية، ومن أرهقته الجولة ولم تعد قدماه تستطيعان حمله فصالون الراحة في انتظار ضيوفه.
أكواريوم الأحلام اشتغلت إنارته فصار منظرا آخر. ارتفع عدد المنبهرين به. حتى الرجل السلفي اندمج في الحدث، ولم يتردد في الاستعانة بالتكنولوجيا المتقدمة وهو يطلب من ابنته التي لم تتجاوز عامها الثالث، أن تلتفت جهته وتنظر إليه مباشرة حتى يلتقط لها صورة واضحة تخلد لحظة وقوفها أمام الحوض التحفة. اكتفت الكتكوتة بالاحتماء بتلابيب لباس أمها الأفغاني. في جميع الأحوال عاشت الحداثة.
الكلون العملاق الواقف على قدمين طويلين يجذب اهتمام الأطفال أمام متجر mothercare. فجأة توقفت مكبرات الصوت عن بث الأغاني والقطع الموسيقية. لا صوت يعلو على صوت مؤذن المول. آذان صلاة المغرب ينبعث من “جامع المول”. “فين كاين الجامع؟”. “ف المدينا القديما”.
المول مغربي
يقول النداء “تعالوا للتعرف على عيشور”. “واش راجل عيشورا؟!”. لا داعي إلى التهكم من فضلك،”عيشور” واخَّا راسو كبير وف شي شكل، ليس شخصا عاديا. عيشور شخصية مهمة داخل المول. عيشور، ولا فخر، ينطق بلسان المول. يقدم البرامج ويُعَرِّف بالمنتوجات المعروضة في المتاجر. منشط استثنائي. ينفتح على الزبائن ويتقرب منهم. زيادة على أنه محبوب من طرف الأطفال. لا غرابة في ذلك فهو صديقهم.
مدخل المدينة القديمة تزينه الأقواس وأواني الفخار. إحساس خيالي كأنك حقيقة في مدينة مغربية عتيقة بأزقتها ومحلات قيسارياتها. إنه عبق المدن المغربية العتيقة. يزداد الإحساس بذلك العبق وتتضاعف حدته حين تلتقط الخياشيم رائحة الملابس والأثاث المصنوع من الجلد. إنها رائحة الذباغة كأنك في فاس أو مراكش.
لن يشعر الزائر بالغربة. المدينة القديمة منظمة على شكل قيساريات. في قيسارية الدهايْبيا أسرت امرأة لرفيقة جولتها “زوينا تبارك الله”. في قيسارية الثوب والألبسة المغربية التقليدية، تستقبل الزوار على إيقاع الدقة المراكشية، بنت ترتدي قفطانا أسود وشابا اختار له المول جلبابا أبيض. إنهما المساعدان على الاقتناء. اللي باقي ما عوْشرش حتى الفاكْيا كايْنا.
مباشرة بعد القيساريات الكوتشي رقم 55 يزين البهو. “فين كاين الجامع آبنتي؟”. ردت ذات القفطان الأسود “غير سير شويا من هنا وغادي تلقاه”. جامع المول له باب واحد يلج منه الرجال والنساء، ثم يتوزع الجنسان على جناحين.
انطباع لابد منه
ما زال التردد سيد الموقف. الزوار يقبلون على المشروبات والأكلات الخفيفة والمثلجات. ينبهرون مشدوهين أمام أكواريوم الأحلام. يرافقون النافورة الموسيقية في رقصات مياهها المشمولة بالأنوار. يستثمرون كل لحظة للتعبير عن حبهم للحياة ومسراتها. السلفيون في موروكو مول هم أيضا يحبون الحياة. المرأة الأفغانية من حقها أن تسترجع أنفاسها على الأريكة المريحة. هدَّتْها الرحلة الخيالية في عوالم لم تكن تصدق أنها ستسقي عينيها بمفاجآتها التي لا تخطر على البال.
هي لحظة الاكتشاف والتعرف عن قرب. يحتاجون إلى الوقت. المزيد من الوقت حتى تتوطد الصلة بالمول، وتنسج الألفة خيوط روابطها المتشابكة.
في جميع الأحوال. الناس داخل المول نيام غارقون في الأحلام وصورها، وإذا غادروا المول انتبهوا من نومهم وصور أحلامهم، وعادوا إلى عالم الحس والواقع المعيش على الكورنيش…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.