ممّا تعارف عليه كثير من المسلمين أنّهم كانوا يخرجون زكاتهم في هذا الشهر المبارك، ولهذا دأب العلماء وطلبة العلم والخطباء على تخصيص هذا الشهر ببيان أحكام ومسائل الزكاة، ومن الموضوعات الّتي ينبغي التّنبيه عليها موضوع التحايل على الزكاة. والتحايل إمّا أن يكون إسقاطا لوجوبها أو أخذا لها، وسوف نبيِّن بعض الأحكام المتعلقة بهذا الموضوع من خلال مسائل. المسألة الأولى: التهرب من دفع الزكاة رتَّب الشارع على التهرب من دفع الزكاة عقوبات دنيوية وأخروية، وهي تختلف باختلاف قصد المتهرب من دفع الزكاة، فإذا كان التهرب عن اعتقاد سيئ، يتمثّل في جحود فرضية الزكاة عوقب المتهرب من الزكاة في الدنيا بعقوبة الردة. وهي: القتل إذا أصرّ على ذلك ولم يرجع عن اعتقاده السيئ في هذه الفريضة، كما فعل أبو بكر الصديق مع المنكرين لفريضة الزكاة، وقد قال: ''والله لأقاتلن مَنْ فرّق بين الصّلاة والزّكاة''. وأما العقوبة الأخروية التي تلحق جاحد الزكاة فهي البعد عن الجنّة والخلود في النّار لأنه أنكر معلوماً من الدِّين بالضرورة. وإذا كان التهرب عن أداء الزكاة راجع إلى البخل والشح دون الجحود والنكران، فإن المتهرِّب مِن دفعِ الزّكاة يعاقب بعقوبة أخروية، تتمثل في العذاب الأليم الذي يلحقه في الآخرة، والذي ورد في قوله تعالى: ''وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ'' آل عمران.180 وقال تعالى: ''وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ × يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ'' التوبة34، 35، وقد فسَّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك بقوله: ''ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلاّ أحمي عليه في نار جهنّم؛ فيجعل صفائح فتكوى به جنباه وجبهته، حتّى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار'' رواه مسلم. وأمّا العقوبات الدنيوية الّتي رتّبها الشارع على التهرّب من دفع الزّكاة بخلاً فهي دفع الزّكاة قسراً، فإذا امتنع المزكي عن أداء الزّكاة بُخلاً أخذت منه جَبْراً عنه، ولو بحد السيف. قال صلّى الله عليه وسلّم: ''أُمرتُ أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم إلاّ بحق الإسلام وحسابهم على الله'' رواه مسلم. ثمّ فرض عقوبات مالية وبدنية. والعقوبات المالية التي يمكن فرضها على مانع الزّكاة بخلاً مأخوذة من قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''ومَن منعها فإنّا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربّنا'' رواه أحمد، وأما العقوبة البدنية فقد دلّ عليها قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَطْلُ الغني ظُلْم'' رواه البخاري ومسلم، وفي رواية ''لَيُّ الواجد ظلم يُحِلّ عِرضه وعقوبته'' رواه أحمد. المسألة الثانية: الاحتيال لإسقاط الزّكاة قبل وجوبها وهنا تكاد تتفق كلمة العلماء في ذم المتحايلين لإسقاط الزّكاة قبل وجوبها، وما روي عن بعضهم في جواز ذلك فلعل مرادهم أن الحيلة تنفّذ قضاءً لا ديانة. ولهذا ذهب المالكية والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفية إلى تحريم التّحايل لإسقاط الزّكاة قبل وجوبها، وأنها واجبة في ذِمّته مع الحيلة، بدليل قوله تعالى: ''إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ × وَلاَ يَسْتَثْنُونَ × فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ × فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ × فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ'' القلم17، 21، فعاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصّدقة، لأنّهم لمّا قصدوا قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبتهم بنقيض قصدهم.