لا توجد إحصاءات رسمية ترصد بدقة التجاوزات والمخالفات التي يرتكبها وسطاء وسماسرة الأعضاء البشرية في المغرب. إلا أن واقع الحال، واختلاف القصص والحكايات التي يرويها عدد كبير من ضحايا هذا النوع من العمليات، يكشف الكثير من أسرار عمل هذه الشبكات وطريقة اشتغالها، واستغلالها بؤر الفقر لصيد المهمشين والفقراء واللاهثين وراء رغيف الخبز. هل الفقر والحاجة مسوغان كافيان لبيع الأعضاء البشرية؟ أم إن غياب بنك للأعضاء وانعدام ثقافة التبرع هما المسؤولان عن ذلك؟ هل هذه العمليات لا تعدو أن تكون مجرد ممارسات متفرقة؟ أم إن الأمر يتعدى حدود ذلك إلى وجود مافيا خارجية تقف وراء هذه التجارة؟ أيجري العمل بالقيود التي وضعها الشرع والقانون في هذا الصدد؟ أم تبقى مجرد تشريعات صورية؟ أسئلة وأخرى طرحتها «أسرة مغربية» لتسليط الضوء على هذه الظاهرة التي تمارس في الظلام.
باع كليته ليبني مستقبله؟! لم يكن الجشع هو دافعه لبيع كليته، لكنها صدمات الحياة المتتابعة هي من جعلته يستغني عن إحدى كليتيه مقابل المال، «عرضت كليتي للبيع مقابل 400 ألف درهم في البداية، لكنني لم أتصور أنني سأحصد ضعف هذا المبلغ»، هكذا استهل خالد حديثه الذي انتقى كلماته بعناية، مخافة السقوط في شرك الحقيقة الكاملة، لأنه أبى أن يمدنا بالتفاصيل الكافية المتعلقة بعملية البيع، كما رفض إمدادنا برقم هاتف الوسيط، أو أية وثيقة طبية تؤكد خضوعه لعملية الاستئصال، اللهم ندوب الجراحة البادية على جسده. انتشر خبر رغبته في بيع كليته في حيه كالنار في الهشيم، إلى أن جاءه رجل صبيحة يوم الاثنين يدعى عبد الرزاق، وعرض عليه مبلغ 600 ألف درهم مقابل كليته، التي قدمها عن طيب خاطر بأحد مستشفيات القاهرة، حيث أجريت له عملية الاستئصال، قدم له نصف المبلغ بعد يومين من تعارفهما، حتى يتسنى له القيام بالإجراءات الخاصة بالسفر، ووعده بالباقي بعد العودة شريطة التزام الصمت، «وقت العملية أحسست أنني مجرد فأر وقع في المصيدة، إذ كانت نظرات الطبيب الجراح غريبة ومقززة، وبالفعل أجريت العملية بنجاح وتسلمت بقية المبلغ بعد عودتي إلى المغرب». خالد ذو 30 سنة يتمتع الآن بصحة جيدة، وتمكن من رد ديونه وشراء محل تجاري، بعدما كان عاطلا لا يملك ثمن كراء شقته التي تحتضن زوجته وأبناءه الثلاثة، ولا حتى تأمين لقمة العيش.
طبيب يحرض على بيع الكلى سيارة، شقة، سفر وسهرات متواصلة، كلها أوقعت أحمد في مصيدة الديون وجعلته يفكر في حل يخلصه من كابوسه المرعب، بعدما اقترض من البنك مبلغ 280 ألف درهم لتلبية الكماليات التي لهث وراءها كالمجنون. «كان البنك يقتطع 70 في المائة من راتبي الشهري، فبدأت تتصاعد وتيرة مشاكلي، والديون حاصرتني من كل جانب، إذ لم يكن لي أي دخل آخر... كدت أصاب بالجنون، فقررت وضع حد لحياتي وذلك بالانتحار، إلى أن أرشدني شخص إلى طبيب سيقدم لي المساعدة ويمكنني من فك أزمتي المادية». التقى أحمد بالطبيب الذي أعاد الأمل في أوصاله ورسم البسمة على محياه. لكن، المسكين لم يتصور قط، أن يضحي بجزء من جسمه مقابل ذلك، فما كان منه إلا أن قبل عرضه المتمثل في 700 ألف درهم مقابل بيع كليته خارج المغرب دون تردد، مادام المبلغ سيمكنه من حل مشاكله المادية المتأزمة. قصة الشاب أحمد تختلف عن قصة خالد في بعض التفاصيل، لكن يوحدهما الغموض الذي يلف العملية، وامتناعهما عن ذكر تفاصيل البيع والشراء، التي تمكن من ضبط مرتكبي هذا الجرم ومعاقبتهم قانونيا.
باع فص كبده فندم.. أما عبد الله الذي غادر قريته الصغيرة نحو الدارالبيضاء، رغبة في الحصول على عمل يدر عليه رزقا قارا ويمكنه من معالجة ابنته من السرطان، فقد واجه صعوبات عدة، أودت به في نهاية المطاف إلى قبول عرض بيع فص كبده بمبلغ لا يتعدى 300 ألف درهم، «تعرفت على رجل حكيت له فاقتي وقلة حيلتي، فاقترح علي الموضوع، الذي قبلته على مضض بعد تردد طويل، لأنفق نصف المبلغ على مرض ابنتي التي فارقت الحياة سريعا». لا يحتمل عبد الله نظرات المجتمع إليه، فالكل اتهمه بالجشع والطمع بعد إقدامه على بيع فص كبده، لكن، ما يؤرقه أكثر هو خوفه من عذاب الله، بعد بيعه شيئا ليس ملكه.
تقتات من دمها؟! مليكة 39 سنة، فقدت الأمل في الحصول على منصب شغل، وبعدما علمت أنه بإمكانها جني المال من دمها بدأت تواظب على بيعه بشكل دوري مقابل 400 درهم. «لا أظن أن هناك شيئا يمنعني من فعل هذا، فالدم دمي والجسد لي، إضافة لحاجتي الكبيرة للمال لأداء سومة الكراء، فما أجنيه من التسول لا يكفيني مطلقا لتأمين لقمة العيش». اكتشفت مليكة بالصدفة لدى قيامها بالتبرع بالدم أول مرة من خلال حديث الممرضات، أنه يمكنها أخذ مقابل عن دمها، لتدأب على القيام بذلك فيما بعد، ورغم بنيتها القوية، إلا أن بائعة الدم لا تكون دائما في حالة تسمح لها بذلك، فقد أصبحت تتعرض في الآونة الأخيرة للإغماء المتكرر، ما جعلها تعيد النظر في تجارة الذهب الأحمر. سرقوا كليتي دون علمي.. وفي واحدة من القصص الغريبة، يروي أبو إيمان الذي اكتشف عن طريق الصدفة، أنه تعرض للسرقة بعد إجراءه لعملية جراحية، يقول: «أجريت عملية إزالة الزائدة الدودية منذ ثلاث سنوات، في أحد المستشفيات الجامعية، وكانت الأمور تسير معي بشكل جيد، إلى أن بدأت أشعر بمغص وآلام حادة في بطني، وبدأت الصفرة تعلو وجهي، فكرت في معاينة طبيب لأكتشف أنني أعيش بكلية واحدة فقط، وأن العملية التي أجريتها لم تكن لإزالة الزائدة الدودية بل لاستئصال الكلية... لقد سرقوا كليتي دون علمي».
اقتلعوا عيني زوجتي.. أما حسن 45 سنة، فله قصة أخرى مع مافيا التجار بأعضاء البشر، حيث يروي قصة زوجته التي توفيت منذ سنتين، يقول: «كانت زوجتي تعاني داء السكري، وحدث أن ارتفع مستوى السكري في دمها، فأصيبت بتعفن في عينها اليمنى وبعد سلسلة من الفحوصات، قرر الطبيب المختص إجراء عملية جراحية لاستئصال عينها، لأفاجأ أنه اقتلع الاثنين معا، بسبب تلف العين الأخرى كما ادعى».. لم يقتنع حسن بالكلام الطبيب، ليبدأ مسيرة بحثه عن حق زوجته، فطرق أبواب جمعيات عديدة، بعدما تعذر عليه متابعة المستشفى الخاص الذي أجريت فيه العملية قانونيا، خاصة بعد وفاة الزوجة.
أغراه بعقد عمل ليسرق كليته.. أما سعيد، 25 سنة، الذي لم ينجح في الحصول على وظيفة قارة رغم حصوله على الإجازة في الدراسات الإسلامية، جعله يفقد الأمل في تحقيق أهدافه، ففكر مرارا وتكرارا في الهجرة نحو الخارج، إلى أن أتيحت له فرصة العمل في مصر، لكنه فوجئ بالشخص الذي قدم له عقد العمل، يطلب منه إجراء بعض الفحوصات الطبية والتحاليل كجزء من إجراءات السفر. وبعد خضوعه للفحوصات أخبره الطبيب بأن لديه حصوة في الكلي تحتاج جراحة لإزالتها قبل السفر، وطمأنه الرجل أن الجهة التي سيسافر إليها ستتحمل نفقات العملية.. على أن يسددها بعد سفره، وافق الشاب على الأمر وأجرى الجراحة، وبعد أسبوع ونصف من خروجه من المستشفى بدأ يشعر بإرهاق شديد وعدم قدرة على الحركة، وبعد استشارته لطبيب آخر أخبره بأن العملية التي أجريت له عملية استئصال كلية وليست إزالة حصوة.
سوق سوداء لتجارة الأعضاء البشرية في ظل انتشار الفقر والهشاشة الاجتماعية والفساد وغياب الرقابة الصارمة، وتغييب الضمير المهني والأخلاقي، أخذت تجارة الأعضاء البشرية تزدهر وبدأ نطاقها يتسع في الآونة الأخيرة، ليشمل صفقات «بيع وشراء الأعضاء» و «تجارة الذهب الأحمر» أو بيع الدم بمقابل مادي و «سماسرة الجثث المفقودة» للأشخاص الذين فارقوا الحياة لظروف مجهولة إما عبر حوادث