هناك من يُمارسها علينا. بها يبتزُنا و يجعلّ منا قروداً لا تبحث عن الموز، هَمّها الوحيد هو الخبز. الجملة أعلاه واحدة من فلَتَاتِ لسانه الكثيرة. فعدد زلات لسانه "المقصودة" بعدد نجوم السماء حين يكون الجوّ صحواً، و هذا لا يُحرجُه لأنه كما قال ذات يوم: " أن من يصوتون عليه لا يقرؤون الجرائد". جعل منهم أشباح، تستيقظ كيّ تبحث عن خُبزةٍ مبللة في عرق الذل و العبودية. و من قال إن العبيد قد إنقرضوا، فليزر ضيعاته و ضيعات آخرين وسيرى عبيد القرن الواحد والعشرين. من نطق بها ليس طفلاً صغيراً ينسُجُ علاقته الأولى مع النُطق، ولا تلميذ إبتذائي يستأنس باللغة وتراكيب الجمل. فحتّى تلاميذ الصّفِ الأول أبانوا عن عدم عجز، ولكم في صاحبة "الأرنبات وداكشي.." خير مثال. ليس بسكيّر لعبت الخمرة برأسه فصار يُحذِفُ بالكلمات على هوى الخمرة. و ليس ببائع يقتعد الرصيف بحثا عن لقمة عيش تحت الشمس. إنه رجل أعمال و برلماني و شخصية نافذة في حزب. رجل حَكَمَ المنطقة طيلة سبعون سنة، كأن أرحام النساء فيها عاجزة عن ولادة غيره. يندهُه مريدوه "بالحاج عليّ قيّوح". حكاياته كثيرة مثل حكايات جحا، الفرق بينها أن حكايات جحا نوادر نقصها للعبرة، وقفشات "السّي علي" نكبات على المنطقة و أهلها. إليكم الحكاية: المنطقة تدعى "هوارة"، هكذا يعرفها الكثيرون. لكن التسميّة تختلف حسب الأشخاص. أهلها يسمونها " أربع وربعين" تيّمناً بالمسافة الفاصلة بينهم وبين مدينة أكادير. و لدى المومسات و مُستوردي الحوامض "هوّارة". المومسات يعرفونها بهذا الإسم لأن أعيّان المنطقة يزورون الحانات و في جلابيبهم رائحة البرتقال. ولدى سائقي "الطاكسيّات" و المثقفين و الصحف هي "أولاد تايمة". هل أُمّنا كان إسمها "تايمة"، هذا ما لم يجبنا عليه التاريخ. حين تحُلّ بالمنطقة ستجد أن ألسنة الناس لا تتداول سوى إسمين إثنين يتناوبان على كل شيئ. على رئاسة المجلس البلدي، على قهرنا و إستغبائنا. على مصّ عرق الكادحين و بيع الوهم للرثون، و يتنافسون أيضا على منح كرماتهم للناس. "السّي علي" ينصب خيمته كل سوق أسبوعي يوم الخميس و يوّزع كؤوس الشاي، و خبزاً مدهونا بالزيت. و "بودلال" يوزع اللبن على الساكنة كل جمعة. هنا لم يعودوا بحاجة للمال كي يشتروا الناس، يكفيهم فقط أن يشبعوهم في بطونهم الجائعة كي يضمنوا التصويت عليهم. فهمّا قد فَهِمَا رسالة الحسن الثاني حين قال "جوّع كلبك إتبعك"، و طبقوها على من تضمُّهم المنطقة بين ظهرانيّها. يحكي بضع شبان من أحد الدواوير أن "السّي علي" زارهم ذات يوم بملعب رياضي. الملعب كان أشبه بمعسكر تدريب للقاعدة. منهار الجدران و أرضيته مليئة بالحصى والشوك. علامات البؤس مرسومة على مُحيّا من يلهثون خلف الكرة، يلعبون لا لكي يحافظوا على سلامتهم البدنية، إنهم يطاردون الكرة كي يطردوا سموم الحشيش والكيف المُعشِّشة في أجسادهم، فلاشيئ يفعلونه سوى أن يُدخنوا. يدخنون كي يخففوا قليلاً من مآسيهم. نصب "السي عليّ" خيمته. و نظر لللاعبيّن الحُفّاة، وفي لحظة أمسك مكبر الصوّت و صار يخطب فيهم خطبته العصّماء: " أيها الرثون، يا حثالة المجتمع. سأبني لكم ملعباً و سأغطي أرضيته المتربة بالعشب، سأجلب لكم لاعبين دوليين (من الخارج)، و سأبني لكم "دُوشَّاتْ" لتغتسلوا من عرقكم كي لا تذهبوا لزوجاتكم برائحة النتانة". لم يقلها بلغة عربية. قالها بدارجة مشوّهة. ضحك البعض من سخرية الرجل، و أشعل الآخرون سجائرهم فهم يعلمون أن وعوده مثلها مثل دخان تلك السجائر... تتلاشى. كانت حملته الإنتخابية تلك مثل مسرحية هو بطلها و مُخرِجَها، ومن يخطب فيهم، هو في الحقيقة، "يَحْطُبُ" منهم أصوّاتهم الإنتخابية . الناس في تلك الدواوير يسكنون الكهوف، و هو سيفرش لهم الملعب عشبا، و سيستقدم لهم لاعبين بعيّون خضراء. النعاج هنا لم تعثر على العشب ككلأ و سيجدونه هم كي يلهثوا فوقه. كان يضحك على عقول الشباب، صار أضحوكة بين الناس بلغته تلك. يعتقد أننا لازلنا نعيش عصر الظلمات. حيّن كان البشر يصدق أي شيئ.... التتمة في المقال القادم.