القراءة كنز ، جزر و مرافئ ، بر و بحر ، جنة في الأرض كما في السماء ، رحلة العمر و استكشاف للخرائط و ماء الأعماق ، استنطاق للنقش على الحجر و على آماق البصر . حرية مستدامة ، صلاة و طهارة ، اعتراف و تبتل ، طاعة و عبادة ، زكاة و صوم و شهادة ... هي المبتدأ و الخبر و الليل و النهار ، الأيام و العبر ، هي الأغاني و الأماني و العلوم و الأشعار . هي سير المتقدمين و قصص المتأخرين . هي الشاهد على الملل و النحل و الوقائع الغريبة ، هي الأشكال و البنى ، هي الصورة و الخفاء ، هي التجلي ... من هنا كان أول الدرس ، أول درس في القراءة يشهد على الإنسان أن ليس له إلا ما قرأ ، فهي الزاد و الملاذ ، في القصر كما في الغار ، و في الفصول و خارج الفصول ، في القاعات و الساحات ، في المساجد كما في الكنائس .... وهو الدرس الذي لا يكتمل ، يأبى أن يكتمل ، يبحث في المقروء كما في القارئ ، عن اللب و العمق و الغور ... و من هنا انطلقت السفينة تشق موج البحر اللجاج المتلاطم طورا و الساكن الهادئ طورا آخر ، تبحث في الزرقة و الماء عن الأسرار ، أسرار الأرض و السماء .... هكذا تمضي السفينة تخترق الحدود و تهدم السدود ، ترفع الأشرعة و الرايات ، تنقذ الغرقى و تنتشل الهالك و المغبون و تقود الناجين إلى بر الحياة . تعود بهم إلى الدرس و أيام الفصول ، تذكرهم بأول العناوين و بأول التاريخ ، بأولى الجمل و الكلمات ، بأول صوت و بأول فرحة و بأول دهشة ، تعود بهم إلى أول موعد مع التاريخ. هو درس القراءة لا غير ، يسمح بالولوج إلى العوالم الممكنة و السباحة في النهر المتجدد دوما ، بعيدا عن الماء الراكد و البرك الآسنة . يدعوك إلى الاحتفال و الاغتناء ، ينادي فيك الإنسان الحي الخالص ، المشارك في دورة الحياة ، على هذه الأرض .و على هذه الأرض ما يستحق القراءة ، و على هذه الأرض ما يستحق النجاة.