لقد تخطت الجريمة بالمغرب في الآونة الأخيرة كل المقاييس و التوقعات ، إذ تطورت و إتخذت أشكالا متعددة ، لم تعد عشوائية كالسابق بل غدت منظمة يتم الإعداد لها وفق تفاصيل دقيقة تسمح لمرتكبيها القيام بأفعالهم الإجرامية و هم متأكدين أنه لن يتم التعرف على هوياتهم ،و ذلك في ضل ما تعانيه البلاد من نقص في انتشار الوحدات الأمنية و عدم تمكنها من تغطية كل الأزقة و شوارع المدن ، فهل ياترى بشاعة ما نراه و نعايشه له علاقة بالتطورات الإقتصادية و الإجتماعية التي تعرفها بلادنا ؟ و هل تقوم الجهات الأمنية المسئولة عن حماية المواطن والمجتمع و السهر على راحته بالدور المنوط بها ؟ أصبحت النفس البشرية تخشى عل نفسها التورط في وحل الرذيلة و التعلق بأذيال الجريمة دون توقع ، لأن بشاعة مانراه و نعيشه بشكل يومي جعلنا نتوجس خيفة من أن يلحق بنا الأذى في غفلة منا و من إدراكنا ، فقد عاينا بأم أعيننا وأسماعنا الأرواح التي فارقت الجسد بفعل خنجر طائش ظل طريقه فأصاب هدفا غير ذاك الذي رسم له اختراقه ،أو بفعل جرعة زائدة في مخدر ما كان الظن وراء أخذها الانسلاخ للحظات عن عالم يعيش داخله التهميش والإقصاء لتكمل الروح طريقها إلى بارئها ، و كم من نفس و تحت لواء تصحيح المعتقدات والنهوض بالمجتمع ذهبت سدى بعد أن تم التغرير بداك الفكر الساذج ليستخدم كقنبلة حية متحركة تفجر نفسها و من يليها دون أن تتمكن من إكتشاف بشاعة الظلم الذي لحق بها و بغيرها. و قد تابع الرأي العام على إمتداد سنوات و مازال بشاعة جرائم القتل العمد مع تشويه الجثث و التمثيل بها ، فلا أحد منا نسي سفاح تارودانت الذي أخرص تلك الأرواح البريئة النقية ، كما لن تبارح أفكارنا شناعة ما إرتكبه أحد أباطرة المخدرات على مستوى مدينة الناظور، حيث أنه و بالإظافة إلى ترويجه لتلك السموم القاتلة و إهلاكه لإقتصاد البلاد عن طريق تبييض الأموال ، إمتدت يداه إلى أحد أبناء عمومته ليسكته بصورة إقشعرت لها الأبدان ما فتأنا نتذكرها بمرارة و حسرة ، و ما هذه الجرائم إلا نقطة في بحر ما تعرفه مدننا و تعانيه عقولنا من خوف و ترقب لكل ما قد يتربص بنا في غفلة منا . و ليس لنا أن نتجاهل الأسباب الكامنة وراء تزايد وتيرة الجريمة ، فأغلب مرتكبيها ينتمون إلى الأحياء الشعبية و الأسر الفقيرة ، كما أن التهميش الذي طال الطاقات الشابة و الذي زج بها في دائرة الحرمان و الضياع جعلها تولي وجهتها صوب تعاطي الممنوعات و الإتجار فيها لتحاول الخروج من واقع الفقر و العوز ، دون أن تدري أن هذا الدرب ما هو إلا جسرا سيؤدي بها إلى غياهيب الجريمة بعد كان يتربص بها إلى أن ذهبت إلى شباكه طائعة ، لتجر في أذيالها طاقات شبابية لو تم إدماجها و ما يليق بكفاءتها لما وصلت حالها إلى عالم الإنحراف هذا و لكانت لبنة بناءة لها دور فعال في إغناء بلدها و محيطها عوض ما آلت إليها حالها بأن أصبحت وحوش بشرية ، دون أن نغض الطرف على أن بلادنا تعرف نوعا من النقص على مستوى الإنتشار الأمني من الناحية العدية لأفراد الشرطة ولا بد أن تبدل جهود إظافية حتى يتم تغطية كل المناطق التي تستقطب هذا الشباب المنكسر. لقد دأبت الحكومة في هذه الحقبة الأخيرة على إدماج أفواج متتالية من حراس الأمن فهل هذا الإمداد العددي التي عرفته صفوف حراس الأمن أتى بأكله و نشر بعضا من ظبط النفس ؟ و هل العقوبات الزجرية التي يواجه بها القضاء مرتكبي هذه الجرائم كان لها دور في تراجع نسبة الجريمة ؟ و مؤسساتنا السجنية أفعلا تقوم سلوك هذه الفئة لتصبح متأهبة لتستطيع العيش بعيدا عن الجريمة و تصبح منتجة ؟ و هل حماية الأفراد هو فقط منوط بأفراد الشرطة أم أننا كجزء لا يتجزأ من هذا المجتمع يتوجب علينا أن نحرص على سلامته بأن نربي أبنائنا تربية حسنة مبنية على احترام الأخر و تقدير حياته و النهوض ببلاده لنحافظ على نظافة أزقتنا ومدننا من هذا السم الهدام الذي يهدد حياة كل واحد منا ؟