يقال "لكل بضاعة سوقا و لكل صائح صدى" ، و انطلاقا من موضوعة ان الانسان غير كامل في بنيته و في فكره فكيف يعقل ان يكون نتاجه كاملا و بالأخص المنتوج الفكري كالمذاهب و الايديولوجيات ... موضوع مقالي هذا جاءت فكرته بالأساس يوم كنت ذاهبا الى احد الاجتماعات برفقة صديقة لي و من بين المواضيع التي تم تناولها، الانتماءات و المذاهب و تمت مناقشة اشكالية العلمانية، رغم فقري في الالمام الدقيق للمذاهب الكثيرة و المترابطة فيما بينها ... و اني لأمقت من كان شيئا واحدا و تعددت تسمياته، كانت لي افكار متناترة غير متصلة فيما بينها، و بعد بحث جدي رتبت افكاري لتتشكل على شكل مقالي هذا، الشباب والعلمانية . اول ما سيتبادر الى ذهن القارئ لماذا بالضبط العلمانية و هل هي مقتصرة على الشباب فقط ؟ قبل ان ابدأ، اذكر انني لست بصدد الدفاع او البرهان على صواب او خطأها بقدر ماهو تشخيص للواقع المحيط الذي يتسع رقعته، واختياري للشباب فهو لسبب بسيط، اذا كانت قوة مجتمع ما تقاس بعامل التقنية و عامل النمو الديمغرافي ثم العامل الجغرافي فانى سأضيف عامل ثقافة الشباب و مدى تقارب و توحد مذهبه الفكري، و لاني ايضا شاب يحاول ان يجد نفسه في خضم هذا الكم الهائل من المتناقضات و المتشابهات، اما اختياري للعلمانية فايضا لسبب بين لاننا نلحظ مدى تفشي احدى الجوانب المهمة لهذا المذهب، من تحلل اخلاقي و فكري و ديني و صيروته نحو المادية و الابتعاد عن كل ما هو روحي بنفيه و الايمان المطلق بعدم وجوده و السفر في كل بقاع الجسد ملبيا مطالبه الغريزية، و هذا تجلي واضح للعلمانية، ان لم نقل هدفه بالأساس و ان كانه ثوبه براق اذا أنه للوهلة الاولى يبدو قويا جدا على المستوى السياسي و الاقتصادي. دعنا نذكر بتعريفها و بنشأة العلمانية و ظروفها، ان العلمانية و اليسارية غدت من بين اكثر الثنائيات حضورا في تداولاتنا و في نقاشاتنا بل اكثر من ذالك فهي تحضر في جميع المذاهب و ان لم نقل تتوافق مع مذاهب اخرى كالشيوعية عندما تحارب الدين علانية. نتاج غربي مائة بالمائة ذاك الغرب العظيم اليهوي، النصراني، والالحادي مضيف اغلب و اقوى المذاهب ان لم نقل كلها، و لاننا في لحظة انهزام نفسي و فكري نلوذ بنتاج الغرب هذا معتقدين انهم سفينة النجاة، في انهبار تام اصبحنا نتقبل كل شيء، هذا المذهب لم يقم على حب الدين بطبيعة الحال بل ان اسباب ظهوره تبقى في الأساس الرغبة في الانفلات من قبضة رجال الدين آنداك و تاريخهم المليء بالمغالطات و الميوعة و الفساد التي تمظهرب في السيادة المطلقة للكنيسة باعتبارها
المنبع للعلم و المعرفة و المقرر الوحيد، اذ يمكن اعتبار ان الانطلاقة كانت من انحراف الديانة النصرانية، ثم الظروق القاسية التي عاشتها اوربا من قبل الكنيسة . ان التعريف المتداول لدى الشباب عن العلمانية انه فصل الدين عن الدولة فقط، بعد كل البعد عن هذا وهذا تعريف ذكي يقصي الدين بطريقة سلسة و يعود مصطلح العلمانية بمعناه الحديث حيث عرفها الكاتب الانجليزي هوليوك على انها "الايمان بامكانية اصلاح حال الانسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الايمان سواء بالقبول او الرفض " هذا التعريق البسيط في مظهره و العميق في قضيته القيمية و قضيته المعرفية هو تعريف فرعي الا انه القى بضلاله على الناس، اما التعريف الشامل فهو شامل لجميع المجالات التي تعنى بشؤون الانسان بمنظار العقلانية المادية التي تشييء كل المجالات، و هنا اقصاء تام للدين عن طريق حصرالدين و جعله مسألة متربطة بالفرد له الحق في ممارستها كما يشاء. سأعترف بشيء لقد ارعبني هذا ما وجدت من امتدادات لهذا المذهب، وخير وسيلة لمجابهة هذا العدو الفكري، هو ان يثقف الانسان نفسه و يصنع حصنا منيعا لمثل هذه الافكار من ان تتسرب و يتشبع بها، و في الاخير يجب ان نشير ان مسالة الانسان لسيت منحصرة في مادة و انما هو اعمق بكثير و يتجاوز هذا لتشمل الروح، الهوية، التوازن الداخلي، السعادة، الخير...