الإرهاب ظاهرة وبائية، اختص بها هذا الزمان، وموضوع الإرهاب من المواضيع الشائكة في الفهم والمناولة والدراسة والتحليل، إذ يتداخل فيه السياسي والاديلوجي، والفكري والتربوي، والديني، والظاهر والباطن، وما يرى وما لا يرى، وما يفهم بما لا يفهم.؟ إن الإرهاب في هذا الزمان كالغول في الزمان القديم، شيئ مرعب مرهب، شبحه مخيف، وصوته مزعج، وضرباته موجعة، وآثاره تصل حد الكارثة، لكنه لا يرى حتى يمكن إلقاؤه في السجن أو الحكم عليه بالإعدام، انه كائن حرامي وابن سفاح، يصعب تحديد هويته كما تصعب معرفة هوية أبناء الحرام، غير أن من أبناء الحرام من تعرف أمه وان جهل أبوه الحقيقي وتوزعت التهمة على عدة آباء. إن خريطة العالم والإسلامي منه على وجه الخصوص تعرف بؤرا متوترة بفعل صراخ الإرهاب ( ابن السفاح ) العراقفلسطينباكستان افغنستان إيرانسوريا اليمن الصومال ليبيا تونس المغرب اسبانيافرنسا وباقي المناطق من هنا وهناك. لكن المتتبعين للقلاقل في اغلب النقط الساخنة مما ذكر وما لم يذكر، يجدون أُماً ملطخة اليد بالدماء، مشبوهة الشرف، مصدرة مواد الدمار الشامل، نجسة العرض كنجاسة أم اللقيط. وبحكم هذا التلطيخ بالدماء في اليد والعرض، أصبح الدليل يصرخ أن أمريكا هي أم هذا الإرهاب. إذن: و بعد معرفة الأم الراعية الرؤوم بقي ان نسأل: كم لهذا الابن المشبوه من آباء، وما أوصافهم وما سماتهم؟ لعل محكمة التاريخ تصدر حكما بالإدانة مدى الحياة فيحل السلام. إن للإرهاب خمسة آباء، بعضهم أسوأ من بعض، وبعضهم أقبح وابغض من بعض، وبعضهم اقدر على الإنجاب والتفريخ من بعض . الأب الأول: الاستبداد من طرف الحكام، هذا الاستبداد المتمثل في كثير من المظاهر والمناحي والنواحي، قمع الحريات، الحكم بالسجن مدى الحياة، التسلط على الرقاب، احتكار الثروة، تسخير العباد ومرافق وموارد البلاد.! تكميم الأفواه، الانقلاب على صناديق الاقتراع، التواطؤ مع الأم المشبوهة أمريكا وأخواتها للتدخل في الشؤون، وبناء القواعد العسكرية ورسم المخططات. الأب الثاني: الإعلام الموجه من طرف الحكام والمؤسسات والشركات واللولبيات، إعلام يغسل الدماغ ويشكل العقول ويحشوها بالفراغ ويدغدغ العواطف ويعلم الجريمة والسطو والرعب والاغتيال، ويمسخ الشخصية ويمحو ملامح الهوية ويعلم الجرأة والقدرة على الخراب. الأب الثالث: الفساد، بوجوهه الثلاث، السياسي والأخلاقي والمالي، لعب ومكر وزور في الأول، وقاحة وصلافة في الثاني، وبيع وشراء في الذمم، ورشوة، وقمار واحتكار في الثالث. الأب الرابع: الفقر، أو بالأحرى التَّفقير والتجويع والتهميش والتشريد، وكفى بها أوصافا لا تلد إلا الإجرام. الأب الخامس: الجهل أو التجهيل، تعليم مغشوش، تربية غير بانية، إعداد جيل مجهول الملامح جاهل المصير. إن هذه العوامل إضافة إلى الأم أمريكا رأس الشيطان ماذا يمكن أن تنتج غير شباب ناقم متمرد جاهل تستوي عنده الموت والحياة.؟ إن معالجة هذه الظاهرة الهوجاء، لا ينبغي التعامل معها بردة الأفعال من استنكارات وبيانات ومسيرات واعتقالات وسجون ومتابعات، وإنما هي كمثلها من الظواهر الاجتماعية أو المرضية أو..... يجب أن يجتمع المفكرون والأكاديميون وعلماء النفس والاجتماع، لدراستها وتحليلها ومعالجتها ومعرفة الأسباب الحقيقية الخفية، دون الوقوف على السطحيات و محاولة إلصاقها بالدين والتدين والمتدينين. إن الواقع اثبت ولا زال يثبت أن الإرهاب صناعة وتصدير! منه ما تصنعه الدول وأمريكا على رأسها ومنه ما تصنعه الأنظمة كذريعة لتصفية المناوئين والمنازعين والمنافسين، ومنه ما تصنعه الجماعات المؤدلجة دينية وغير دينية، ومنه ما تصنعه المخابرات التابعة لهذا الجهاز أو ذاك، أو هذا اللوبي أو ذاك أو هذه المؤسسة أو تلك. إن أمريكا ومن يدور في فلكها رفضت الدعوات والنداءات التي نادت بعقد مؤتمر عالمي لتحديد مفهوم الإرهاب، وما ذلك إلا خوفا ومكرا كي لا تحدد المفاهيم وتحرر المصطلحات فتجد نفسها مكشوفة أمام العالمين. إن تعريف الإرهاب ببساطة وبدون تفلسف، هو ترويع وقتل الآمنين، وعليه إذن: فمن صنع دولة إسرائيل ومكن لها حتى تحتل فلسطين بشرذمة اللقطاء اليهود وتروع أهلها وتشردهم، وتزج بالآلف منهم في غياهب السجون.؟ من الذي قطع البحار ليروع البسطاء في أفغانستانوباكستان واليمن والصومال؟ من الذي ملأ معتقل كوانطانامو بآلاف المختطفين وسامهم سوء العذاب .؟ من الذي اعد العديد من السجون والمعتقلات السرية في شتى بقاع العالم بتواطؤ مع الأنظمة العميلة حتى يغيَّب فيها الأحرار والمجاهدون، إن الصليبية الجديدة تعرف كيف تحرك زوبعة في فنجان وتجعل من الحبة قبة ومن الفقاعات مفرقعات ، حيث إن في كل يوم تموت المئات بسبب الإرهاب سواء الطائش الأهوج، أو الرسمي المنظم، ولم يتحرك ساكن في حين قتل في فرنسا زهاء عشرة مأفونين وقامت الدنيا ولم تقعد! كأن قتلاها من الملائكة وقتلى غيرها من الشياطين، حيث في نفس اليوم مات في لبنان نفس العدد ولم يتحرك شيئ،! لا من طرف الصليبين ولا من طرف حكام العرب سواء الذين حضروا في باريس أو الذين لم يحضروا. أخيرا: حين يصبح حاميها حراميها، وحين يمسي الخصم هو الحكم وتنقلب الموازين ، تنكشف اللعبة، بأن بعض هذا الإرهاب معلب مصمَّم مصنوع، تصنعه العاهرة مع أخدانها الحكام لتتستر عن ولدها ولدِ السفاح. وللذين حضروا مسيرة باريس من حكام وممثلي الدول الإسلامية (والرسوم الساخرة من رسول الإسلام عليه السلام تظللهم وتسير معهم) أقول: لقد سقط قناعكم ، وأشكل عليكم أن تجيبوا: هل انتم ضد الإرهاب أم ضد رسول الله، وتحية للمغرب الذي ألهمه الله الحكمة والصواب.