صدر حديثا، عن دار الكتاب الجديد المتحدة في بيروت، مؤلف جديد للأستاذ الحسين بنو هاشم بعنوان "بلاغة الحجاج ... الأصول اليونانية"، يتقصى بلاغة الحجاج في العصور الإغريقية القديمة التي سبقت عهد الفيلسوفين أرسطو وأفلاطون. والكتاب، الذي يقع في 384 صفحة من الحجم المتوسط، في الأصل أطروحة دكتوراه أنجزها الباحث تحت إشراف الأستاذ محمد العمري ضمن وحدة البلاغة الجديدة والنقد الأدبي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط. وقد انصب عمل المؤلف في هذا الكتاب على دراسة الأصول النظرية لبلاغة الحجاج عند اليونان، فتناول هذه البلاغة منذ نشأتها في صقلية، مرورا بتطورها في أثينا على يد السفسطائيين ومعلمي صناعة الخطابة، إلى أن استوت نسقا نظريا على يد أرسطو، وهو "النسق النظري الوحيد الذي عرفه تاريخ بلاغة الحجاج إلى حدود العصر الحديث، والذي لا تشكل بلاغة الحجاج الحديثة سوى امتداد له"، كما يقول الكاتب. وحدد الكاتب المراحل التاريخية للتراث الخطابي اليوناني في ثلاث "هي مرحلة النشأة في صقلية التي شهدت المحاولات الأولى لتقعيد الخطابة القضائية، ومرحلة تبلورها ونموها على يد السفسطائيين ومعلمي الخطابة الذين عالجوا القضايا المتعلقة بتحديد مجال الخطابة والبحث عن الحجج وأجزاء الخطبة والأسلوب، والمرحلة الأرسطية التي ستنتظم فيها الخطابة نسقا نظريا" (ص 17). هكذا، يتعلق القسم الأول من الكتاب بالخطابة قبل أرسطو، وقد تضمن فصلا أول تناول نشأة الخطابة، وفصلا ثانيا تناول الخطابة الأثينية قبل أرسطو، فيما يتعلق القسم الثاني بنظرية الخطابة الأرسطية، وضمنه فصل أول انصب على التصور الأرسطي للخطابة من خلال ستة محاور، وفصل ثان خصصه الكاتب لشرح مضامين كتاب الخطابة لأرسطو من خلال ثلاثة مباحث (الإيجاد والأسلوب والترتيب). جاء في تقديم الأستاذ العمري للكتاب "تناول هذا الكتاب المهاد التاريخي والنظري لمبحث الحجاج (...) إنه حفر في تربة بلاغة الحجاج قبل أرسطو وأفلاطون، ثم عرض مفصل لتصورهما. خصص الباحث القسم الأول من أطروحته لبلاغة الحجاج قبل أرسطو، في حين تناول في القسم الثاني التصور الأرسطي الذي يعتبر صياغة نقدية خاصة لجهود من سبقه. وقد اعتمد في معالجته مناقشةó الآراء المختلفة في الموضوع وترجيح ما يراه راجحا منها. أتاح له هذا التوجه الحواري، خاصة في القسم الأول، إعادة النظر في مجموعة من المسلøمات المتداولة في المجال العربي حول محاضن نشأة الخطابة وتطورها، في حين غلب التعريف والعرض والتصنيف على القسم الثاني، وذلك تبعا لاختلاف طبيعة القسمين". وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد الأستاذ العمري، الخبير المعتمد لدى اللجنة الوطنية لمنح الاعتماد (في الدراسات العليا والدكتوراه) التابعة لوزارة التعليم العالي ابتداء من 1997، بخصوص مدى توفق المؤلف في نحت مصطلحات جديدة، من قبيل اقتراح "الشبيه بالحقيقة" المستوحى من كتابات تراثية عربية، أو اجتهاده في ترجمة ألفاظ لاتينية ومدى حظ هذه المصطلحات التي سكها من الانتشار والاعتماد في أطاريح أو دراسات قادمة، أنه "نظرا لتخلف البحث في مجال التداول والحجاج في اللغة العربية عن مسيرة التجديد التي انطلقت في الغرب منذ قرن من الزمن، فإن الباحث يواجه نسقا جديدا يحتاج لأن يملأه بمنظومة مصطلحية متزاحمة تتطلب منتهى الدقة" وفي تصريح مماثل للوكالة، قال الأستاذ محمد الولي إن "كتاب (بلاغة الحجاج ...الأصول اليونانية) يعتبر من المحاولات الجادة التي تنفض الغبار عن هذه المعرفة الموغلة في القدم، أي البلاغة أو الخطابة، كما أنه محاولة لإخراج البلاغة من محمية فنون الزخرفة اللفظية والقواعد والأمثلة المكرورة التي يلوكها الطلبة ومدرسوهم دون فركها وفحصها". ورأى الأستاذ الولي أن من المهم "إعادة فتح النوافذ من جديد في اتجاهين، الأول هو مسقط رأس علم الخطابة، أي اليونان، والثاني هو التحولات الجديدة بل الثورات لهذا العلم في الغرب، حيث أصبحت الخطابة العلم الذي لا تستغني عنه أية معرفة وأي علم يكون فيه حضور للذات الإنسانية وهمومها وتطلعاتها وإحباطاتها، كما نلاحظ ذلك في الآداب عامة والدعاية والوعظ والإشهار وكل خطاب العلوم الإنسانية". وذلك ما اشتغل عليه الأستاذ بنوهاشم، فقد اشتغل على الاتجاه الأول في هذا الكتاب، واشتغل على الاتجاه الثاني في كتاب آخر له هو: نظرية الحجاج عند شاييم بيرلمان. من منشورات مؤلف الكتاب، الحسين بنوهاشم، إضافة إلى هذين الكتابين، "آليات الحجاج في كشف ما هو في الحقيقة لجاج" في مجلة عالم الفكر، العدد 2، المجلد 40، أكتوبر - ديسمبر 2011، و"نظرية الحجاج عند شاييم بيرلمان وآفاق تحليل الخطاب"، ضمن كتاب: البلاغة والخطاب (تأليف جماعي)، من تنسيق محمد مشبال، دار الأمان ومنشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف، 2014، وكذا "البنية الحجاجية في نص (مفهوم التعايش في الإسلام) لعباس الجراري"، و"التربية والخطابية"، و"دور القدوة في التربية" المترجمان عن شاييم بيرلمان، في مجلة (البلاغة وتحليل الخطاب)، الأعداد 1 و3 و4 للسنوات 2012 و2013 و2014 .