قام حسن البنا بتكوين جماعة الأخوان المسلمين في عام 1928 ويقول المحللون السياسيون والمؤرخون أن تكوين الجماعة جاء لمحاولة إعادة الخلافة الإسلامية والتي سقطت بنهاية الحرب العالمية الأولي وتولي مصطفى كمال أتاتورك الحكم وقام بتحويل تركيا إلي دولة علمانية أقرب للثقافة الأوروبية منها للثقافة العربية، حتى أنه أمر بإلغاء أرتداء الطربوش (غطاء الرأس الشهير في هذا الوقت) كما أنه قام بعمل تغيير جذري للغة التركية، فبعد أن كانت التركية تكتب بحروف عربية مثلها مثل اللغة الفارسية، أجبر الأتراك على كتابة التركية بالحروف اللاتينية وتكتب من اليسار لليمين بدلا من اليمين لليسار، ومازالت تركيا علمانية حتى اليوم رغم أن الحزب الحاكم هناك بقيادة أردوجان هو حزب إسلامي، وللأسف لم يفهم الأخوان رسالة أردوجان عندما إستقبلوه إستقبال الأبطال ولم يودعوه لأنه صدمهم بقوله أنه رئيس مسلم لدولة علمانية، لأن الأخوان كانوا يبيعون وهما للمصريين قبل إنتخابات مجلس الشعب بأن الحكم الإسلامي قادر على تطوير مصر كما فعل أوردجان في تركيا ولكنهم صدموا لأنهم أقنعوا المصريين بأن العلمانية كفر، لذلك كانت دعوة أوردجان لهم بالإتجاه نحو العلمانية صدمة كبرى وبدأوا على الفور في التنصل من النموذج التركي، وأخذوا بمساعدة حلفائهم المؤقتين (السلفيين) في الإتجاه إلي النموذج الطالباني الأفغاني وبدأنا نسمع تفاهات مثل زواج الأطفال وختان الإناث وضرب الزوجات تكريم لهن وهدم الأهرامات وأبو الهول وغيرها من توافه الأمور، وللأسف أنجرف الأخوان إلي دعوات التشدد والتطرف، ولكنهم فوجئوا بحجم معارضة المصريين المتدينين بإعتدال بطبيعتهم، فمصر تاريخيا كانت من أوائل شعوب الأرض التي آمنت بوحدة الخالق والدين متجزر وأساسي في الثقافة المصرية، فالأخوان في رسالتهم الدعوية لم يجدوا أي صعوبة لإجتذاب الأنصار في شعب متدين بطبيعته وخاصة عندما فشلت العلمانية العسكرية في الحكم. بدليل أن الأخوان لم يكن لهم ذلك التأثير في الشارع المصري عندما كان حزب الوفد المصري العلماني يؤدي دوره الشعبي في الشارع المصري، ولم يبدأ الأخوان في الظهور سوى في النصف الثاني من القرن العشرين عندما ضعف حزب الوفد وفشل في الشارع المصري وخاصة في تقريب الفوارق بين الطبقات وفي الإهتمام بالأحوال المعيشية لقواعده في الريف المصري، لذلك أخذ الأخوان منه المبادرة وبدأوا في بناء قواعد لهم إنطلاقا من بناء المساجد والخدمات الصحية والتعليمية في كل أنحاء مصر، ثم ساعدوا ضباط الجيش المصري في الإستيلاء على الحكم في عام 1952 ولم يشتركوا في الحكم بل ووضعهم عبد الناصر في السجون من 1954 وحتى 1970 حتى أفرج عنهم السادات وكان جزاؤه القتل على يد فصيل خرج من رحم الأخوان. ولا شك أن الأخوان نجحوا في خلق قواعد شعبية لهم في كل أنحاء مصر وبخاصة في القرى والأحياء الفقيرة، ونجحوا في حشد أعوانهم عند اللزوم وخاصة منذ ثورة 25 يناير، والسبب الأساسي هو أن تنظيم الأخوان في الأساس هو تنظيم عسكري عنقودي هرمي قائم على السمع والطاعة وإعطاء الأوامر من فوق إلي أسفل الهرم وطاعة الأوامر من إسفل الهرم فما فوق، وعندما شكل حسن البنا التنظيم في هذا الوقت لا بد وأنه قد تأثر بالتنظيمات الفاشية والنازية في أوروبا في ذلك الوقت وهي تنظيمات قامت أيضا على السمع والطاعة وعلى التشكيلات العسكرية، وإعتمدت أيضا على بعض عمليات إغتيال معارضيها. لأن المعارضيين في نظرهم أعداء، لذلك ينعت بعض الإسلاميين المتطرفين اليوم المعارضة بالكفر لأنهم لم يتعودوا إلا على السمع والطاعة ومن يخرج عن السمع والطاعة يعتبر في حكم المرتد وجب قتله. فعندما يقول الرئيس مرسي في خطابه أمام أعوانه ومريديه وأهله وعشيرته (وكأنه في مؤتمر إنتخابي ونسى أو تناسى أنه أصبح رئيسا لكل المصريين) وقال إن المعارضة :"هم 7أو 5 أو 4 أو 3 يتقابلون في حارة مزنوقة ويعملوا حاجة غلط" !! ده كلام كان يصدر من الشيخ كشك رحمه الله عندما كان يهاجم أم كلثوم أو جيهان السادات، ولا يصدر عن رئيس جمهورية، وعندما صرح لمجلة التايم بأن %90 من الشعب المصري يؤيده، فهو لا يصدق أن الشعب المصري يرفض مبدأ السمع والطاعة، ولا يريد أن يصدق أنه فاز برئاسة مصر بحوالي 13 مليون صوت من أصل 52 مليون يحق لهم التصويت ولا يحترم منافسه أبدا الذي فاز بحوالي 12.5 مليون صوت، وبأنه في جولة الإنتخابات الأولي لم يفز مرشحي التيار الإسلامي بأكثر من %44 من الأصوات وفاز مرشحي التيار الليبرالي العلماني واليساري بحوالي %56 من الأصوات. وعندما يخطب الرئيس مرسي خطبه الإرتجالية أشعر أنني أشاهد أمام مسجد وليس رئيس جمهورية، وفرق كبير بين رئيس الجمهورية وأمام المسجد، أبي رحمه الله الشيخ أحمد البحيري كان أمام مسجد يوم الجمعة ولكنه لم يكن له علاقة بالسياسة وكان متفرغا للدعوة فقط بالجمعية الشرعية، ولكن جماعة الأخوان هي جماعة سياسية رفعت شعار الدين للوصول إلي قلوب الشعب المصري ونجحت في تكوين قواعد شعبية لها وكانت دائما في مقعد المعارضة، والمعارض في العادة دائم النقد لمن في السلطة بدون إيجاد حلول، ولكن عندما فؤجئ الأخوان بأنهم أصبحوا في السلطة فجأة لم يعرفوا كيف يمارسوا السياسة وإعتقدوا أنهم مازالوا في مرحلة "أمام المسجد" وأنهم في مرحلة السمع والطاعة، حتى أن مرسي في خطاباته الأولي كان يخاطب "أهله وعشيرته" وهو تعبير غاية في الغرابة على الشعب المصري وهو تعبير قبلي لا يعترف بالمواطنيين ؟؟ وأنا أعتقد أن الأخوان بقفزهم على السلطة في غفلة من الزمن لم يعطوا لأنفسهم الوقت الكافي للإنتقال من مرحلة الدعاة إلي مرحلة الساسة، حتى أنه قبل إعلان نتيجة إنتخابات الرئاسة النهائية وعندما ظهر أن هناك إحتمال فوز أحمد شفيق بمنصب الرئاسة أشتاطوا غضبا وصرحوا بلا إستثناء أنهم سيحرقون مصر إذا فاز شفيق حتى أن الرئيس مرسي نفسه قبل أن يصبح رئيسا رفض تماما في مقابلاته التليفزيونية التصريح بإحترامه النتيجة أيا كانت، ولم يذكر منافسه المحترم أبدا. والأخوان إن لم يتعلموا كيف يحترمون معارضيهم ويقبلون بالتعددية ويتخلون عن مبدأ السمع والطاعة، وموضوع الأهل والعشيرة، وتكفير الآخر وتقسيم الناس إلي فسطاطين : فسطاط مؤمن لهم وفسطاط كفر لمن ليس منهم فسوف ينتهي بهم الأمر إلي العودة لمساجدهم كأئمة مساجد!!