ما تابعته خاصة هنا على صفحات التواصل الاجتماعي من آراء متناقضة بخصوص التعاطي مع الأحكام الصادرة مؤخرا في حق مجموعة من معتقلي مدينة الحسيمة ،حيث هناك من وصفها بالقاسية ، وهناك من سماها بالمفرطة ، وهناك من وصفها بالرجوع إلى سنوات الرصاص الخ…،هذا جعلني أساهم كمواطن أولا وقبل كل شيء ، وكفاعل جمعوي راكم ما راكمه من تجارب، في مناقشة هذا الموضوع الذي يتطلب بلا شك وقفة موضوعية وذلك بعيدا عن كل انفعال وإصدار للأحكام الغيابية وتوزيع الاتهامات يمينا وشمالا. أن أقرا تدوينة لأحد الفايسبوكيين العاديين حول الأحكام التي أصدرتها محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء في حق معتقلي الحسيمة ، أرى هذا أمرا عاديا ولو حتى تم وصف الأحكام بالقاسية والمفرطة والظالمة الخ..لكن أن أقرا أو أسمع تصريحات لمحسوبين على الطبقة السياسية من وزير وأحزاب سياسية ومنهم بطبيعة الحال بعض البرلمانيين ، فهذا ما لم يستسغه عقلي نهائيا وسأوضح لماذا؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال ، لابد من الوقوف عند مسألة أساسية وهي أن الأحكام التي يصدرها القضاة هي دائما تكون مبنية على معطيات ومعلومات وحجج يصعب على كل واحد أن يفهمها ما لم يكن على اطلاع واسع على مجريات الحكم من جهة ، ومن جهة أخرى فالمحكمة في كثير من الأحيان توجه للمتهم الماثل أمامها أسئلة تبدو بالناسبة لنا عادية وساذجة ، لكن القاضي من خلالها يبني مسارا مختلفا ويقوم بتكييف تهم خطيرة سيواجهها المتهم. لماذا عبرت عن استغرابي لتصريحات الطبقة السياسية بشأن هذه الأحكام ومن ضمنها وزير حقوق الإنسان ، هيئات سياسية ، وبرلمانيين ينتمون لفرق برلمانية ؟ وهم يمارسون هواية الاختباء وراء المفردات ، الجواب بسيط للغاية ، وهو أن كل ما حدث في الحسيمة من أحداث ، والنتائج التي ترتبت عنها ومن ضمنها الزج بشباب داخل السجون ، الطبقة السياسية هي من تتحمل مسؤوليته من أولها إلى آخرها ،وإلا لماذا سجلت غيابها الرهيب عن ساحة الحسيمة حتى تمنع كل حراك من أجل مطالب اجتماعية ، من الانحراف عن مساره الحضاري والطبيعي؟ لمذا لم تقم هذه الطبقة السياسية بتدخل استباقي إبان اندلاع الأحداث المؤلمة ؟وتلعب هذه الطبقة السياسية التي تحصل سنويا على أموال مهمة من أجل تأطير المواطنين ، دور الوسيط بين الشعب والمؤسسات وأكثر من هذا تتولى تأطير هذا الحراك بعد فهم المطالب والدفاع عنها ؟لماذا التزمت هذه الطبقة السياسية صمتها المخيف طيلة الأحداث التي كانت الحسيمة مسرحا لها وجلالة الملك محمد السادس نصره الله كان وقتئذ خارج أرض الوطن يواجه في القارة الإفريقية مؤامرة خطيرة كانت تدبرها الجزائر وتسعى إلى عزل المغرب إفريقيا ، لكن تحركات جلالة الملك عكست الأمر ، حيث أصبحت هذه الجزائر هي المعزولة اليوم إفريقيا ،وأصبح المغرب مرفوع الرأس عند جميع الدول الإفريقية ، ولماذا لم نسمع عن هذه الطبقة السياسية أي شيء طيلة المدة الزمنية الكبيرة التي قضتها محاكمة معتقلي الحسيمة ؟ألم تكن هذه الطبقة السياسية هي المسؤولة عن تعطيل مشاريع الحسيمة وغيرها من المدن والجهات؟ هذا هو الخبث السياسي الذي أصبحنا نعيشه مع الأسف . التصريح الذي قرأته للوزير الحقوقي الأستاذ مصطفى الرميد وهو يعلق على أحكام محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء ، أفهم منه شيئا واحدا وهو التقليل والتنقيص من كفاءة قضاة الابتدائية والطعن في قدراتهم ،وهذا تصنيف خطير في حق قضاة الابتدائية ، وفي هذه الحالة فإما أنا لا أملك الكفاءة ويجب أن أغادر مجال القضاء وأذهب إلى حال سبيلي ، وإما أن السيد الوزير يزايد ويكذب وعليه بالمحاكمة ،والتصريح الذي جاء على لسان أحزاب سياسية هو لا يخرج عن باب المزايدة أولا ، ثم التحريض الغير المباشر على القضاء ثانيا ،بمعنى نطالب الناس برد فعل ضد أحكام قضائية ، وأخيرا تشويه سمعة البلد ومؤسسته القضائية التي أصبحت مستقلة بعدما كانت مجرد وظيفة،ثم قرأت تصريحات بعض البرلمانيين وهم يصفون هذه الأحكام بنعوت لا تخدم الأشواط المهمة التي قطعتها بلادنا في مجال دولة الحق والقانون ،والسياسي في جميع الأحوال غير مسموح له بإصدار مثل هذه التصريحات وهذا الكلام ، لأن الأحكام أمامها درجات أخرى من التقاضي ،والسلطة القضائية تمارس وفق ما بين أيديها من قوانين وفصول لذلك تملك هذه السلطة قيمتها. والغريب في الأمر أن هؤلاء البرلمانيين ومنهم من اختار اللجوء إلى "الفايسبوك " للتعليق على هذه الأحكام ، بينما دوره يكون داخل قبة البرلمان من خلال تقديم مقترحات قانونية تجنبنا مستقبلا الوقوع في ما وقعنا فيه بخصوص أحكام الدارالبيضاء ، على اعتبار أن هذه الأحكام التي ينتقدها هؤلاء البرلمانيون هم من وضعوها وشرعوها فكيف لهم يوجهون بنادقهم ورشاشاتهم إلى القضاة ويؤاخذونهم على إصدار الأحكام وفق القانون؟ وأكثر من هذا أن هذه الأحكام هي في مرحلتها الابتدائية وستنتقل إلى المرحلة الاستئنافية ويمكن للقضاء في هذه المرحلة أن يكون له رأي آخر . مسألة أخرى لابد من الوقوف عندها ونحن نتحدث عن الأحكام التي أصدرتها محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء ،وهي أن من ينظر للشكل ليس كمن ينظر للجوهر، والقضاء يهتم كما يعرف الجميع بالجوهر ، ففي الشكل نحن أمام مجموعة من الشباب اختاروا الخروج إلى الشارع ليطالبوا ببناء جامعة ، مستشفى ، الحصول على الشغل وعلى حق التعليم الخ… في حراك سلمي فتم اعتقالهم ،لكن في الجوهر هي قضية جنائية لا علاقة لها لا بمطالب اجتماعية ولا بحرية التعبير ولا بشيء آخر ، لذلك أجد نفسي اليوم مساهما مع السادة البرلمانيين بكل مجانية بتقديم مقترحات يتم الترافع عنها داخل قبة البرلمان بنفس الحماس الذي يتكلمون به في "الفايسبوك " ويتسابقون على كسب ود الفايسبوكيين بدل من أن يكونوا قوة مؤثرة في الشارع ، وهذه القوانين حينما ستتم المصادقة عليها ، سيكون السادة القضاة مجبرين بالعمل بها وليس بغيرها ، ومن هذه المقترحات : 1 – كل من تلقى أموالا من الخارج لزعزعة الاستقرار والأمن العام والتحريض على الفوضى وتأكد للقضاء من أنه كان من المطالبين بالمطالب الاجتماعية ، يعفى من كل متابعة قضائية. 2 – كل من أقدم على عرقلة شعيرة صلاة الجمعة أو انتهاك حرمة المساجد وتأكد للقضاء بأن مرتكب هذه الأفعال الإجرامية هو من المطالبين بالمطالب الاجتماعية ، يعفى من كل متابعة قضائية. 3 – كل من قام بعرقلة الحياة العامة وتوقيف الحركة الاقتصادية وتأكد للقضاء بأنه من المطالبين بالمطالب الاجتماعية ، يعفى من كل متابعة قضائية. 4 – كل من رشق القوات العمومية بالحجارة وإغلاق الشارع العام وتخريب الممتلكات العامة وتأكد للقضاء أنه من المطالبين بالمطالب الاجتماعية ، يعفى من كل متابعة قضائية. 5 – كل من قام بإحراق السيارات الخصوصية والعمومية ومن بينها سيارات الأمن ، وتأكد للقضاء أنه من المطالبين بالمطالب الاجتماعية ، يعفى من كل متابعة قضائية. 6 – كل من أقدم على إحراق المباني بما فيها التي يقطنها أفراد القوات العمومية ، وتأكد للقضاء بأنه من المطالبين بالمطالب الاجتماعية ، يعفى من كل متابعة قضائية . 6 – كل من قام بتعريض القوات العمومية للعنف ولو أدى الأمر إلى إلحاق عاهات مستدامة يستحيل أن يشتغلوا بعدها ، وتأكد للقضاء بأنه من المطالبين بالمطالب الاجتماعية ، يعفى من كل متابعة قضائية. ولتعزيز مجال حرية التعبير ، أقترح على السادة البرلمانيين وخاصة منهم المتحمسين في انتقاد هذه الأحكام أن يضيفوا في مقترحاتهم التي سيتقدمون بها إلى مؤسستهم التشريعية ما يلي: 1 – اعتبار تخريب الممتلكات العمومية من حرية التعبير 2 – إحراق سيارات الأمن وسيارات المصلحة من حرية التعبير 3 – رشق عناصر القوات العمومية بالحجارة أو بوسيلة أخرى من الوسائل، من حرية التعبير 4 – إرغام التجار على إغلاق محلاتهم من حرية التعبير 5 – عرقلة أداء المصلين لصلاتهم من حرية التعبير 6 –منع المواطنين من رفع علم بلادهم من حرية التعبير هذه مقترحات حبذا لو ترافع بشأنها البرلمانيون الذين اختاروا "الفايسبوك " للنقاش ،ومحاولة التأثير على العدالة ،وأصبحت مقبولة ويتم العمل بها من طرف القضاة لنصبح في أي وقت وزمن ، أمام مشروع تخريبي يقود البلاد إلى الفوضى العارمة ويختلط الحابل بالنابل . أخيرا ، وللتاريخ فالشباب الذين توبعوا خاصة بالدارالبيضاء ونحن نتمنى لهم الإفراج العاجل والقريب بحول الله وقوته في مغرب يقوده ملك يقدر المسؤولية الأبوية ، وكان دائما ملاذا لشعبه الوفي ومصدرا للرأفة والتسامح ،سبق لهم أن واجهوا كل المبادرات التي بادرت للقيام بها حكومة البلد ،وربما هذا الرفض الذي تمت به مواجهة مساعي ومبادرات الحكومة لم يكن الغرض منها هو رفض الحكومة ، بل لأن التعليمات التي كانت تأتي من الديار الهولندية كانت تسعى إلى الاستمرار في بث الفوضى إلى أن يحين الوقت لزعزعة الاستقرار والعمل حينئذ على نقل وتصدير الفوضى إلى مدن أخرى مع النيل من سمعة المؤسسات والتنقيص من قيمتها مع الاعتداء على عناصر الأمن وذلك بغية التمكن من تنفيذ مشروع الخوف في قلوب الناس حتى يتسنى لهم تحريكهم كيفما شاءوا ومتى شاءوا.وللحديث بقية