عندما هربنا من السجن اعتقلوا والدتي وعصبوا عينيها وكتفوها وعذبوها - سنة 1979 ستخلق الحدث بين كل المعتقلين اليساريين آنذاك بمحاولتك الفرار من السجن، ماذا جرى بالضبط؟ أريد أن أقول أولا إنه عندما تدخل إلى السجن فأنت تكون غير محمي من متابعات جديدة، وهكذا وفي نوفمبر من سنة 1975 اتهمنا من جديد بمحاولة الهروب من أجل تغيير النظام في البلد، فتم من جديد إخراجنا من السجن إلى مخافر الشرطة واستنطاقنا تحت التعذيب وفتح ملف متابعة جديد، اتهموا فيه عائلاتنا أيضا بمحاولة تغيير النظام، فبقينا لمدة ستة أشهر في زنازين العزلة داخل السجن، وفي الآخر حوكمنا بعدم المتابعة لأن هذا الملف كان مجرد محاولة ثانية للانتقام منا، وهذا يؤكد كما سبق أن قلت لك إنه حتى في السجن يمكن أن يعاد اعتقالك مرات ومرات حتى وأنت معتقل أصلا... - هنا قررت أن تهرب فعلا وأن تكون المتابعة حقيقية في عام 1979؟ في 13 أكتوبر 1979 بالضبط حاولت الهروب من مستشفى ابن سيناءبالرباط، مع الرفيقين جبيهة رحال ونجيب البريبري، حيث كنت أعالج بسب قرحة في المعدة وكان جبيهة يعالج لأنه كان مريضا بالقلب وكان نجيب يعالج بسبب آلام دائمة في أحد مفاصل رجليه.. الحدث الأول في محاولة الهروب هاته سيكون هو وفاة الرفيق جبيهة رحال، الذي كان يتزعم محاولة الهروب، وذلك أثناء محاولته القفز من على سطح المستشفى، حيث كانت توجد غرفة السجناء المرضى، مستعملا لهذا الغرض حبلا صنعه من أغطية أسرة المستشفى فانقطع الحبل ورحل جبيهة، حيث كنا قد خططنا أن تكون هذه هي طريقة هروبنا من "ابن سيناء"، بعد ذلك استطعنا أن نجد طريقة أسهل للهروب عبر السلالم الجانبية، وبالفعل استطعنا الهرب أنا ونجيب البريبري، وما جاء بعد الهروب يشكل قصة لوحده... - احك لنا هذه القصة؟ كان المخطط الذي وضعناه لهروبنا ينتهي بوصولنا إلى الدارالبيضاء والاختباء هناك.. لكن القصة تبدأ من الحدث المؤلم لوفاة جبيهة رحال فهذا يعني أننا فقدنا واحدا منا، فعندما نزلنا من السلالم الجانبية قادتنا هذه الأخيرة إلى مستودع الأموات بمستشفى ابن سيناء، فخرجنا وتوجهنا مشيا إلى محطة الحافلات لكن الساعة كانت تشير إلى الثالثة صباحا ولم تكن هناك أية حافلات متوجهة إلى مدينة الدارالبيضاء، فتوجهنا إلى محطة سيارات الأجرة الكبيرة، وأخذنا سيارة أجرة وتوجه بنا السائق مباشرة إلى مخفر الشرطة (يضحك).. لأنه آنذاك كان سائقو "التاكسيات" مجبرين على طلب ترخيص من الأمن للسفر ليلا، وكان على المسافرين أن يمنحوا بطائق تعريفهم الوطنية لرجال الأمن ليحصل سائق التاكسي على ترخيص السفر في الليل، فدخلنا مخفر الشرطة ونحن لا نملك بطائق وطنية، فقلنا للمسؤول إنه تم الاعتداء علينا من طرف لص أخذ منا كل شيء فرفضوا تسليمنا رخصة السفر في الليل، فرجع سائق التاكسي إلى بيته ونحن نرافقه دائما، وأحضر بطاقة التعريف الوطنية لزوجته، وتقدم من جديد إلى مخفر الشرطة وحصل على التصريح، وتمكنا من الوصول إلى الدارالبيضاء وكان ثمن رحلة التاكسي آنذاك هو 90 درهما... - ماذا حدث فيما بعد؟ وصلنا إلى محطة "الستيام" بالدارالبيضاء، وكان من المفترض أن نلتقي بشخص كان على اتصال بالمرحوم جبيهة لكن نظرا لوفاة هذا الأخير لم نستطع ربط الاتصال بهذا الشخص، فاتصلت بأحد أصدقاء عائلتي الذي نقلنا مباشرة إلى مدينة المحمدية في أحد البيوت الصغيرة بجانب البحر، وعندما رجع هو إلى منزله لإحضار بعض الأكل وبعض ما نحتاج إليه للإقامة في ذلك البيت الصغير كانت حملة البحث عنا قد بدأت في الطرق والمنازل في الرباطوالدارالبيضاء وفي كل أنحاء المغرب، ودامت هذه المراقبة الدقيقة للطرقات والبيوت ومداخل ومخارج المدن طيلة أيام هروبنا، فجميع أفراد البوليس المغربي وجميع أفراد الدرك في المغرب إضافة إلى جميع أفراد القوات المساعدة وكل رجال الأمن السري والضباط كانوا معبئين من طانطان إلى وجدة بحثا عنا، ومن أجل ذلك قاموا بزيارة جميع الناس الذين زاروا السجن طيلة مدة اعتقالنا، أي كل من زارونا في السجن خلال سبع سنوات... - وماذا عن عائلتك، هل بحثوا عندهم أو استنطقوهم؟ بل أكثر من ذلك، لقد اعتقلوا والدتي، وكانت تبلغ من العمر آنذاك 57 سنة.. اعتقلوها ووضعوا عصابة على عينيها والأصفاد في يديها في كوميسارية الرباط، وكان رئيس الأمن آنذاك بمنطقة الرباط هو البزايتي، اعتقل كذالك والد نجيب البريبري، كما اعتقل الأخ الشقيق لجبيهة وزوجته رغم أنه توفي في بداية محاولة الهروب، وتم تعذيبهم جميعا وبقوا رهائن طيلة أربعة أيام في مخفر الشرطة إلى أن عثروا علينا واعتقلونا، فتم من جديد الاعتقال والاستنطاق تحت التعذيب وحكم علينا بثلاث سنوات سجنا.