تحولت وضعية ميزانية الدولة من فائض مالي بحوالي 11 مليار درهم إلى عجز يقارب 5 ملايير درهم في نهاية الفصل الأول من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. بعد سنتين من الفائض المالي على مدى سنتي 2007 و2008 وشبه توازن في السنة الماضية، يرتفع الخصاص المالي للميزانية بوتيرة متصاعدة منذ بداية هذا العام، في سياق تقلبات الظرفية الدولية وارتفاع سعر النفط، مما تطلب من الحكومة البحث عن مصادر تمويل خارجية أمام شح السيولة في الداخل. فقد ارتفع دعم المقاصة أربع مرات خلال الفصل الأول من هذا العام، ضمن نفقات الدولة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، نتيجة لصعود سعر النفط في الأسواق الدولية، وهو ما جعل الميزانية تستنفذ قرابة نصف مخصصات الدعم السنوية في ظرف 3 شهور الأولى من العام، حيث انتقل الدعم من 1.2 مليار درهم إلى 6.1 مليار درهم، ضمنها 4.8 مليار درهم لدعم النفط. من حسن الحظ أن أزمة الأورو أجبرت أسعار النفط على التراجع، لكن عودة الاستقرار إلى أسواق المال قد تجعل سعر برميل النفط يصعد مجددا ويهدد بتفاقم الوضع المالي للميزانية. ولم تستثن باقي نفقات الميزانية من الارتفاع، لاسيما منها نفقات ميزانية التجهيز التي بلغت 32 مليار درهم في مقابل استقرار نفقات أجور الموظفين، وزادت نفقات الاستثمار العمومي إلى 16.3 مليار درهم في متم الفصل الأول بنسبة 10 في المائة مقارنة بالعام الماضي. وعلى العكس من ذلك، تقلصت موارد الميزانية بفعل تراجع المداخيل الضريبية إلى 44.5 مليار في متم مارس الماضي. وقلصت تداعيات الأزمة مداخيل الضريبة على الشركات بنسبة تتجاوز 27 في المائة إلى 12.8 مليار درهم، فيما فقدت الضريبة على الدخل نسبة 14.7 في المائة من قيمتها المسجلة في العام الماضي لتتراجع إلى 6.6 مليار درهم. وباستثناء القطاع الفلاحي، فإن وضعية غالبية القطاعات المنتجة لم تتعاف بعد من تداعيات الأزمة، في حين لا تزال القطاعات المصدرة تشكو من ضعف الطلب الخارجي قد يضاعف من وطأته الأزمة التي تعيشها حاليا منطقة الأورو، وهو قد يزيد من تدهور الموارد الضريبية للعام الثاني على التوالي ضمن موارد الدولة، غير أن تقلبات سعر النفط في السوق الدولي فوق 70 دولار للبرميل قد ترفع حجم الإنفاق، وتزيد بالتالي من الخصاص المالي للميزانية في الشهور المقبلة. وبلغ العجز الموازناتي 450 مليار سنتيم إلى متم مارس الماضي، تنضاف إليها قرابة 80 مليار سنتيم من المتأخرات، ليرتفع حجم الخصاص المالي إلى حدود 500 مليار، مما دفع بالحكومة إلى البحث عن صيغ تمويل من الخارج أمام ارتفاع حجم الديون الداخلية ووضعية شح السيولة في السوق المالي المغربي، حيث أعلن في الشهر الماضي عن عملية لاقتراض حوالي 500 مليون أورو من السوق المالي الدولي، لكن العملية التي تقودها مؤسسات مالية كبرى تعثرت بسبب اضطرابات الأسواق المالية على إثر أزمة اليونان، مما يقلص منافذ سد العجز المالي للميزانية ويضاعف من لجوء الخزينة إلى إصدار السندات وزيادة حجم الديون الداخلية.