صباح الخير سيدي، وأعتذر مسبقا عن ضياع بضع دقائق من وقتكم في قراءة هذه الرسالة. لم أعتد الحديث في هذا الركن عن شأن خاص، ولا تعودت أن أطلب شيئا من وزير أو مسؤول، لكن الإحساس بالظلم هو ما دفعني إلى أن أخاطبكم بخصوص نزاع قضائي بسيط تحول إلى خطة مدروسة للإساءة إلى الصحافي في شخصي وإلى المهنة التي أنتمي إليها في ملف معروض على القضاء، لكنه تعرض ل"اللعب" قبل أن يصل إلى يد القاضي، لقد ترددت في الكتابة إليكم وفي إشراك الرأي العام في الموضوع درءا لأن يقال إنني أستغل قلمي لخدمة أهداف خاصة، لكن وبعد أن تأكد لي، بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك أطرافا دخلت على الملف وحاولت "تسييسه" في الكواليس وعلى صفحات بعض الجرائد من أجل النيل من شرفي المهني، قررت الحديث بصوت مسموع. الملف كان عبارة عن نزاع عقاري عرض على القضاء المدني منذ ثلاث سنوات، وبت فيه ابتدائيا واستئنافيا لصالحي، لكن المشتكي عبد الواحد القبلي، صاحب العقار الذي رفض إتمام البيع، وبعد أن فشل في إثبات ما يدعي، لجأ إلى الدعوى الجنحية متهما إياي بالاحتيال عليه، كيف ذلك؟ مرة بادعاء أن ثمن البيع لا يناسب قيمة العقار، ومرة بادعاء أن هناك مبلغا غير مصرح به (نوار) لم يتوصل به، ومرة بالقول إن هناك غبنا تعرض له... إلى هنا الأمر عادي، ومن حق أي مواطن أن يلجأ إلى القضاء في مواجهة صحافي أو معلم أو شرطي أو محام. أنا لم أكتب في الموضوع رغم أن الدعوى تحركت قبل أكثر من شهرين، ولولا أن بعض الصحف استغلت هذا الملف للعب في الماء العكر، لما تكلمت، فأنا كنت ومازلت على قناعة بأن قلم الصحافي موجود لخدمة القارئ وليس للدفاع عن النفس. إنني لا أطلب، سيدي الوزير، أكثر من إثارة الانتباه إلى ملف بدأ عاديا وصار استثنائيا.. ملف تدخلت فيه أيدٍ كثيرة وبدوافع كثيرة لدى النيابة العامة ولدى الشرطة القضائية، وأنا هنا لن أكشف كل الأوراق حتى لا يقال إن هناك نية للضغط على القضاء، فأنا واحد من المؤمنين بضرورة استقلاله عن الجميع، لكن هذا لا يمنع من القول بأن الملف لما ذهب إلى الشرطة القضائية بعد تسعة أشهر من وضع الشكاية (نعم تسعة أشهر!)، لاحظت أن هناك أجواء غير طبيعية تحيط بالتحقيق، وأخبرني كل من استدعي إلى التحقيق بأن هناك ضغوطا نفسية رهيبة تعرضوا لها للاعتراف بوقائع يجهلونها، أو للشهادة على أشياء لم يكونوا قد حضروها، فمنهم من استدعي سبع مرات للتحقيق، ومنهم من بقي طول اليوم في الكوميسارية. وإن مما زاد في شكوكي أن الخلاصات التي أعدتها الشرطة القضائية عن المحاضر تفضح الانحياز إلى طرف ضد آخر، فهناك، مثلا، كلام رواه الشهود على لسان المشتكي، ثم أصبح هذا الكلام في المحاضر اعترافات منسوبة إليهم (أي إلى الشهود)، كما أنني طلبت من الشرطة القضائية أن تستمع إلى أسماء أخرى كانت شاهدة على كل ما راج أثناء بيع العقار، فرفض المحققون ذلك، وقالوا إنها تعليمات النيابة العامة. بعد ذلك تحركت آلة الإعلام، على مدار أكثر من شهر، تنشر مقاطع مجتزأة من المحاضر بدون تحفظ ولا مهنية، حتى إن بعضهم أصدر الحكم قبل أن ينظر القضاء في القضية، وكل هذا لأغراض لا تجهلونها سيادة الوزير. هل يعقل أن يتوصل شخص بشيك بقيمة 100 ألف درهم وهو يعتقد أن قيمة الشيك هي مليون درهم، وعندما يذهب إلى البنك ويصرف الشيك في نفس اليوم الذي تسلمه فيه، يعود إلى بيته ويصمت ثلاث سنوات، ثم بعد ذلك يرفع دعوى نصب؟ هل يعقل أن يبيع شخص عقارا ب3.8 مليون درهم ويتوصل ب1.8 مليون درهم فقط، ويجعل 2 مليون درهم "نوار"، ثم لا يتوصل بها نقدا قبل التوقيع على الوعد بالبيع، ولا يطالب بها إلا بعد مضي ثلاث سنوات، بعد أن يخسر الدعوى المدنية ابتدائيا واستئنافيا؟ ثم قبل هذا وبعده، لماذا يتسلم السيد القبلي 2 مليون درهم "نوار" ويخرق القانون ويتهرب من الضريبة إذا كان قد اشترى العقار منذ 1993 وباعه سنة 2007، أي قد مرت عليه أكثر من ثماني سنوات، وهي المدة الكافية لإعفائه من الضريبة على الأرباح العقارية (TPI).. لماذا يغامر شخص بأكثر من نصف ثمن العقار ويجعله "نوار"، قبل أن يتقاضاها أثناء التوقيع، وهو في غنى عن كل ذلك لأنه معفي من الضرائب! إنني، السيد الوزير، لم أعط أي مبلغ، لا تحت الطاولة ولا فوقها، وإن التشويش على الدعوى المدنية هو الغرض من الدعوى الجنحية، فالمشتكي مرة يدعي أنه فاقد لقواه العقلية (هل هناك فاقد للقوى العقلية يطالب بالنوار)، ثم لما فشل في إثبات المرض العقلي الذي يعفيه من المسؤولية في المرحلة الابتدائية، رجع وقال، في المرحلة الاستئنافية، إن السماسرة نصبوا عليه وأفهموه بأنه إذا باع عقاره يمكنه أن يشتري آخر بثمن أقل ويربح في هذه العملية.. أما في مرحلة المجلس الأعلى، فقد قال إنه قد تعرض للغبن في الثمن، أي أنه يقر بسلامة الوعد بالبيع، ولا يقول إن هناك مبلغا أسود ولا أبيض. سيدي الوزير، إنني أخشى أن يتم التلاعب في ملفات عادية من أجل الانتقام من الصحافيين. إن النموذج التونسي الذي اتجه إلى فبركة ملفات حق عام للصحافيين حتى لا يقال إن السلطة تطارد حرية التعبير.. إن هذا النموذج يغري بعض الأطراف لدينا، وللأسف، جسمنا المهني غير محصن وغير قادر على الدفاع عن نفسه. هذا ما لدي من أقوال، والله على صدق ما أقول شهيد.