دفن بمدينة القصر الكبير، يوم الجمعة الماضي، رفات الشهيد عبد السلام الطود، الذي تم تسليم جثمانه لأسرته من طرف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان منتصف الأسبوع الماضي، في حفل تأبيني مهيب، حضرته فعاليات حقوقية وحشود من الرجال والنساء، وتميز بإلقاء كلمات وشهادات في حق الطود، أماطت اللثام عن تفاصيل صفحة دامية من تاريخ المغرب المعاصر، وتتعلق بالصراع السياسي بين مكونات الحركة الوطنية وجيش التحرير حول السلطة بعد الاستقلال، كما لم يفت المشيعين إدانة المتسببين في الاغتيالات وطالبوا بالكشف عن الحقيقة ومتابعة المتورطين، كما أثاروا الانتباه إلى دور المجلس الاستشاري في هذا الإطار. شكل حدث تشييع جثمان الشهيد عبد السلام الطود من طرف عائلته ومجموعة من الهيئات الحقوقية الوطنية بمدينة القصر الكبير، يوم الجمعة الماضي، مناسبة أدانت فيها الكلمات التأبينية الملقاة بالمناسبة الطريقة التي تم بها تدبير مرحلة ما بعد الاستقلال بالمغرب، كما سلطت الأضواء في نفس الحدث على مرحلة دامية من تاريخ المغرب المعاصر من خلال الصراع الذي كان دائرا بين حزب الاستقلال وجيش التحرير، وطالب المشيعون في الجنازة بالكشف عن الحقيقة ومحاكمة المتورطين في مثل هذه الأحداث. وحضرت جموع كثيرة حدث التشييع الذي أقيم بقاعة العروض الكبرى ببلدية القصر الكبير، وكان من بين الوجوه الحاضرة آسية الوديع وشقيقها صلاح الوديع الذي تأبط على طول المسيرة يد أرملة عبد السلام الطود، فيما تم تشييع جثمان الشهيد في منزل عائلته بساحة علال بن عبد الله، وتمت الصلاة عليه بالمسجد الأعظم بعدوة باب الواد بالمدينة العتيقة، ليوارى رفاته الثرى بمقبرة المدينة. وشاركت نساء كثيرات في الموكب الجنائزي، الذي مر من شوارع المدينة على إيقاع زغاريدهن، قبل أن يتم تقديم شهادات وقراءة كلمات في حق عبد السلام الطود الذي ازداد بمدينة القصر الكبير سنة 1916، واختطف يوم 12 يونيو 1956 بمدينة تطوان، وعثر على قبره ورفاته بمدينة غفساي حيث تم اغتياله، في مرحلة أكدت الشهادات أنها تميزت بالصراع بين المكونات السياسية آنذاك حول الوصول إلى السلطة، وهي مرحلة من تاريخ المغرب ما زالت ملامحها غامضة. وأجمع المتدخلون في الجمع التأبيني على إدانتهم ل"الجريمة السياسية بصفة عامة"، وطالبوا بالكشف عن "الحقيقة كاملة ومحاكمة المتورطين في هذه الجرائم"، فيما مثلت كلمة فرع منظمة العفو الدولية أقوى لحظات التأبين، حيث تضمنت تفاصيل عن "قصة اختطاف واغتيال الشهيدين عبد السلام أحمد الطود وإبراهيم الوزاني وحيثيات التوصل إلى مكان دفنهما"، وكان للوصف الدقيق لمراحل الاغتيال وحفر الشهيدين لقبرهما بيديهما ودفن أحدهما للآخر قبل اغتيال الثاني بالغ التأثير على الحضور الذي تقوت مشاعر الإدانة لديه. وألقى أسامة الزكاري، الباحث في تاريخ شمال المغرب المعاصر، لمقاطع من رسائل لبعض نساء عائلة الطود وهن يبثن شكاويهن لأقربائهن في رسائل يحتفظ بها في أرشيف العائلة، ويعبرن فيها عن مشاعر الإحباط والتوجس وعدم الإحساس بالأمان في ظل استهداف عائلة الطود المتواصل من طرف خصومها السياسيين وميليشيات التصفية الجسدية. إلى ذلك، أوضحت مصادر حضرت الحفل التأبيني أن الحدث شكل مناسبة لطرح تساؤلات حول دور المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي كان بعض أعضائه حاضرين، خصوصا أنه، من خلال الشهادات، "يظهر أن عائلة الشهيد عبد السلام أحمد الطود وبعض الإطارات الحقوقية هي التي كانت تواكب العملية منذ البداية إلى حدود العثور على رفاته"، ما يؤشر على أنه "لولا إصرار عائلة الشهيد، وخصوصا أرملته فاطمة محمد عدول على معرفة مصير فقيدها، لطوى النسيان هذا الملف".